قانون الغرفة يتوافق والمادة (43) من الدستور... «مظلة منظمات المجتمع المدني»

نشر في 18-02-2010
آخر تحديث 18-02-2010 | 00:01
تداولت الأوساط الاقتصادية والتجارية والسياسية الكثير من التساؤلات المتعلقة بالشرعية الدستورية لقانون غرفة التجارة لسنة 1959، وهو قانون مضى على تطبيقه أكثر من نصف قرن... وبعيداً عن الإجابات والاستنتاجات التي يحاول أصحابها بناءها على تحليل سياسي، لا أملك أدواته، فإن إجابتي عن هذه الأسئلة اقتصرت في الحلقة الأولى على استعراض أربع حقائق ذات صلة بجوهر القضية؛ أولاها، أن قانون الغرفة يتمتع بقرينة الدستورية، فالأصل في القوانين أن تتمتع بقرينة الدستورية، وأن تكون فور إقرارها وصدورها من السلطة المختصة محمولة على الصحة والسلامة.

وثانيتها، أن نشر القانون في الجريدة الرسمية حجة على الجميع، فعلم الجميع بالقانون، هو في الأصل واقعة غير معلومة استنبطها المشرع الدستوري من واقعة النشر في الجريدة الرسمية.

وثالثتها، أن إنكار ما دُوِّن في الجريدة الرسمية مجاله الطعن بالتزوير فيها، فالجريدة الرسمية بحسب مسماها، هي محرر رسمي طبقاً للتعريف الوارد في الفقرة الأولى من المادة (8) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية.

والرابعة، أن العرف، الذي لعب دوراً كبيراً في المعاملات التجارية ويتوسد مكانة معتبرة في الشريعة الإسلامية، معزِّزٌ ومؤكِّدٌ لقانون الغرفة.

وأستكمل في الحلقة الثانية والأخيرة من هذه الدراسة المركزة بشأن الشرعية الدستورية لقانون غرفة التجارة لسنة 1959، بقية الحقائق التسع، أملاً في استجلاء الصورة من الناحية القانونية والدستورية ولتبيان ما قد التبس على البعض في هذه المسألة.

الحقيقة الخامسة: توافق قانون الغرفة مع أحكام الدستور

عندما صدر دستور الكويت، كوثيقة تقدمية، صاغتها الإرادة الشعبية الممثلة في المجلس التأسيسي المنتخب، وصدق عليها الأمير وأصدرها عهداً وميثاقاً بين الحاكم والمحكومين وعقداً اجتماعياً يربط أبناء الكويت كافلاً لهم حقوقهم وحرياتهم، وراعياً مصالح الجماعة، ومحققاً التكافل بين أفرادها، ومعبراً تعبيراً صادقاً عن ضمير الجماعة لتتواصل نصوصه في صياغة العلاقات بين أفرادها، لم يفته أن يهيئ لمنظمات المجتمع المدني مكاناً تتبوأ فيه دورها في مرحلة التحول الديمقراطي، فجاءت المادة (43) من الدستور لتنص على أن "حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية وبوسائل سلمية مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون".

وببحث مدى توافق قانون الغرفة مع أحكام المادة (43) من الدستور، يبين من مناقشات المجلس التأسيسي حول هذه المادة ومن تفسير المذكرة التفسيرية لها، أن هذه المادة تتسع لقيام أي تجمعات مدنية، ولو كانت أحزاباَ، إذا كان هناك ما يدعو إلى قيام أحزاب.

ووفقاَ لنصوص قانون غرفة التجارة، تجمع الغرفة بين المقومات والصلاحيات الآتية:

1- إنها مؤسسة ذات نفع عام.

2- إن غايتها تنظيم المصالح التجارية والصناعية وتمثيلها والدفاع عنها والعمل على ترقيتها.

3- إنها تنشأ بناء على طلب ما لا يقل عن ثلاثين عضواً من أرباب التجارة والصناعة.

4- إن جميع المنتسبين للغرفة يكونون الهيئة العامة التي تتولى اختيار مجلس إدارة الغرفة بطريق الانتخاب، الذي تنظمه اللائحة الداخلية للغرفة.

5- إنها تتمتع بالشخصية الاعتبارية.

6- وتمارس بعض صلاحيات السلطة العامة والتي تشمل في ما تشمله المشاركة بالرأي وبالمبادرة أحياناً في التشريعات الاقتصادية والمالية والتجارية، ويؤخذ رأيها في منح امتيازات المرافق العامة التي تمنح بقانون، ومن بين صلاحياتها تحديد العرف التجاري، وهو عرف منشئ للقواعد القانونية أو مكمل لما سكت عنه المشرع أو مفسر لما شاب نصوص التشريع من غموض، فضلاً عن دورها في التحكيم، وتمثيلها في مجالس إدارة كثير من الهيئات والمؤسسات العامة ودورها في التدريب، وهي مستشار الدولة بكل سلطاتها من تشريعية وتنفيذية وقضائية.

