المواطنة وأزمة الدولة الكويتية

نشر في 07-08-2009
آخر تحديث 07-08-2009 | 00:00
 فالح ماجد المطيري *جاءت فكرة هذا المقال من تعليق للأخ والصديق الإعلامي المميز غالب العصيمي على مقالي السابق.

الدولة الكويتية تعيش حاليا أزمة غير مسبوقة منذ تشكلها، تكمن في الانفصام القائم بين شكلها «السياسي» كدولة، ومبدأ أساسي من أهم مكوناتها وأعني به «مبدأ المواطنة بشموليته»، فالكويت تشكلت كتجمع بشري من مجموعة مختلفة من المهاجرين، ومن ثم قاربت الشكل الإقليمي للدولة بعد توقيع اتفاقية الحماية مع بريطانيا في عهد الشيخ مبارك الصباح، واستكملت الشكل القانوني لدولة المؤسسات والديمقراطية بتبنيها النظام الدستوري كأساس للحكم بعد الاستقلال في عهد الشيخ عبدالله السالم.

وقد جاء تبني السلطة أسس الحكم الدستوري بتقاطع وتوافق بين قناعة الشيخ عبدالله السالم به ومعطى إقليمي مهم تمثل في تهديد العراق بضم الكويت في عهد عبدالكريم قاسم، إلا أنها لم تكن رغبة وقناعة من بعض رموز السلطة آنذاك، إذ سرعان ما دفعت هذه الرموز وبعد استتباب الأمور وزوال التهديد العراقي إلى محاولة الانقلاب على هذه الأسس بتزوير انتخابات مجلس الأمة في 1967، واتبعتها بخطوة أكثر صراحة بحل المجلس وتعليق مواد الدستور ذات الصلة من عام 1976 حتى عام 1981، ومن ثم تعطيل الحياة البرلمانية عام 1986 إلى ما بعد التحرير.

عدم قناعة بعض رموز السلطة بأسس الحكم الديمقراطي والمشاركة الشعبية في الحكم دفعها إلى الدخول في تحالفات وصفقات مع بعض التنظيمات والجماعات والدخول في صراعات مع أخرى، وجعلها تهمل بشكل متعمد أو غير متعمد التركيز على ترسيخ مبدأ أساسي يعتبر من أهم المبادئ القانونية والدستورية للدولة، وأعني به «مبدأ المواطنة الشاملة»، فالمواطنة ليست جنسية أو جوازا أو بطاقة مدنية، بل هي حقوق وواجبات، هي عطاء حقيقي وانتماء فعلي للوطن، بعيدا عن الانتماءات الأخرى، لذلك فإن تطوير واقعنا السياسي والاجتماعي مرهون إلى حد بعيد بقدرتنا على بلورة هذا المبدأ على المستويين النظري والعملي، وتوفير المناخ السياسي والقانوني والثقافي لكي يتبلور هذا المبدأ كحقوق وواجبات تساوي بين الجميع في فضائنا الوطني المشترك.

والمتمعن في واقعنا يدرك أن الكثير من الأزمات والتوترات والتجاذبات، السياسية والاجتماعية والطائفية، هي نتيجة طبيعية لتغييب مبدأ «المواطنة» أو محاولة «احتكاره» والإعلاء من أهمية ولاءات أخرى، أدت عبر إذكائها وتغذيتها من أطراف لها مصالح سياسية واقتصادية واجتماعية إلى زيادة في الاحتقان، وعمقت هشاشة الاستقرار الاجتماعي، الهش بطبيعته الأصلية، فبأي عقل ومنطق يمكن أن نرهن واقعنا الحالي إلى مشهد تاريخي بائس بين اثنين اختلفا على من «يحكم»، تحول على امتداد 1400 سنة إلى مائدة دسمة تعتاش عليها قوى مذهبية أكثر بؤسا، محاولة تجيير هذا المشهد لمصلحتها من خلال «المظلومية التاريخية» و«الانحراف العقائدي» لتحقيق مكاسب سياسية، مغلقة الباب أمام أي محاولة للتسامح أو قبول الآخر وفق مبدأ العيش المشترك على أرض واحدة، وأصبحت «المقاول» الفعلي لتفتيت المجتمع إلى جزر معزولة، والمغذي لعقدة الخوف من الآخر.

يتوازى مع ما سبق من يحاول «احتكار» المواطنة، ويمارس الإقصائية المجتمعية غير القابلة للآخر، وفق مفهوم «الأقدمية» وحقوق المؤسسين، معتبرا الوطن «شركة مقفلة»، متشبثا ببقايا السور ومدافعا عن «قداسة التركيبة الاجتماعية» للكويت! للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية، فبأي عقل ومنطق يقسم مجتمع لم يكمل تعداده المليون إلى حضر وبدو، داخل وخارج سور لم يعد موجودا، إلى كويتيين قدماء وكويتيين طارئون؟!

بأي عقل ومنطق يعيش بيننا أناس جيلهم الثالث ولد وتربى ومات في الكويت ومازالوا يسمون «بدون»؟ وهل «قداسة التركيبة الاجتماعية» تسمح لنا في أن يتواضع حلم البدون في الحصول على شهادة المواطنة إلى حلم الحصول على شهادة ميلاد أو تصريح دفن؟

إن الكويت بتعدد انتماءات مواطنيها لا خيار أمامها لضمان الوحدة والاستقرار وترسيخ مبدأ المواطنة الحقة، إلا بتأسيس الأوضاع القانونية والسياسية على أسس الدولة المدنية، المؤطرة بالسياج الدستوري، بحيث تكون الدولة مؤسسة محايدة أمام انتماءات مواطنيها، بمعنى أن الانتماء الطائفي والفئوي والمناطقي لا يزيد فرص ومكاسب وامتيازات أصحابه، كما أنه ليس سببا لانتقاصها.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top