ستون عاماً من النكبة الفلسطينية

نشر في 18-05-2008
آخر تحديث 18-05-2008 | 00:00
الحقيقة أن الدول العربية لم تقترب حتى في مساعداتها للفلسطينيين من مضاهاة مستوى المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة والأوروبيون لهم، ناهيك عن مستوى الدعم الغربي- السياسي والعسكري، وأيضاً المالي الذي كان المفتاح لإرغام الإسرائيليين على قبول مطالبة الفلسطينيين بالحرية.
 بروجيكت سنديكيت مع احتفال دولة إسرائيل بعيدها السنوي الستين، يتذكر الفلسطينيون نكبتهم- طردهم من ديارهم، واحتلال أراضيهم، وضياع دولتهم. ولكن بالنسبة لكل من الطرفين، والقوى الخارجية، كانت أحداث عام 1948 وما تلاها من أحداث- احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية في عام 1967 - تشكل إخفاقاً مأساوياً.

تتحمل إسرائيل المسؤولية عن أغلب هذا الإخفاق نظراً لاستمرارها في الاحتلال العسكري والاستيطان غير القانوني للأراضي الفلسطينية. ورغم الرياء بشأن الرغبة في السلام، فمازال رفض إسرائيل لسحب جيشها من المناطق المحتلة يشكل انتهاكاً مباشراً للفقرة التمهيدية من قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242، والذي أطلق على احتلالها «الاستيلاء غير المقبول على الأرض بالقوة».

بيد أن المجتمع الدولي، والفلسطينيين، والعرب يتحملون جميعاً المسؤولية أيضاً، ولو بمستويات مختلفة. والحقيقة أن الاحباطات ترجع إلى ما قبل تأسيس دولة إسرائيل والنكبة ذاتها: لجنة «الملك وكرين» في عام 1919، وتقرير بيل في عام 1937، والورقة البيضاء البريطانية في عام 1939، ولجنة استقصاء الحقائق الإنجليزية الأميركية في عام 1945، وخطة التقسيم التابعة للأمم المتحدة في عام 1947. ومنذ ذلك الوقت توالت قرارات الأمم المتحدة: القرار رقم 194، ثم القرار 242، ثم القرار 338، وبعد ذلك «خطة روجرز» و«خطة ميتشيل» و«خطة تينيت»، ثم اتفاقيات «كامب ديفيد» و«طابا»، والخطة السعودية، و«خارطة الطريق»، و«مبادرة جنيف»، ثم «خيار الشعب» ومبادرة السلام العربية.

مما لا شك فيه أن الفلسطينيين والعرب أيضاً يتحملون المسؤولية لعجزهم عن إدراك وتفهم محنة الشعب اليهودي. فرغم أن الفلسطينيين لا يد لهم في المشاعر الأوروبية المعادية للسامية والمحرقة النازية، فإنهم ما كان ينبغي لهم أن يتجاهلوا مأساة اليهود. كان الفلسطينيون منهمكين في مقاومتهم للصهيونية إلى الحد الذي عجزوا معه عن تفهم الاحتياجات الجوهرية لليهود، كما فشلوا في تقدير التأثيرات المترتبة على أعمال العنف العشوائية ضد المدنيين الإسرائيليين.

ومع استغراقهم في غضبهم المشروع، أخفق الفلسطينيون والعرب في الاتفاق على توجه جاد في التعامل مع الإسرائيليين، وفشلوا في تبني إستراتيجية سياسية صالحة للتعامل مع الاحتياجات اليومية للفلسطينيين وآمالهم الوطنية. فرغم الهجمات عبر الحدود، وعمليات الاختطاف، والدبلوماسية العربية والدولية، والمحادثات السرية، والمقاومة السلمية، والتفجيرات الانتحارية، والصواريخ، والمبادرات الإقليمية العربية، ومبعوثي السلام الدوليين، فإن ذلك كله لم ينجح في إنهاء الاحتلال. ومع كل تحرك جديد، كان الزعماء الفلسطينيون، المخدوعون بالتصريحات الجوفاء من جانب الدول العربية بالتضامن مع قضيتهم، يفشلون في القياس الدقيق لقوتهم في مقابل قوة الإسرائيليين.

