آمال أنا أخو العيال

نشر في 09-06-2009
آخر تحديث 09-06-2009 | 00:00
 محمد الوشيحي سبحان الذي لم يجمع بيني وبين الإرهابيين عندما كنت مراهقا، سبحان الذي حال بيني وبينهم! أشطفت، جنب الخشبة، الفارق ثانية واحدة.

كنت مراهقا أرعن، من هنا إلى الحرب العالمية الثانية، كنت عجينة جاهزة للتشكل في سبيل الإرهاب، ومن حسن حظي وحظ أهلي وخلق الله أن المصادفة منعت الإرهابيين من المرور بجانب فرع جمعية الصباحية، حيث أختبئ عن الوالد لأدخن، وإلا لكانت الكارثة.

يا الله. كنت قنبلة على شكل بني آدم. المطلوب فقط إزالة مسمار الأمان عني «واترك الباقي عليّ»، كما يقول عبدالمجيد عبدالله.

أنتم فقط أيها الإرهابيون كل المطلوب منكم أن تشيروا إلى اتجاه الجنة بسبّاباتكم المباركة وأنتم جالسون، عليّ النعمة محد يقوم... يعني الآن أنا في قطعة واحد خلف شارع الكنادرة، والساعة ثلاث وربع ظهراً، كيف أصل إلى الجنة الفيحاء ومتى؟ أي الطرق أسلك؟ خلصوني، أشيروا إلى الاتجاه وسأتكفل أنا بمصاريف الرحلة، وسألتقيكم هناك، فوق... ما المطلوب؟ تفجير مبنى بنك تجاري في شارع مكتظ بالبسطاء والأبرياء؟ حاضر... اقتحام سفارة أميركا؟ على خشمي... اطلاق النار على هولندي يتمشى في السوق لأنه كافر؟ عند وجهك... حرق وجه فتاة سفور حفاظا على القيم؟ مرحى مرحى... طعن هندي من طائفة «السيخ» يبيع قطع غيار في صناعية الفحيحيل؟ دِرِقن دِرِقن...

كنت وقتذاك جاهزا لتصديق كل ذي لحية طويلة، ولو قال لي إن منطقة الوفرة المباركة كانت أنهارا متداخلة بعضها ببعض كما تتداخل وايرات الكهرباء، وإن الله جفف أنهارها بسبب عصيان الكويتيين، لنهضت صارخا بأعلى صوتي: صدقت ورب الكعبة، بخٍ بخٍ.

عضت الأيام طرف ثوبها وراحت تجري بأقصى سرعتها، كعادتها، وكبُرَ المراهق قليلا، وقرأ ذات يوم لأحد أباطرة الشعوذة أن بإمكان المسلمين هزيمة أميركا اليوم وليس غدا، بشرط أن تصلح النيات، فحك المراهق رأسه وراح يفكر: أميركا تمتلك أقمارا صناعية وحاملات طائرات وغواصات نووية وصواريخ ذكية وفرقاطات بحرية، ووو، ونحن نمتلك النية، ودعاء جدتي وسمية، وتمرا ودهن عود وحبة البركة! وحبة البركة لا تطير ولا تسبح ولا تحذف ولا تجمع حصى فكيف ستتصدى للفرقاطات الأميركية؟ هذا السؤال بالتأكيد سيجيب عنه أهل الحل والعقد، ويجب ألا يلهينا عن جهادنا، فالمطلوب الآن تفجير فرع البنك تمهيدا لهزيمة أميركا الكافرة.

واصلت الأيام جريها السريع، وكبر المراهق، وقرأ من الكتب ما يقيه البردَ القارس، فتفنجلت عيناه دهشة، وأكثر من الإطراق والمشي على الشاطئ وحك الجبهة، واكتشف أمورا جعلته يضرب كفا بكف وهو يتمتم: «أنا أخو العيال» (ترجمتها عربياً «يا للهول»)، وقرأ أكثر وأكثر، وصار زبونا دائما للمكتبات، يقرأ ويقارن، وفي كل يوم كان يكتشف كذبا جديدا فيردد: «أنا أخو العيال» ويضرب جبهته، و"أنا أخو العيال» ويعض شفاهه حسرة على ما تم حقنه في عقله، أيام الطفولة والمراهقة.

ولو قرأ الناس كتبا غير الكتب المفروضة عليهم، لازدحمت الشواطئ بأمواج من البشر تضرب كفا بكف، ولتدخلت الدوريات لتهدئة الشعب الذي أخذ يصرخ بأعلى صوته: «أنا أخو العيال».

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top