رسائل من الشارع العربي

نشر في 13-01-2009
آخر تحديث 13-01-2009 | 00:00
 د. عبدالخالق عبدالله أكد الشارع العربي، الذي كان كامنا وفي حالة بيات شتوي لفترة من الوقت وتسرع البعض في إعلان وفاته، أنه حي يرزق وفي كامل عافيته وحيويته وراغب في إرسال مجموعة من الرسائل للتعبير عن سخطه وغضبه الشديدين تجاه العدوان الإسرائيلي السافر، والموقف الأميركي المبالِغ في دعمه للجرائم الإسرائيلية، والموقف الرسمي العربي المتردد في دعم صمود المقاومة في غزة.

تعبر الرسالة الأولى عن تأييد المقاومة ودعم الصمود وتعاطف مع الشعب العربي في فلسطين. فالشارع العربي يرى ويسمع ويتابع ويشاهد ويتفاعل مع مأساة أهل غزة ويعتصر ألما لضخامة معاناتهم. كل عربي ومسلم وكل صاحب ضمير يقول «قلوبنا معكم، وأرواحنا فداكم، والله ينصركم ويصبركم ويقويكم ويزيدكم صمودا في وجه العدوان الصهيوني الظالم».

أما الرسالة الثانية، فهي رسالة تحذيرية موجهة إلى الحكومات العربية الأسيرة لحساباتها السياسة الضيقة. تقول هذه الرسالة إن على هذه الحكومات أن تعيد النظر في اعتباراتها وتراعي مشاعر الشارع العربي الذي لم يعد يحتمل المزيد من التخاذل والتردد واللامبالاة تجاه العدوان، وعليها أن تتحرك من أجل تقديم المساعدات السياسية والعينية والمعنوية العاجلة لتخفيف معاناة أهل غزة. كل عربي غاضب ينادي الحكومات العربية «كفاية ترددا، وكفاية تخاذلا، وكفاية للاعتبارات والحسابات الهزيلة، وكفاية مشاركة في الحصار، وعيب عليكم جميعا رفع الراية والاستسلام للأعداء».

وتحمل الرسالة الثالثة الموجهة من الشارع العربي مشاعر الكراهية العميقة للكيان الصهيوني الذي بالغ في قسوته وتجاوزت جرائمه الحدود والقيم الإنسانية كافة. ربما لن يتمكن الشارع العربي من وقف العدوان العسكري، لكن من المؤكد أن ثمن السياسي لهذا العدوان سيكون باهظا.

فإسرائيل على وشك أن تخسر المعركة السياسية وتفقد تفهم الرأي العام العالمي الذي استثمرت فيه كثيرا وتحرص كل الحرص على أن يقف بجانبها. الشعب العربي يقول «إن العداء لإسرائيل مبدئيٌ وأبديٌ والكراهية للصهيونية تتضخم في قلب كل عربي مع مطلع كل يوم جديد».

ثم هناك رسالة غاضبة رابعة موجهة للولايات المتحدة الأميركية التي تدعم جريمة الإبادة التي تتم بقسوة وبقلب من شيطان ضد أكثر من مليون ونصف من الشعب العربي في قطاع غزة المخنوق والمحاصر منذ 18 شهرا. كل عمل اجرامي تقوم به إسرائيل يتم تنسيقه ومن ثم تسويقه عبر واشنطن. هذه المعركة وغيرها من المعرك الإسرائيلية بدأت وانتهت بضوء أخضر أميركي.

كان حصار غزة مقدمة لعمل عسكري مخطط إسرائيليا وأميركيا. وكذلك الأمر بالنسبة للقصف الجوي الأهوج في 27 ديسمبر 2008 الذي مازال مستمراً بمعدل هجوم واحد كل 20 دقيقة على مدار الساعة. ثم بدأ الهجوم البري الواسع في 3 يناير 2009 بتفهم أميركي والذي دمر البساتين والمزارع والقرى والمخيمات والمرافق الحيوية وما تبقى للقطاع من بنية تحتية وسكنية. وصاحب ذلك كله قصف مدفعي عبثي دمر حتى الآن 17 مدرسة بما في ذلك المدرسة الدولية الأميركية، و8 مساجد ومبنى الجامعة الإسلامية، وأدى إلى تعطيل الحياة ووقف نشاطات منظمات الأمم المتحدة في مخيمات قطاع غزة التي يسكنها أكثر من 900 ألف لاجئ، يشكلون أكثر من 60% من سكان قطاع غزة.