والحقيقة أن الدول العربية لم تقترب حتى في مساعداتها للفلسطينيين من مضاهاة مستوى المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة والأوروبيون لهم، ناهيك عن مستوى الدعم الغربي- السياسي والعسكري، وأيضاً المالي الذي كان المفتاح لإرغام الإسرائيليين على قبول مطالبة الفلسطينيين بالحرية. وبينما كان الدعم الأوروبي، على الصعيدين الشعبي والخاص، لإسرائيل، وخصوصاً أثناء سنوات تأسيسها، مكثفاً للغاية، فقد عمدت الولايات المتحدة إلى بناء جدار ناري تمثل في استخدام حق النقض وتوفير الحماية السياسية لإسرائيل، فضلاً عن تزويدها بالدعم المالي الهائل. وفي تقرير واشنطن عن شؤون الشرق الأوسط، قدَّر مسؤول خارجية الولايات المتحدة المتقاعد شيرل ماكارثر مجموع مساعدات الولايات المتحدة المباشرة لإسرائيل أثناء الفترة من عام 1949 إلى عام 2006 بحوالي 108 مليارات دولار.

وبعد الولايات المتحدة تأتي ألمانيا باعتبارها الجهة المانحة الرئيسية للمساعدات الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل. وإلى حد كبير كان العنصر الأضخم في المساعدات الألمانية يأتي في هيئة تعويضات للإسرائيليين عن الفظائع التي ارتكبتها ألمانيا النازية. وبلغ إجمالي المساعدات الألمانية للحكومة الإسرائيلية، وأفراد إسرائيليين، ومؤسسات إسرائيلية خاصة حوالي 31 مليار دولار، أو 5345 دولاراً للفرد، وبذلك يبلغ مجموع مساعدات الولايات المتحدة وألمانيا لكل فرد إسرائيلي حوالي عشرين ألف دولار.

إن فشل الحركات الوطنية الفلسطينية في مواجهة قوة إسرائيل يصب الآن في مصلحة الإسلاميين. فأثناء التسعينيات اكتسبت حركة المقاومة الإسلامية المعروفة باسم «حماس» المزيد من القوة، بعد عودة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وتأسيس السلطة الفلسطينية كنتيجة لاتفاقيات أوسلو. فقد أتى رفض «حماس» لاتفاقيات أوسلو بثماره السياسية، بعد أن بات من الواضح على نحو متزايد في أعين الفلسطينيين أن المصافحات الحارة في حديقة البيت الأبيض لن تسفر عن النهاية المطلوبة للاحتلال الإسرائيلي، أو حتى عن توقف الأنشطة الاستيطانية غير القانونية التي تمارسها إسرائيل.

ولكن رغم الإخفاقات التاريخية العديدة، واستيلاء حماس في شهر يونيو 2007 على السلطة في غزة، ورغم وضع حركة «حماس» المنبوذ في الغرب، ما زالت الولايات المتحدة تؤكد مراراً وتكراراً أن عام 2008 سوف يكون عام التوصل إلى اتفاقية سلام. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الفشل بات مصيراً محتماً لاقتراح السلام العربي الذي يدعو إلى إنشاء دولة فلسطينية على حدود 1967 وحل عادل لمشكلة اللاجئين في مقابل التطبيع الكامل للعلاقات مع إسرائيل من جانب الدول العربية.

بعد ستين عاماً من الإخفاقات، ومع اختفاء الجيل الذي عاش النكبة من المشهد، مازالت التسوية السياسية القادرة على توفير الحرية للفلسطينيين في دولة مستقلة تقوم إلى جانب إسرائيل الآمنة، وإيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين، تبدو أكثر أهمية من أي وقت مضى- إلا أنها تبدو أيضاً أبعد منالاً من أي وقت مضى.

* داوود كتاب، أستاذ في جامعة برينستون سابقا ومؤسس ومدير معهد الإعلام العصري في جامعة القدس في رام الله، وهو ناشط قيادي من أجل حرية الإعلام في الشرق الأوسط.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top