دعاية انتخابية متعددة الأبعاد... من الشارع إلى «فيس بوك» 3/5
بعد انطلاق الدعاية الانتخابية في العراق، في 12 فبراير الماضي للتعريف بالشخصيات وبرامج الكيانات والائتلافات المتنافسة في الانتخابات العامة التي تُجرى الأحد المقبل، بمشاركة أكثر من 19 مليون ناخب، لا تزال اتجاهات الناخب العراقي غير مستقرة، نظراً لكثرة المتنافسين وتشابه برامجهم الانتخابية.
تشهد المدن والقرى والأحياء والأزقة العراقية أوسع حملات دعائية في تاريخ العراق الحديث، إذ شرع 6172 مرشحا في نشر لوحات الدعاية الانتخابية بشكل لافت وواسع النطاق، وبأشكال وأحجام متنوعة اكتظت بها شوارع المدن والساحات والطرق والأزقة، بينما خصصت المحطات التلفزيونية المملوكة للأحزاب الكبرى في البلاد والمحطات الإذاعية والصحف ومواقع الإنترنت مساحات واسعة من البث والنشر للتعريف بالمرشحين والبرامج الانتخابية، وبث أغان وأناشيد وقصائد ومقاطع تمثيلية تدعو الناس إلى المشاركة في الانتخابات.كما تمت الاستعانة بإرسال رسائل نصية عبر الهواتف الجوالة للتعريف بالمرشحين والدعوة إلى انتخابهم.
ويسعى كل كيان سياسي أو ائتلاف إلى أن تكون وسائل دعايته مميزة عن الآخر من حيث الحجم والشكل، بينما اختار عدد من الكيانات وضع شعار له. فمثلا "القائمة العراقية" اختارت وضع "النجمة الخضراء" كشعار لها، بينما اختار "الائتلاف الوطني العراقي" شعار "الساعة"، والتحالف الكردستاني "الحصان"، وقائمة "ائتلاف دولة القانون" شعار "الميزان"، وقائمة وحدة العراق "السنبلة والزهرة" التي تحمل ألوان العلم العراقي، فضلاً عن أشكال أخرى مميزة.ملصقات وحوادثوغصَّت شوارع بغداد وبقية المحافظات بالملصقات والصور واللوحات الانتخابية للمرشحين لدرجة حجبت الرؤية في الكثير من الميادين والساحات العامة. وأكدت تقارير مرورية ارتفاع معدلات الحوادث أضعاف ما كانت عليه قبل بدء حملة الدعاية الانتخابية البرلمانية، وشكا عدد من المواطنين في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى من أسلوب تعليق لافتات المرشحين لانتخابات البرلمان، وطرق توزيعها التي تمتد حتى نهاية أعمدة الكهرباء، وفي الجزر الوسطية والساحات العامة، لأنها تحد من رؤية السائقين والمارة على حد سواء وتتسبب في حوادث مرورية على مدى اليوم الواحد.كما انتقد عدد كبير من المواطنين الأساليب العشوائية التي استخدمت من قبل الكتل والمرشحين للانتخابات التشريعية في تنفيذ حملاتها الانتخابية، بتجاوزها على الدور السكنية والبنايات الحكومية والمدارس.وعاب عدد منهم على بعض المرشحين لصق لافتاتهم الانتخابية في بعض المقابر، لاستدرار ما يمكن من أصوات الناخبين، مؤكدين أن أسلوب المرشحين في إقصاء الآخرين اتضح بصورة جلية من خلال تمزيق اللافتات الانتخابية للقوائم المنافسة.«فيس بوك» و«تويتر»وامتد تنافس المرشحين العراقيين، ليصل إلى ساحة الشبكة العنكبوتية وما يرتبط بها من مواقع اجتماعية، وتحديدا موقع "تويتر" و"فيس بوك" الذي يتصفحه عدد كبير من العراقيين في الداخل والخارج يوميا، وهي أفضل وسيلة للتواصل مع الناخب العراقي الموجود في الخارج.فأطلقت الحملات الدعائية "الإلكترونية" قبل أشهر من انطلاق الموعد الرسمي للحملة، ومن هؤلاء الساسة رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي الذي أنشأ صفحة على الفيس بوك من خلال مجموعات صديقة من الشباب والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني لدعم كتلته القائمة العراقية، كما أن هناك صفحات أطلقها مناصرو باقي القيادات العراقية في الكتلة ذاتها.