عندما تتحول الحرية إلى قندرة ...؟

نشر في 16-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 16-12-2008 | 00:00
 عبدالله العتيبي بين حذاءين!

هكذا مرت فترة ولاية الرئيس الأميركي جورج بوش على العراق، بين مفهومين، يرمزان إلى حقبتين مختلفتين تماماً، إلى حد التناقض، بين حذاء المواطن العراقي أبو تحسين، في صورته التاريخية واقفاً وسط بغداد معلناً سقوط الدكتاتورية في العراق، بفضل كبير من الرئيس بوش، وهو يجلد بحذائه صورة للطاغية العراقي الراحل صدام حسين، وبين الحذاء الذي ألقاه الصحافي العراقي المزعوم في وجه الرئيس الأميركي، ويرمز في أحد أبعاده إلى «الحرية» التي حصل عليها العراقيون، وإن عبر عنها الصحافي بطريقة إرهابية، لأنه ما اعتادها أو ربما تصرف مدفوعاً، وهو الأمر الذي أشار إليه بوش بعد الحادثة عندما قال: «أنا مقتنع بأن العراقيين ليسوا كذلك. هذه أمور تحدث عندما يكون هناك حرية».

والحال، أن الصحافي العراقي لم يأت بجديد، وهو بالتأكيد لا يمثل العراقيين الشرفاء، وإن كان تصرفه نابع من أحد أوجه الثقافة العراقية في ما يتعلق بـ«ثقافة الاحذية»... ولعل الكثير من العرب، والعراقيين بالتأكيد، يستعيدون الآن الأهزوجة الشهيرة «نوري السعيد القندرة... وصالح جبر قيطانها»، التي كان يرددها المتظاهرون بسخرية في بغداد عام 1948 ضد معاهدة بورتسموث التي عارضها الشعب العراقي حينذاك، وكانت ترمي الى تأكيد أن رجل العراق القوي نوري السعيد كان هو الحاكم الفعلي، ولم يكن رئيس الوزراء صالح جبر غير صنيعة بيده. وشاعت الأهزوجة في العراق، وراح يرددها الكبار والصغار، والقندرة هو التعبير العراقي الدارج لكلمة الحذاء. والقيطان: هو الخيط الذي يشدّ به، وظلت هذه الأهزوجة عالقة في الاذهان كجزء من التراث السياسي العراقي.

وحديثا قول رئيس البرلمان العراقي محمود المشهداني للنواب حميد مجيد موسى، ومهدي الحافظ، وفؤاد معصوم، وميسون الدملوجي، وزميلتها صفية السهيل، أثناء سجال حول أحد القوانين إن «أي قانون لا يتوافق مع الإسلام أضربه بالقندرة»... ومن قبله الرئيس العراقي السابق صدام حسين حين قال أمام القاضي الذي يحاكمه: «على قندرتي أي حكم بالإعدام»، وكذلك رد فعل المواطنين العراقيين عند سقوط تمثال صدام في ساحة الفردوس وضربه بالنعال، ويقول الصحافي العراقي حسين كركوش: «التاريخ القريب والبعيد يوضح لنا ولع العراقيين بالقنادر. ان أشهر أقوال يتفرد بها العراقيون، دون عامة البشر، لندلل بها على شفافية التعامل بيننا، وعلى سماحتنا، وسعة صدورنا، هي «أشك حلكه (فمه) بالقندرة» و«أخلي القندرة بحلكه» و«أدوس راسه بالقندرة».

وانتقلت النزعة العراقية إلى الكويت، وظهرت في الخلاف الذي حدث في اجتماع للجنة المالية البرلمانية في مارس 2007 حينما كانت تناقش اللجنة قانون «أملاك الدولة»، وبعد إبداء السعدون ملاحظاته التي اتهم فيها النائب وليد العصيمي بأنه استخدم نفوذه من أجل الحصول على مشروع «أبو فطيرة»، فما كان من العصيمي إلا أن قاطع السعدون قائلاً: «يا أخي عيب عليك، تمشي وتتحدث عني كما لو أنني حرامي»، وحاول النواب تهدئة العصيمي الذي تابع كلامه بعصبية قائلاً: «إذا تحدثت مرة أخرى راح أحط القندرة على راسك».

من شاهد «البيان» الصادر عن فضائية «البغدادية» التي يمثلها المراسل، سيتأكد أن الرجل لم يأت من فراغ، بل جاء من خلفية إرهابية، حين طالب متحدث باسمها بـ«الإفراج الفوري» عن الصحافي الإرهابي «تماشياً مع الديمقراطية وحرية التعبير»، ودعا إلى «التضامن» معه وعدم «مصادرة الحريات الخاصة»، أما الأنكى فكان موقف الكثير من العرب، ومنهم عدد غير قليل من مدعي الثقافة والدفاع عن حقوق الإنسان، الذين يؤيدون علانية وضمنا اللجوء إلى «حوار القنادر»، فهل سيوافقون لو عوملوا بالمثل؟

السؤال الذي يطرح نفسه حقاً: هل يجرؤ الصحافي «القندرجي» على القيام بفعلته لو كان الرئيس عربياً بدلا من الرئيس الأميركي؟ الأرجح أنه سيختفي خلال لحظات، ثم سيوجد ميتاً في مكان ما «منتحراً بثلاث رصاصات في الرأس»...!

back to top