ثلاثة مخاطر أساسية تهدد الإعلاميين! (2-2)

نشر في 30-01-2009
آخر تحديث 30-01-2009 | 00:00
 د.عبدالحسين شعبان إن حمل السلاح يسقط الحصانة القانونية عن الصحافي باعتباره مدنياً، وإذا كان هذا الأمر يتعلق بالنزاعات الدولية، فإن النزاعات الداخلية تنظمها المبادئ العامة، لاسيما المادة الثالثة «المشتركة»! أما في أوقات السلم فإن فضاء المادة 19 الخاص بحرية التعبير وهو ما جرى تقنينه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1966، والذي دخل حيز التنفيذ العام 1976، هو الذي يحكم علاقة الإعلامي بمسألة حق التعبير، وذلك بتأكيد حقه في تلقي ونشر وإذاعة المعلومات بحرية.

إن وجود تشريع شامل وملزم كاتفاقية دولية لحماية الإعلاميين، ويمكّنهم من أداء دورهم المهني والإنساني على أحسن وجه، أصبح أمراً مهماً جداً بل ضرورة عاجلة، لاسيما في إطار العمل الإنساني والإغاثي، الذي تقوم به اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

إن حماية الإعلاميين هي حق أصيل مثل حماية المدنيين وهم، وإنْ كانوا جزءًا منهم، فإن لديهم امتيازاً آخر لكونهم إعلاميين، أي أن واجب حمايتهم يكون مضاعفاً، ولابدّ من توفير ضمانات لذلك، وعكسه سيكون العالم مستمراً في «غفوته» حسب تعبير الأمين العام للأمم المتحدة، نظراً لخطورة الأعمال التي يقوم بها الإعلاميون، ودورهم في تحريك الرأي العام، وبالتالي مسؤولية المجتمع الدولي في الدور الإعلامي في الحرب والسلم، لاسيما من خلال ملاقحة الإعلامي بالحقوقي كجزء من منظومة حقوق الإنسان!

إن هذه المعطيات القانونية نعرضها كمقدمة لما هو مفزع من أرقام، فقد خسر العالم خلال السنوات العشر الماضية 1200 إعلامياً، وفي العراق وحده قتل أكثر من 170 إعلامياً خلال السنوات الخمس ونيف الماضية، يضاف إليهم أعداد من الصحافيين والإعلاميين الأجانب وبعض العاملين في المنظمات الدولية.

إن أعظم الأخطار التي تهدد حرية الصحافة هي ثلاثة: الخطر الأول، الارتفاع المرعب في معدل الإفلات من العقاب، أي أن قتلة الصحافيين في جميع أنحاء العالم يفلتون من العقاب، ومن أصل ثلاثة من أربعة صحافيين، يلقون مصرعهم أثناء أداء وظيفتهم المهنية ويقتلون بنيران غامضة، ويفلت القتلة من العقاب فيما يقارب تسعة من عشرة من الحالات، كما أشار إلى ذلك بول ستيجر رئيس لجنة حماية الصحافيين الذي وجه رسالة إلى الرئيس الأميركي المنتخب باراك أوباما (12/1/2009).

أما الخطر الثاني فهو اعتقال الصحافيين بسبب ممارسة عملهم، وحسب بعض الإحصاءات، فإنه يوجد أكثر من 125 إعلامياً خلف القضبان في مختلف أنحاء العالم (حتى نهاية العام 2008) وأن نصف هؤلاء هم من الصحافيين على الإنترنت، الذين أودعوا السجن جرّاء الرقابة المشددة.

الخطر الثالث هو القيود المفروضة على حرية التعبير والقوانين ذات العقوبات الغليظة التي تلاحق الإعلاميين، لاسيما ما يتعلق بنقد بعض القيادات العليا ومقام رجل الدولة الأول وعائلته وأقاربه وكبار المسؤولين، إضافة إلى قضايا الفساد والرشى وغيرها.

إن الإعلاميين الذين يعرضون حياتهم للخطر وتتعرض حرياتهم للانتهاك في الكثير من البلدان، يتطلعون إلى اتخاذ المجتمع الدولي الذي لايزال صباح مساء يكرر التزامه بحرية التعبير وحرصه على ضمان حماية للإعلاميين، معاهدة دولية لحمايتهم وتمكينهم من أداء دورهم أوقات السلم والحرب، انسجاماً مع القواعد الدولية لمواثيق حقوق الإنسان التي وقعت عليها الكثير من الدول وأصبحت نافذة، الأمر الذي يتطلب إلغاء إجراءات احتجاز الصحافيين لفترات طويلة تحت أي حجة أو مبرر أو ذريعة واتباع الإجراءات القانونية المناسبة والاعتيادية.

ولعل وجود أعداد كبيرة من الصحافيين معتقلين هو خلاف لهذه القواعد سواءً بسبب النزاعات الحربية أو من جانب الحكومات، فقد احتجزت القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وغوانتانامو أعداداً منهم وبقوا لسنوات أو أشهر أو لأسابيع رهن الاعتقال دون مبرر قانوني في الكثير من الحالات، ومن ثم أطلق سراحهم دون توجيه تهم لهم، كما أن السلطات الحاكمة في الكثير من الحالات اعتقلت إعلاميين بسبب يتعلق بما نشروه من معلومات تخص مقامات عليا أو قضايا الفساد الإداري والمالي، أو ما تم اعتباره قذفاً أو تشهيراً.

في العراق لقي 16 صحافياً مصرعهم على يد القوات الأميركية وأصيب آخرون بجروح خطيرة جراء إطلاق النار عليهم، وفي معظم الحالات التي أجرت فيها القوات الأميركية تحقيقاتها لأنها غير خاضعة للولاية القضائية العراقية، فإن نتائجها كانت تبرئة الجنود المتورطين في جميعها. كما أخفقت بعض التحقيقات في التوصل إلى إجابات عن أسئلة تتعلق بإصدار أوامر العمليات والسيطرة عليها، مع وجود تناقض في أقوال الشهود، ولعل من المناسب الإشارة إلى أن القوات الأميركية والمتعاونين معها من الشركات الأمنية والمقاولين والمترجمين وغيرهم كانوا خارج نطاق الولاية القضائية العراقية، الأمر الذي لم يتغيّر بعد توقيع المعاهدة العراقية-الأميركية أواخر العام الماضي 2008.

إن صدور تشريعات دولية واتخاذ إجراءات موازية لزيادة الوعي بأهمية القوانين والأنظمة التي تكفل حماية الإعلاميين، إضافة إلى التدريب والتأهيل للجنود والضباط وجميع المعنيين بحماية الصحافيين في وقت السلم والحرب لقبول وجود الإعلاميين، وحقهم المشروع في تغطية الأخبار والنزاعات، واحترام وجودهم الطبيعي لنقل الحقيقة وإيصالها إلى العالم، سيكون للقضاء دور مهم فيه!

*باحث ومفكر عربي

back to top