كما أنشأ كل من رئيس الوزراء نوري المالكي، ووزير الداخلية جواد البولاني، ورئيس حكومة إقليم كردستان برهم صالح، والنائب أياد جمال الدين وصالح المطلك، صفحات على الشبكة العنكبوتية، وتقوم الكوادر الحزبية العاملة في المكاتب الإعلامية لهؤلاء المرشحين، بالإشراف على النشر في الصفحات، وتزايد نشاطهم الآن مع اقتراب موعد الانتخاب، إذ يقومون بإجراء تحديث متواصل للصفحات على مدار 24 ساعة، ويتركز جل نشاطهم على توجيه الدعوات أو قبول الإضافات وكتابة عبارات التحية والرد على التعليقات. ويعتبر "فيس بوك" أحدث صيحات الحملات الدعائية في العراق، إذ تحتوي الصفحة على صور ومقاطع فيديو لمؤتمرات ولقاءات صحافية أجراها المرشح مع قنوات فضائية ووسائل إعلام مختلفة، وهناك نبذة مختصرة عنه في حقل المعلومات على الصفحة.ويلعب العامل الديني دورا كبيرا في تقديم المرشح نفسه للجمهور، ويتنافس كل منهم في إظهار ورعه وتمسكه بالشعائر الدينية، فمثلا على صفحة وزير الداخلية جواد البولاني "الفيسبوكية" كتب أحد المعلقين في ما يشبه الشعر الشعبي: "حزنا هواي على سيدنا الحسين، وفرحنا بشوفتك إنته يا نور العين، انته البولاني وما ينوجد منك بهل الدنيا اثنين، حامي الحما وصاين كتاب الدين".هدايا أخرىولجأ عدد كبير من المرشحين إلى تقديم هدايا رمزية وعينية للناخبين خلال جولاتهم الانتخابية في عدد من المناطق والقرى، ومن بين تلك الهدايا فرن كهربائي أو قنينة غاز أو ثلاث طبقات من البيض، أو بطانيات وغيرها من الهدايا البسيطة، كما لجأ البعض إلى إقامة حفلات غنائية وموسيقية ساهرة للترفيه عن الناخب وتخفيف التوتر والاحتقان الناجم عن التنافس الانتخابي الذي بلغ الذروة، مثلما حدث في محافظة البصرة، حيث شهدت المحافظة قبل أيام إقامة الحفلات الغنائية التي اعتبرها بعض المرشحين طريقة جديدة في الدعاية الانتخابية، في حين رأى أحد المرشحين أن توظيف الموسيقى والغناء في الدعاية الانتخابية أفضل من إزعاج الناخبين بالخطابات السياسية، في حين وصف أحد الصحافيين الحفلات الغنائية بالمغازلة لمشاعر الناخبين لكسب أصواتهم بعد أن عجزت أغلبية الأساليب المتبعة عن ذلك.حفلات غنائيةوكانت القائمة العراقية التي يترأسها علاوي هي أول مَن بادر بإقامة حفل غنائي على متن زورق سياحي في شط العرب.ولم تكن هناك قوانين وضوابط من مفوضية الانتخابات بمنع الكيانات السياسية من استخدام الموسيقى والغناء في الدعاية الانتخابية، خصوصاً أن المواطن العراقي بحاجة إلى الفرح بعد السنوات الدامية التي مرت عليه.ثم أعقبت القائمة العراقية قائمة اتحاد الشعب التي يترأسها النائب حميد مجيد موسى بتنظيم حفل غنائي دعت إليه المئات من مؤيديها، فضلاً عن شخصيات فنية وثقافية وإعلامية ولم يقتصر الحفل، الذي أقيم في غرفة تجارة البصرة، على تقديم الأغاني التراثية فحسب، وإنما وضعت مكبرات الصوت خارج قاعة الحفل ليستمع المارة إلى الأناشيد الوطنية. ويؤكد قياديو اتحاد الشعب أن أهالي البصرة شأنهم شأن جميع العراقيين الذين لا يرغبون في البقاء تحت سيطرة جماعات دينية متشددة ويدعون إلى الحرية والانفتاح، خصوصا أن البصريين معروفون على مر الزمان بحبهم للغناء والموسيقى والفن والشعر، وظهر من البصرة أسماء فنية وأدبية عملاقة أمثال الشاعر الكبير بدر شاكر السياب والفنان فؤاد سالم وغيرهما.مخصصات النائبويعول المرشحون على كل تلك الوسائل المستخدمة في حملاتهم الانتخابية، التي تُرصَد لها ميزانية خاصة وكبيرة كل حسب قدرته المادية، في الفوز بمقعد في البرلمان الذي يمنح مخصصات كبيرة للنواب، وبحسب مسؤولين عراقيين فإن نواب البرلمان العراقي يتقاضون راتبا شهريا مقداره 12 مليون دينار عراقي أي ما يعادل (12 ألف دولار أميركي)، إضافة إلى مخصصات مالية لـ30 رجل أمن لمرافقة كل نائب بمعدل راتب شهري مقداره 750 ألف دينار عراقي، أي ما يعادل 6 آلاف دولار للشخص الواحد، مع منح مبلغ 60 ألف دولار لشراء سيارات خاصة لعناصر الحماية، والحصول على قطعة أرض سكنية في بغداد وجواز سفر دبلوماسي له ولأفراد عائلته.لكن السؤال الذي يبقى عالقاً في الذهن هو هل يؤثر كل ذلك من ملصقات عملاقة ووسائل دعاية انتخابية متنوعة وشعارات وخطابات وهدايا في الناخب؟