تأملات في ذكرى العبور العظيم

نشر في 16-10-2008
آخر تحديث 16-10-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد تحل الذكرى الخامسة والثلاثين لعبور القناة العظيم من جديد ومصر والمنطقة في حال مختلفة، بعد أن أمسى هذا العبور ذكرى فارقة تؤرخ لمرحلتين مختلفتين في تاريخ مصر والعرب. شنت مصر وسورية هجوماً مشتركاً مفاجئاً، في يوم السادس من أكتوبر 1973، حيث هاجمت القوات السورية مواقع القوات الإسرائيلية في مرتفعات الجولان، بينما هاجمت القوات المصرية مواقع إسرائيل بطول قناة السويس وفي عمق شبه جزيرة سيناء. وقام الفكر التخطيطي للحرب من الجانب العربي على أساس إجبار إسرائيل على الحرب في جبهتين في وقت واحد، وأن تستمر تحت التعبئة العامة لأطول فترة ممكنة، وأن تمنى بخسائر لا تقوى على احتمالها، ما يفتح الطريق في النهاية أمام انتصار عربي معزز بالأسلحة الاقتصادية والتكامل العربيين.

جاء العبور المجيد في يوم السادس من أكتوبر في تمام الساعة الثانية ظهراً، باقتراح من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، بعد أن اختلف السوريون والمصريون على موعد الهجوم. وكان المصريون يفضلون الغروب لأنه يمنح الفرصة للاندفاع داخل شبه جزيرة سيناء مع فاعلية أقل للقوات الجوية الإسرائيلية، في حين كان السوريون يحبذون موعد الشروق بسبب أن أشعة الشمس سوف تكون مواتية للصعود إلى قمة الجولان. انطلقت طائرات السلاح الجوى المصري كافة وعددها 220 طائرة، في وقت واحد، لتقصف الأهداف المحددة لها داخل أراضى سيناء وفى العمق الإسرائيلي. وكان الطيارون المصريون يفجرون طائراتهم في الأهداف المهمة لضمان تدميرها؛ ومنهم على سبيل المثال الشهداء: محمد صبحى الشيخ وطلال سعد الله وعاطف السادات- شقيق الرئيس الراحل أنور السادات- وغيرهم. ثم انطلق أكثر من ألفى مدفع ميدان ليدك المواقع الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة، وعبرت الموجة الأولى من الجنود المصريين وعددها 8000 جندي، استشهد منهم النصف تقريباً. وخلدت الحرب اسم الرقيب أول محمد عبد العاطي عطية شرف، والذي أطلق عليه «صائد الدبابات» لأنه دمر خلال الحرب 23 دبابة إسرائيلية بمفرده. ثم توالت موجتا العبور الثانية والثالثة ليصل عدد القوات المصرية على الصفة الشرقية بحلول الليل إلى 60,000 جندي، في الوقت الذي كان فيه سلاح المهندسين المصري يفتح ثغرات في الساتر الترابي باستخدام المياه شديدة الدفع، وهكذا سقط في ست ساعات فقط خط بارليف الأسطورة الذي أشاعت إسرائيل عنه أنه لا يقهر إلا باستخدام قنبلة ذرية. ساعتها أطلقت رئيسة وزراء إسرائيل وقتذاك غولدا مائير في الثامن من أكتوبر ندائها الشهير، «أنقذوا إسرائيل» ولأول مرة تظهر صور الأسرى الإسرائيليين في وسائل الإعلام العالمية لتثبت أن العرب قادرين على صنع النصر.

حققت القوات المسلحة المصرية الأهداف التي نص عليها تكليف رئيس الجمهورية الراحل أنور السادات قبل الحرب، ويقول اللواء محمد عبد الغني الجمسي رئيس هيئة العمليات المصرية في مذكراته: «أصدر الرئيس السادات توجيهاً استراتيجياً إلى الفريق أول أحمد إسماعيل مؤرخا في 9 رمضان الموافق 5 أكتوبر/ تشرين أول 1973 نصه الآتي: بناء على التوجيه السياسي العسكري الصادر لكم منى في أول أكتوبر/ تشرين أول 1973، وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسي والاستراتيجي، قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الإستراتيجية الآتية: إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار اعتباراً من يوم 6 أكتوبر/تشرين أول 1973. وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات. والعمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانيات وقدرات القوات المسلحة». وبالنظر إلى التكليف الذي أصدرته القيادة السياسية المصرية وقتذاك يتضح أن القوات المسلحة المصرية نجحت في استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، كما نجحت القوات المسلحة المصرية في استرداد جزء من الأراضي المحتلة في شبه جزيرة سيناء، بعد أن حطمت أسطورة جيش إسرائيل لا يقهر. وانتهت الحرب على الجانب المصري والقوات المسلحة المصرية في مواقع متقدمة باتجاه سيناء، وبشكل أفضل مما كانت عليه قبل انطلاق الحرب.

ربما يكون أفضل ما يمكن تقديمه الآن للأجيال القادمة في ذكرى العبور العظيم هو ترطيب العلاقات العربية- العربية عموماً، والمصرية- السورية خصوصاً، وصولاً إلى اجتراح معجزة التضامن العربي مثلما حدثت في أبهى صورها إبان حرب أكتوبر 1973.

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة.

back to top