الرحيل وبادرة الاصدقاء

نشر في 10-01-2010
آخر تحديث 10-01-2010 | 00:01
 آدم يوسف فتى كان أطولنا قامة

وأكثرنا شبهاً بالندى

وأصدقنا آهة في المنافي

وأعمقنا غيهباً أسودا

يلامس إبراهيم الخالدي في بيتيه السابقين واقع الحال ويستنطق شيئاً من الجرح، والألم المسجى، بعد رحيل الشاعر علي الصافي قبل عشرة أعوام من الآن.

ما الذي يجعل رحيل الصافي أيقونة، ورمزاً معنوياً يتمسك به أبناء جيله، ويظلون يرددونه، ويتأملون معانيه، حتى بعد الأعوام العشرة المنقضية. رحل الصافي شاباً يانعاً، تفتقت ذهنيته الشعرية عن موهبة كبيرة، كما أنه كان في بداية حياته المهنية، حيث يتلمس طريقه في شارع الصحافة. كان رحيلاً مفاجئاً بحجم الفجيعة، لم تمهله الدقائق التي كان ينتظرها في إشارة المرور لإكمال فرحة العيد، فرحل في صبيحة ذلك اليوم، بعد حادث مروري مؤسف.

حسناً فعل ملتقى الثلاثاء في ذلك المساء حين استعاد ذكرى رحيل الصافي العاشرة (توفي في 8/1/2000)، وتبرز أهمية بعض المداخلات التي قدمت من أصدقائه، لاسيما الشاعرين إبراهيم الخالدي، ودخيل الخليفة، وكذلك الكاتب الناقد علاء الجابر، الذي تطرق إلى مواقف شخصية كانت تجمعه بالراحل. إلا أن السؤال الذي يبرز هنا هو كيفية استثمار هذه الوقفة للخروج بشيء بعيد الأجل، كأن يُعاد طباعة ديوانه الوحيد الذي لم يعد متوافراً في الأسواق، وكذلك جمع ما لم ينشر من قصائده، وإخراجها في ديوان جديد، إضافة إلى جمع مقالاته النثرية التي نشرت في صحيفة الراي وبعض المطبوعات الأخرى وطباعتها في كتاب مستقل، وهذه المهام الثلاث يمكن لدار مسعى القيام بها، إذا توافر لدينا التعاون الكافي من أسرة الفقيد بموافقتها على الطباعة، وكذلك الزملاء في صحيفة الراي التي يحوي أرشيفها جزءاً كبيراً من مقالات الشاعر الراحل.

أما ما قيل من أن أسرة الفقيد كانت تتحفظ على طباعة نتاجه الشعري المخطوط بعد وفاته، فلعل ذلك يرجع إلى الظروف المتعلقة باللحظة الراهنة لوفاته، ومن المحتمل أن يكون الوضع تبدل الآن بعد مرور عشرة أعوام، وهو الأمر الذي أشار إليه إبراهيم الخالدي في الأمسية الأدبية، مما يجعلنا متفائلين بالحصول على نتاجه الشعري المخطوط، وإخراجه للنور.

بالعودة إلى موضوع الرثاء ثمة إشارات تبرز وتبحث عن مدلولها، لم يكن الصافي منتمياً إلى مؤسسة حكومية، أو حتى جمعية نفع عام كويتية، إذ يعوق حال أوراقه الثبوتية دون ذلك، فهو «بدون» جنسية كويتية، ومن المؤسف أن أياً من المؤسسات الحكومية، وشبه الحكومية لم تحرك ساكناً بشأن تأبينه، أو حتى تصدر- بحسب ما أعلم- بيان عزاء.

وحدهم الأصدقاء والجهات التي عمل بها، في مقدمتها صحيفة الراي، تبنت هذه المسؤولية، وأذكر أن الأخيرة أطلقت على قاعة الاجتماعات في مبنى الجريدة قاعة علي الصافي. وفي ما يتعلق باحتفاء الأصدقاء به، بادرة حميمة لالتفاف المبدعين الذين يمكن وصفهم بـ «المحلقين خارج سرب المؤسسة» حول أنفسهم، والاهتمام بنتاج بعضهم البعض، وفي الكويت الآن تجمعات أدبية عديدة تعمل بصفة مستقلة، وباجتهادات فردية.

لدى علي الصافي الكثير مما يمكن قراءته وطباعته وتأمله، ولديه أصدقاء محبون أغلبيتهم شعراء وصحافيون، كما أنه على علاقة وطيدة بالوسط الشعبي من الشعراء، إذ بدأ حياته شاعراً عامياً، ولكنه سرعان ما غير مساره، وانطلق نحو فضاء الفصحى.

back to top