الحقيقة السادسة: توافق الرسوم التي تحصلها الغرفة مع نص الدستور

تنص المادة (134) من الدستور على أن "إنشاء الضرائب العامة وتعديلها وإلغاءها لا يكون إلا بقانون، ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها في غير الأحوال المبينة بالقانون ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف إلا في حدود القانون".

والبيِّن من هذا النص أن الدستور قد فرَّق، شأن غيره من الدساتير بين الضرائب العامة وغيرها من ضرائب ورسوم وتكاليف، فاشترط في الأولى أن يكون إنشاؤها بقانون، ولم يشترط ذلك في الثانية إذ اكتفى بالنص على أن تكون في حدود القانون، أي بأن يكون هناك قانون يخول جهة ما فرضها في الحدود التي يقررها.

وترجع التفرقة بين الضرائب العامة والرسوم، إلى اختلافهما من حيث الطبيعة، فالضريبة عبارة عن مبلغ من المال يدفعه الأفراد جبراً عنهم، على دخولهم بمناسبة حصولهم عليها أو بمناسبة إنفاقها أو على رؤوس أموالهم، مساهمة في الإنفاق العام للدولة على المرافق والخدمات العامة التي تؤديها الدولة.

أما الرسوم فلا يؤديها الفرد جبراً إلا عند طلب الخدمة التي تؤدى إليه نظير هذا الرسم، لهذا نص الدستور في الماده (134) على أن يكون فرضها في حدود القانون.

لذلك جاءت نصوص قانون غرفة التجارة متوافقة مع الدستور في ذلك، في ما نصت عليه المادة (32) من أن تتكون موارد الغرفة من رسوم التسجيل والاشتراك ورسوم الكفالات والشهادات وجميع المستندات التي تصدرها أو تصدقها لقاء رسوم معينة. ومن رسوم التحكيم والتصديق على عرائض وجوازات السفر والتأشير على الدفاتر التجارية والتصديق على التواقيع وشهادات التصديق وتسجيل مقاولات الشركة وتصديق شهادات الإيجار والاستئجار، إلى غير ذلك من الرسوم التي يمكن أن تستوفى بحسب الأنظمة والمقررات المتعلقة بها.

وفي ما نصت عليه المادة (33) من أن يكون مقادير هذه الرسوم على أسس ثابتة تحددها اللوائح والأنظمة الداخلية للغرفة.

ويذهب العلامة الكبير المرحوم الدكتور عبدالرزاق السنهوري في كتابه

"الوسيط" في شرح القانون المدني إلى حق ملتزم المرفق العام في تقاضي رسوم من المنتفعين بالمرفق العام مقابل انتفاعهم، وهذا المقابل لا يعتبر أجرة تسري عليها أحكام القانون المدني، بل هو رسم تسري عليه أحكام القانون الإداري. (الجزء السابع المجلد الأول ط 2004- ص 264)

الحقيقة السابعة:  مدى مشروعية ممارسات الغرفة وقراراتها طوال نصف قرن

تستمد غرفة تجارة وصناعة الكويت مشروعية الصلاحيات التي مارستها من:

أولاً: قانون غرفة التجارة، الذي أوضحنا أنه لا يمكن إنكاره أو التشكيك في صحته أو سلامته أو أن يحول دون تنفيذه والعمل به- بعد نشره في الجريدة الرسمية وعلم الكافة به- الخطأ المادي الذي وقع في النشر، لأن خلو الجريدة الرسمية من ديباجة القانون التي تصدر بها القوانين والتي تحدد تاريخ العمل به، لا يمكن أن يكون موضوعا مثاراً بعد نصف قرن من تطبيق القانون.

ثانياً: عرف مكمل ومفسر لقانون غرفة التجارة- نشأ من تواتر الناس على العمل بهذا القانون، وتنفيذ السلطات العامة لأحكامه، في غياب ديباجة القانون المشار إليها.

ثالثاً: وبفرض التسليم جدلاً بما يقول به الرأي المنكر لوجود هذا القانون وبفرض صدور حكم من المحكمة الدستورية يقضي بعدم دستورية هذا القانون، وهو فرض جدلي يخالف الحقائق الدستورية والقانونية وحقائق الواقع، فإن القواعد التي تضمنها القانون والصلاحيات التي خولها للغرفة، وتواتر الناس والغرفة على العمل بها، مع ما صاحب ذلك من رسوخ اعتقادهم بأنها قواعد ملزمة، قد أصبح عرفاً منشئاً وملزماً لهذه القواعد، يطبق في غياب النص التشريعي إعمالاً لأحكام المادة (1) من القانون المدني.

