لجنة شيلكوت قد لا تجد دليلاً يدين بلير

نشر في 19-01-2010
آخر تحديث 19-01-2010 | 00:01
لو أننا أردنا معرفة الحقيقة فعلاً، لكان شيلكوت استدعى أمثال بوش وديك تشيني، بالإضافة إلى أبرز مهندسي الغزو الآخرين، ولا شك أن خطوة مماثلة تتجاوز صلاحياته، وهو أحد الأسباب الكثيرة التي تقلل من فرص "لجنة تحقيق شيلكوت" في إيجاد دليل يدين بلير بعد طول انتظار.
 ذي تيليغراف يمكن الشعور بشيء من الحماس في مركز الملكة إليزابيث الثانية للمؤتمرات ترقباً لمثول توني بلير أمام لجنة تحقيق جون شيلكوت في نهاية الشهر، ومن المتوقع زيادة عدد إضافي من المقاعد في قاعة شاسعة خارج مركز المؤتمرات الرئيسي، حيث ستُنقل أحداث جلسة الاستماع على شاشات تلفزة مسطحة، وسيجري سحب قرعة لتوزيع البطاقات.

ليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها الحكومة إلى الانتقام من بلير بسبب جرّ البلاد إلى صراع جورج بوش الهوسي لإطاحة صدام حسين. من التداعيات الفورية لحرب العراق، كان التحقيق الذي أجراه لورد هاتون في الادعاءات القائلة إن الحكومة لفقت الوقائع في ملف الاستخبارات المتعلق بأسلحة الدمار الشامل التي يملكها صدام، لكن ثبت أن ذلك ليس له أساس من الصحة. تلا ذلك تشكيل لجنة لورد باتلر للتحقيق في إخفاقات أجهزة المخابرات، ما أدى إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى الجهاز الأمني، لكن ساعد ذلك بلير في الخروج من القضية سالماً. كذلك، برزت بعض المحاولات الخجولة بقيادة لجان من النخبة البرلمانية تدعو إلى محاسبة بلير، لكنها لم تحقق شيئاً لأنها لم تكن تملك صلاحيات الوصول إلى المعلومات التي طلبتها. كل ما استطاعت طلبه هو أن تقوم الحكومة بتحقيق قضائي في سبب الحرب الأساسي وعواقبها، وهو أمر وافق عليه غوردون براون على مضض ما إن ينسحب آخر عنصر من القوات العسكرية البريطانية من العراق.

بذل براون قصارى جهده للتقليل من أهمية لجنة تحقيق شيلكوت، مصرّاً على عقد معظم جلسات الاستماع أمام عدسات الكاميرا، لكن فهم شيلكوت تلك المحاولة المكشوفة للتقليل من مصداقية التحقيق، فقرر عقد جلسات استماع مغلقة في حال استجدت مسائل متعلقة بالأمن القومي. لقد مُنع وجود الكاميرات في بعض الجلسات، مثل جلسة هذا الأسبوع التي خُصصت لمناقشة الصفقة السرية مع ميليشيات تدعمها إيران لإنهاء الاعتداءات في البصرة، لكن لن يحصل بلير، ولا براون- في حال اعتبرت لجنة التحقيق استدعاءه ضرورياً- على شرف حضور جلسة مغلقة.

يفسّر هذا الأمر السبب الذي يجعل الكثيرين يعللون النفس بأن رئيس الوزراء السابق- المعروف باسم "المخادع الأكبر"- الذي توقف أخيراً عن تملق المجتمع الدولي وسيشرّف لجنة التحقيق بحضوره، سيظهر بصورة الكاذب ومجرم الحرب كما يعتبره خصومه.

من أبرز المعالم التي طبعت مسار التحقيق كان الحماس الذي أظهره عدد كبير من المسؤولين السابقين الذين عملوا مع بلير للانتقام منه. ادعى كريستوفر ماير، سفير سابق في واشنطن، أنّ بلير أبرم صفقة شيطانية مع بوش للإطاحة بصدام بأي ثمن. هذا ما دفع كين ماكدونالد، مدير النيابة العامة السابق، إلى اتهام بلير بخداع الرأي العام لتبرير غزو العراق. لا تثير ادعاءات مماثلة للدهشة نظراً إلى مشاعر العداء الشديدة التي أثارها بلير على الصعيدين الدبلوماسي والقضائي خلال فترة حكمه. كُشف تحيز وزارة الخارجية للعرب حين وجهت مجموعة متنوعة من السفراء رسائل إلى الصحف للتعبير عن معارضتهم لإطاحة صدام. هل كانوا سيبدون ردة فعل قوية مماثلة فيما لو كان بلير يخطط لغزو إسرائيل؟ لهذا السبب، عمد بلير إلى إبعاد كريستوفر عن مناقشاته مع بوش، ولم يكن يولي اهتماماً كبيراً بالبرقيات التي كان يتلقاها من واشنطن، علماً أنها اختفت لسبب مجهول من أرشيف الحكومة.

لكن تكمن المشكلة في أن ردود الفعل القوية هذه لا تجعلنا أقرب إلى الحقيقة في ملف الحرب على العراق، فهي ترتكز على التكهنات لا الوقائع. برزت المشكلة نفسها هذا الأسبوع حين كشف ألاستير كامبيل أن بلير كتب رسائل عدة حول العراق إلى بوش، عام 2002، أي قبل عام من إطاحة صدّام. هل يثبت ذلك، كما ادعى كريستوفر، أن بلير وافق على التخلص من صدام قبل فترة طويلة من اعترافه بذلك أمام البرلمان؟ لكن المشكلة هي أن هذا الادعاء لا يتماشى مع الوقائع المثبتة، ألا وهي أن الولايات المتحدة كانت ستخوض الحرب قبل مارس من عام 2003 بوقت طويل لولا إصرار بلير على الاحتكام إلى الأمم المتحدة.

لو أننا أردنا معرفة الحقيقة فعلاً، لكان شيلكوت استدعي أمثال بوش وديك تشيني، بالإضافة إلى أبرز مهندسي الغزو الآخرين، مثل دونالد رامسفيلد، وبول وولفويتز، ودوغلاس فايث. لا شك أن خطوة مماثلة تتجاوز صلاحياته، وهو أحد الأسباب الكثيرة التي تقلل من فرص لجنة التحقيق هذه، تماماً كجميع اللجان التي سبقتها، في إيجاد دليل يدين بلير بعد طول انتظار.

من الأسباب الأخرى لذلك، سعي لجنة التحقيق إلى التعلم من الدروس بدل التأكد من وجود أساس حقيقي لمحاكمة بلير. بناءً على ذلك، تُعتبر كلار شورت المذنبة الحقيقية، وهي كانت وزيرة التنمية الدولية في تلك الحقبة، وكانت وزارتها مسؤولة عن التخطيط للحرب في العراق بعد نشوبها، لكنها لم تكن ملتزمة بذلك تماماً لأسباب سياسية خاصة بها. في نهاية المطاف، يُعتبر فشل ذلك المخطط السبب الأساسي الذي أدى إلى انطلاق هذا التحقيق: لو أن التحالف نجح في ترسيخ الاستقرار في العراق فور إطاحة صدام، لشككت أننا كنا نعلق في هذا الجدل العقيم اليوم.

برأيي، يُعتبر غرق العراق في الفوضى بعد أشهر من تنفيذ الحملة العسكرية العبقرية الهادفة إلى إطاحة صدام دليلاً مهماً على مهارة حكومة بلير، وهو يتخطى في أهميته عملية صنع القرار التي أدت إلى إطاحة صدام في المقام الأول.

* كون كافلين | Con Coughlin

back to top