نواب يبحثون عن أيّ غزة لوضع تشريع للحزن
ارتفعت الأصوات النيابية الداعية إلى إلغاء مظاهر الفرح، الشحيحة في الكويت أصلا، ولا تظهر إلا في شهري يناير وفبراير، بحجة التضامن مع الأحداث الجارية في قطاع غزة الفلسطيني، ووصلت إلى مستوى المطالبة بسنّ تشريع لوقف الحفلات الغنائية والمهرجانات.المتابع لكل التصريحات النيابية المتتالية بشأن إلغاء الحفلات، يعتقد، للوهلة الأولى، أن قاعات الفنادق والمسارح الكويتية محجوزة على مدار العام للحفلات الغنائية والأمسيات الثقافية، والمهرجانات الترويحية الكويتية تنافس نظيراتها الخليجية أو العربية، وأن السياحة المحلية يكاد يقترب مردودها المالي على الدولة من النفط!.
ما يريد النواب إلغاءه بحجة ما يحدث في «غزة» لا يتعدى خمسة أيام أو أكثر قليلا من كل أيام السنة، إذ يمكن للفرح أن يعرف طريقه الى المجتمع الكويتي في غمرة الأزمات السياسية اليومية، والاستقالات الحكومية المتكررة على مدار العام، وانعدام الاستقرار الاقتصادي، بفضل تخاذل السلطتين التشريعية والتنفيذية في الإسراع بسن التشريعات الاقتصادية التي تساهم في نهضة البلاد التنموية. المؤسف أن يتداعى النواب لجمع التواقيع لإقرار اقتراحات أو قوانين ضد الحريات، بينما تختفي أصواتهم عندما يتعلق الأمر بالتشريعات الإصلاحية والمفيدة للوطن والمواطنين، بدلا من البحث عن أي فرصة، حتى لو كانت مأساة كما يحدث للأشقاء في فلسطين، وانتهازها وربطها بواقع كويتي مختلف، انتحالا للمثل «مصائب قوم عند قوم فوائد»، وكأن المهرجانات أو الحفلات هي السبب في الاجتياح الإسرائيلي، مع أنه نتاج سياسات من جانب مسؤولين فلسطينيين، ليسوا بعيدين عن فكر بعض النواب الكويتيين المنغلقين. إذا كان التضامن مع غزة ومأساة سكانها يعبر عنه ايقاف الحفلات الغنائية والمهرجانات، فالشعب الكويتي أولى بتضامن النواب والحكومة معه في مآسيه اليومية التي يعيشها، كما في «الحرب» المحلية الدائر رحاها يوميا على وقع قصف النواب ومدافع الحكومة، فهل يتضامن النواب والحكومة مدة ثمانٍ وأربعين ساعة فقط وتتوقف حفلات التصريحات ومهرجانات «فرد العضلات» الإعلامية تضامنا مع الشعب الكويتي ورحمة به؟حضور الحفلات والمهرجانات من عدمه خيار متروك للمواطن والمقيم فقط وليس للمشرعين أو الحكومة، فالاختيار أبسط حقوق الانسان، فمَن أراد حضور الحفلات فهذا قراره، ومن أراد عدم حضورها فهذا خياره أيضا، ومن غير المعقول أن يُشرّع الحزن ويُفرَض على الأفراد بالطريقة التي يريدها النواب بعد أن فرضوا كيف نفرح ومتى نحتفل.وقف الحفلات الغنائية والمهرجانات بحجة أحداث غزة في الكويت، لن يؤثر في السياسة الاسرائيلية ولن يوقف هجماتها الهمجية، بل ان هذه الذريعة المسيسة سيستغلها النواب ذاتهم مدخلا ضد الحريات العامة والخاصة، في سعيهم إلى إقرار تشريع للحد من الفرح، ويتذرعون به لاحقا لوقف أي مناسبة في الكويت بمبررات مشابهة، بدءا من فلسطين والعراق، مرورا بقراصنة الصومال وجنجاويد دارفور، وصولا إلى حروب داحس والغبراء... في الكويت!.