لقد أدى هذا الافراط في استخدام القوة والقسوة إلى قتل نحو 900 شهيد، أي بمعدل 64 شهيدا في كل يوم على مدار الأسبوعين الماضين، 40% منهم من الأطفال والنساء الأبرياء.

لا يمكن أن يبدأ ويستمر مثل هذا العدوان الظالم من دون دعم وتفهم الإدارة الأميركية. لقد أعطت واشنطن الضوء الأخضر للحكومة الإسرائيلية، ووفرت إدارة بوش الحمقاء الغطاء السياسي والدبلوماسي، وأميركا مصرة كل الإصرار على وضع اللوم، كل اللوم، على الطرف الفلسطيني وإعفاء الطرف الإسرائيلي من المسؤولية وتبرئته من الجريمة.

هذا الموقف المبالغ في إنحيازه ودعمه السياسيين يجعل الولايات المتحدة شريكا كامل الشراكة في جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة الصابرة على مأساتها والصامدة في وجه القسوة الأميركية والإسرائيلية. لذلك لابد أن يتجه غضب الشارع العربي نحو سياسات واشنطن والرئيس بوش الذي سيغادر البيت الأبيض في نهاية هذا الأسبوع غير مأسوف عليه.

ربما سيحقق العدوان الأميركي الإسرائيلي المزدوج على غزة بعضا من النصر العسكري. هذا الأمر قائم بحكم فارق توازن القوة بين الآلة العسكرية الإسرائيلية الجبارة والمتغطرسة وتواضع صواريخ القسام وأسلحة المقاومة التقليدية في فلسطين. لكن الثمن السياسي لهذا النصر العسكري سيكون باهظا جدا وسيبقى عالقا في ذاكرة الشعوب العربية طويلا التي تتابع المشاهد المروعة والحية على الفضائيات العرببة على مدار الساعة. إن الحصيلة الأولية لهذا العدوان حتى الآن هي زيادة الكراهية والعداء للولايات المتحدة في المنطقة العربية. فصورتها البائسة ازدادت بؤساً. وسمعتها السيئة ازدادت سوءاً. أما شعبيتها المتدهورة فقد ازدادت تدهوراً حتى بين الحكومات المعتدلة والصديقة لواشنطن في المنطقة والتي تواجه غضب الشارع العربي تجاه تقاعسها وترددها في اتخاذ مواقف سياسية ودبلوماسية حاسمة بما في ذلك عقد قمة عربية رمزية عاجلة.

لذلك هناك رسالة مهمة وأخيرة لابد أن توجه من الشارع العربي إلى الرئيس الأميركي القادم باراك أوباما تؤكد ضرورة أن تكون مواقف الإدارة الأميركية الجديدة مبدئية وليست سياسية، وتصطف مع العدالة وليس مع الجريمة، وتكف عن تكرار أسطوانة لوم الطرف الفلسطيني وتبرئة المجرم الإسرائيلي.

فإذا رغب الرئيس المنتخب أوباما الذي بدأ بتصريح إيجابي عندما أعرب عن «قلقه الشديد تجاه قتل المدنيين الأبرياء في غزة»، في كسب ود الشارع العربي وتخفيف مظاهر العداء لأميركا، وإصلاح صورتها البائسة، ووقف سوء الفهم القائم بين الولايات المتحدة والعالمين العربي والإسلامي، فإن الطرق إلى ذلك كله يمر عبر إعطاء الصراع العربي الإسرائيلي الأولوية منذ اليوم الأول من رئاسته، وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية بما في ذلك حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة عاصمتها القدس.

الشارع العربي هو اليوم في مزاج متشدد وغاضب، حيث تحول 90% من المعتدلين إلى متشددين وغاضبين من العدوان الإسرائيلي والسياسات الأميركية ومواقف بعض الحكومات العربية. الهجوم الإسرائيلي سيستمر وسيدخل مرحلته الثالثة وسيكون الدمار الإنساني والمدني فاجعا، والمؤكد أن الشارع العربي سيزداد غضبا وربما تطرفا، بل وعنفا، وهو ما لا يرغب فيه كل من يهمه أمن واستقرار المنطقة العربية على المديين القريب والبعيد.

 

* أكاديمي وباحث إماراتي

back to top