رابعاً: وفي ظل الفرض الجدلي السابق نسوق ما قضت به المحكمة الدستورية العليا في مصر بأن قضاءها بعدم دستورية النص التشريعي الذي أجريت انتخابات مجلس الشعب بناء عليه وبطلان تكوين مجلس الشعب منذ انتخابه، لا يستتبع لزوماً إسقاط القوانين والقرارات التي أقرها ولا يمس الإجراءات التي اتخذها منذ انتخابه وحتى تاريخ نشر الحكم في الجريدة الرسمية، بل تظل جميعها محمولة على أصلها من الصحة، وتبقى بالتالي نافذةً مرتبةً لكامل آثارها إلى أن يتقرر إلغاؤها أو تعديلها من الجهة المختصة دستورياً، أو تقضي هذه المحكمة بعدم دستورية نصوصها التشريعية، إن كان لذلك ثمة وجه آخر غير ما بُني عليه الحكم ببطلان تكوين مجلس الشعب.

خامساً: أن الجريدة الرسمية، بحسب مسماها وما يدون فيها بمعرفة موظفين عموميين، هي ورقه رسمية لها حجيتها على الكافة بما دون فيها من قوانين ومراسيم وقرارات، ما لم يتبين تزويرها بالطرق المقررة قانوناً إعمالاً للمادة (9) من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية وفي حدود ما نعلم، فإن أحداً لم يطعن على الجريدة الرسمية بتزوير وقع فيها.

الحقيقة الثامنة: المسؤولية السياسية عن استمرار العمل بقانون الغرفة

بمناسبة ما أثير حول استخدام الأدوات الدستورية في المساءلة السياسية لوزير التجارة والصناعة، إن لم يصدر قرار بإيقاف الانتساب إلى الغرفة ووقف نشاطها ووضع أموالها تحت تصرف مجلس الوزراء... إلخ.

فإن صدور أي قانون يعني في ما يعنيه إلزام السلطات كافة في الدولة باحترام القانون ويرتب على هذه السلطات التزامين؛ أحدهما، سلبي بالامتناع عن اتخاذ أي قرار أو إجراء يستند إلى عدم وجود القانون. وثانيهما، إيجابي باتخاذ الإجراءات الكفيلة بتنفيذ مؤدى القانون وتحقيق نتائجه القانونية.

وترتيباً على ذلك، فإن قانون غرفة تجارة وصناعة الكويت، لا تزايله قوة نفاذه إلا بأحد أمرين:

أولهما: إلغاء القانون، وإصدار قانون جديد، وهو ما تملكه السلطة التشريعية وحدها إعمالاً لأحكام المادة (2) من القانون المدني التي تنص على أنه:

1- لا يلغى تشريع إلا بتشريع لاحق ينص صراحة على إلغائه أو يتضمن حكماً يتعارض معه.

2- إذا صدر تشريع ينظم من جديد موضوعاً كان ينظمه تشريع سابق، ألغى كل ما أورده هذا التشريع من أحكام.

ثانيهما: صدور حكم من المحكمة الدستورية بعدم دستورية القانون.

فليس كافياً أن تثار شبهة عدم دستورية قانون، لوقف العمل بأحكام القانون، بل إنه لا يجوز ذلك حتى لو تداعى الأفراد أو الحكومة إلى المحكمة الدستورية طعناً بعدم دستوريته، لأن القانون بإقراره والتصديق عليه وإصداره من رئيس الدولة قد أصبح محمولاً على الصحة والسلامة من الناحية الدستورية، فلا يجوز بمجرد إحالة الدفع بعدم دستورية القانون إلى المحكمة الدستورية، أن تتسلب المحاكم من تطبيقه أو تمتنع السلطات العامة عن تنفيذه أو يلتمس العذر للأفراد في عدم الالتزام بأوامره ونواهيه.

ولا يجرد النصوص القانونية من قوة نفاذها التي صاحبتها عند إقرارها أو إصدارها، إلا حكم تصدره المحكمة الدستورية، بعدم دستورية هذه النصوص، لتفقد بالتالي خاصية الإلزام التي تتسم بها القواعد القانونية جميعاً، فلا يقوم من بعد ثمة مجال لتطبيقها. (حكم المحكمة الدستورية العليا في مصر في القضية رقم 22 لسنة 18 قضائية دستورية).

