خذوا الدرس من لبنان

نشر في 12-05-2008
آخر تحديث 12-05-2008 | 00:00
 نايف الأزيمع ها هو لبنان الحبيب، رمز الحرية والديمقراطية والتعددية والانفتاح والعيش المشترك... ها هو يئن من جديد تحت أقدام القوة الغاشمة، ويعيش بين مقالب النفايات الملتهبة والإطارات المشتعلة، ومكبات «بناء الجهاد» لقطع الطرقات.

ها هي بيروت الجريحة، لؤلؤة الشرق، وعاصمة الفن والثقافة، وواحة العرب وقبلة السياح، ومعلمتنا في الصحافة والإذاعة والتلفزيون والفضائيات، تواجه جحافل التطرف، والرأي الواحد والفكر الشمولي. فتحرق المحطات التلفزيونية، والإذاعات ودور الصحف، في محاولة لتكميم الأفواه، وعصب الأعين، ووقر الآذان، ومن أجل إحكام السيف والرصاص على رقاب العباد، ولفرض الرأي الواحد على أهل البلاد. لم ينتظروا حتى يحكموا سيطرتهم الكاملة، ويعلنوا بيانهم الأول بنجاح انقلابهم الدموي، حتى يفرضوا رأيهم، ويمارسوا سلطتهم، بل شرعوا ومنذ الوهلة الأولى لاجتياحهم بيروت بتوجيه سلاحهم ضد الصحافيين والإعلاميين، ومؤسساتهم ومصادر رزقهم! فأولى علامات «النصر الإلهي» عندهم تعني إسكات تلفزيون المستقبل، وحرق مبناه القديم، وتهديد منتسبيه، وأيضاً وقف جريدة المستقبل، وتدمير مكاتبها، وامتهان كرامة العاملين فيها.

وإمعاناً في إظهار مدى الحقد والتشفي، لم يستثنوا مؤسسة الحريري التعليمية التي أهدت لبنان ما يناهز الأربعين ألفاً من الخريجين الذين تعلموا على حسابها في الداخل والخارج، والتي لم تفرق بين الطوائف والمذاهب والانتماءات، بل إن كثيراً منهم كانوا من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة، فكان جزاؤها جزاء سنمار! حيث هاجموها وخربوها، وعبثوا بأوراقها، وداسوا على ملفات وصور طلابها وشهاداتهم.

مرحى لهذا المنتصر الذي يهدر دماء المسلمين والعرب واللبنانيين، في ذكرى نكبة فلسطين واحتلالها، والذي كان يفترض أن يوجه سلاحه ضد ذلك المحتل لاغير.

كنا، ولانزال وسنبقى مع المقاومة الوطنية ضد العدو، ومن أجل تحرير الأرض، كما فعلنا إبان عدوان يوليو الغاشم، لكن أن تكون بيروت هي الهدف بدلاً من تل أبيب، وأن يكون لبنان هو الميدان عوضاً عن إسرائيل، فذلك ما لا يمكن قبوله أو السكوت عنه، ولو أفتت بذلك كل العمائم السوداء والبيضاء، وفي أي موقع كانت.

لقد حذرنا كثيراً، وسنضل نحذر، من خطورة الفكر الشمولي، والتنظيم الواحد، ومن استغلال الدين في السياسة، والإيحاء بأن ما يروج له البعض خطأً هو رأي الدين، ومن ثم هو رأي الله- حاشا لله- وبالتالي فلا مجال للحوار والنقاش والتفاهم!

هذا هو الدرس يأتينا واضحاً جلياً وصارخاً، ومن لبنان... فالحزب يكنى باسم الله، والقادة معممون يفتون باسم الله، والمقاتلون هم مجاهدون في سبيل الله... والنتيجة ذبح إسلامي «حلال» للمسلمين، وقطع أرزاق للمسلمين، وتخريب لديار المسلمين. وفي المقابل مفاتيح الجنة معلقة بالرقاب، والمال النظيف جزاءً وثواباً، والويل للمعترضين ولهم سوء العقاب!

هذا هو الدرس من هناك، أما هنا فعندنا وعندكم كل خير! فأدعياء الدين والمتدثرون بعباءته لأغراض سياسية، يصلَوننا كل يوم وكل ساعة بوابل من الخطابات النارية المتطرفة، ويهددوننا بالثبور وعظائم الأمور، فيكفرون من شاؤوا من عباد الله المؤمنين، ويحللون ويحرمون ما شاؤوا من الأمور من دون العودة إلى كتاب الله وسنة رسوله المصطفى.

وكما بعث شيوخ التطرف والإرهاب بأولادنا إلى الموت في العراق وأفغانستان ولبنان، فقد فعل رفاقهم ما هو أشنع وأنكى، حيث أفتوا بالقتال في الرياض، بل حتى في مكة المكرمة والمدينة المنورة، كما في الجزائر وصنعاء، مروراً بالقاهرة وعمان، وصولاً إلى نواكشوط والدار البيضاء. هل هذا هو الإسلام؟! كلا وألف كلا... فالإسلام هو دين التسامح والمحبة، دين العلم والمعرفة ودين الإيمان والطهارة، لكننا ابتلينا بقوم منا ضلوا سواء السبيل، وجانبهم الصواب في فهمهم المغلوط للإسلام ولمعنى الجهاد.

التطرف عندنا لا يفرق بين سني وشيعي، والمتطرفون في أمتنا متغلغلون في أوساط الشيعة والسنة على السواء، وعليه فالمطلوب من جميع أطياف شعبنا بكل مكوناته وطوائفه ومذاهبه وأحزابه، وفي كل أرجاء وطننا العربي أن نقف بوجه التطرف، وأن نناضل ضد التخلف، وأن نهذب النفوس ونتعلم الدروس، ففي الكويت وفي خضم الحملات الانتخابية، وأثناء الندوات اليومية علينا أن نفتح الأعين، وأن نصيخ السمع كي نفرز في النهاية الغث من السمين، والصالح من الطالح، فننتخب الوطني الغيور، المحافظ على الدستور الشريف العفيف، والصادق النظيف.

وحتى تتم علينا نعمة الحرية والديمقراطية، ونستمر بقول الرأي الحر، ونحسن الاستماع للرأي الآخر، وكي لا تهب علينا رياح الظلام، ولا تغمرنا ثقافة تكسير الأقلام، لنتعلم الدرس من لبنان، ولنأخذ التجربة من بيروت. فقد كنا ولانزال، طلاباً في حرم بيروت، ودارسين في فضاء لبنان، وحتى لا ينطبق علينا المثل الشهير «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»!

حفظ الله بيروت وأهلها، وصان لبنان وشعبه، وأزال عنهم القهر والغمة، وأعاد لهم الأمن والبسمة.

back to top