والأعمال التشريعية لا يصح أن تكون محلاً لاستجواب، فلا يجوز أن يكون محل استجواب، استخدام الأمير لسلطاته الدستورية في ما يخص أعمال السلطة التشريعية، ولو كان يمارس هذه الأعمال بواسطة وزرائه طبقاً للمادة (55) من الدستور مثل سلطة الأمير الدستورية في حق اقتراح القوانين المنصوص عليه من المادة (65) من الدستور، ولو كان هذا الحق يمارسه بواسطة وزرائه، لأن هذه الأعمال تخرج عن الأعمال التي يُسأل عنها الوزراء، والتي هي المنط في المساءلة السياسية طبقاً للمادة (100) من الدستور، فهي اختصاصات يباشرها الأمير، بوصفها من صلاحيات واختصاصات السلطة التشريعية التي يتولاها الأمير ومجلس الأمة طبقاً للمادة (51) من الدستور التي تنص على أن "السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة، وفقاً للدستور"، وليس بوصفها من أعمال السلطة التنفيذية التي يتولاها الأمير ومجلس الوزراء والوزراء طبقاً للمادة (52) من الدستور التي تنص على أن: "السلطة التنفيذية يتولاها الأمير ومجلس الوزراء"، والتي يكون الوزراء مسؤولين عنها أمام الأمير طبقاً للمادة (58) من الدستور، وأمام مجلس الأمة طبقاً للمادة (101) من الدستور.

وقد استبعد مجلس الشيوخ المصري في جلسة 2/8/1943 النظر في استجواب يلوم الحكومة لعدم استصدار تشريع معين، لأنه صميم اختصاصي المجلس. (مضبطة الجلسة 39 في 2/8/1943 ص 738 حتى 742)

كما استبعد مجلس الشيوخ المصري في جلسة 19 مارس 1951 استجوابا موجهاً إلى أحد الوزراء موضوعه قانون أقره المجلس، لأن مجال ذلك تعديل هذا القانون، وهو اختصاص أصيل للبرلمان. (مضبطة الجلسة 20 في 19/3/1959).

الحقيقة التاسعة: الفريضة الغائبة في إنكار قانون غرفة التجارة

وفي الظروف والأوضاع السائدة قبل صدور دستور الكويت، التي كانت تتهيأ فيها الكويت لكي تنال استقلالها وتتبوأ مكانها بين دول العالم، كدولة عصرية، أصدر أمير البلاد في سنة واحدة بعض القوانين لعل أهمها؛ قانون الجنسية الكويتية، وقانون تنظيم القضاء، وقانون غرفة تجارة الكويت سنة 1959، الذي أنشأ تنظيماً ديمقراطياً مهنياً لتجار الكويت، الذين كانوا عصب الحياة الاقتصادية، كما كانوا عصب الحركات الوطنية التي طالبت بالاستقلال، وبمجلس تشريعي ذي صلاحيات يشارك الأمير في الحكم، والتي تلاقت أفكارها وأفكار المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، أمير البلاد وقتئذ، الذي كان رئيساً للمجلس التشريعي الأول والثاني عام 1938 ورئيساً للمجلس الاستشاري عام 1939.

ومن هنا فإن النظرة إلى قانون غرفة تجارة الكويت على أنه قانون ينعزل عن سياق المجتمع في هذه الفترة التي صدر فيها، وكأنه هائم في فراغ أو لم ينبع من ضمير الجماعة، هو خطأ فادح.

فقد كان هذا القانون ولايزال يلبي حاجات الناس ومصالحها، كما فعل توأمه في فتره طواها الزمن، وهو قانون الغوص، الذي صدر في 29/5/1940، وهو أول قانون مدوَّن يصدر في الكويت، وكان يتضمن من بين ما تضمنه نصوصاً تنظم التحكيم، كما فعل قانون غرفة التجارة الصادر في سنة 1959.

ومن المقرر أن كل مصلحة حقيقية يمكن للمشرع أن يواجهها بتنظيم تشريعي يتناولها بما يتفق مع مصلحة المجتمع كله، وتصبح القوانين في هذه الحالة -وهي تستند إلى المصالح المرسلة- تجد سندها النهائي في الشريعة الإسلامية ذاتها (فن الحكم في الإسلام- د. مصطفى أبوزيد فهمي- الطبعة الثانية- 1993 ص 440).

لذلك قد يبدو غريباً لكل من طالع الانتقادات الموجهة إلى الغرفة غياب المصلحة العامة الحقيقية من هدم لمؤسسة عريقة من مؤسسات المجتمع المدني، التي تكونت وتمارس أنشطتها الآن على أسس ديمقراطية وباستقلال كامل عن السلطة التنفيذية، وهو الاستقلال الذي تتطلع إليه كل منظمات المجتمع المدني وجمعيات النفع العام.

back to top