قصص القرآن أول قصص الأرض قابيل وهابيل

نشر في 03-09-2008 | 00:00
آخر تحديث 03-09-2008 | 00:00
No Image Caption
إنَّ الإنسان الأول، الذي عاش على الأرض، حيث لم تكن حضارة، ولم يكن تقدم, هو الإنسان الحالي الذي يعيش وسط أجواء الثورة العلمية الحديثة... نفسه هي نفسه، وعقله هو عقله، ورغباته هي رغباته..

إنَّ ما حدث من قابيل يوم أن تنافس مع أخيه هابيل على الظفر بزوجة حسناء, لايزال يحدث اليوم بصورته التي حدث بها بالأمس، ويحدث بصور مختلفة... كلها تدور حول الأنانية، وحول الاحتكام للقوة لحسم الصراع, حتى لو كان الحق ليس مع صاحب القوة... وحول رفض حكم الحق لو كان عليك، وحول التفكك الأسري، وضياع حقوق الجوار، وعدم مراعاة مشاعر الآخرين, حتى لو كانوا آباء وأمهات، ويتضررون كثيراً من تلك التصرفات الغبية..

ـ قال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} (المائدة : 27: 31).

وقصة قابيل وهابيل قصة لها جذور تاريخية قبل نزول آدم وزوجته حواء إلى الأرض.. جذورها العداء بين إبليس للأب (آدم) ، والانتقام من أولاده.

القصة لم تبدأ بصراع أخ وأخيه.. والقصة لم تبدأ في الأرض... القصة ابتدأت يوم أن خلق الله آدم...

والقصة أصلاً قصة استغل فيها الشيطان واحداً من أبناء آدم, لينتقم من الأب والأم، وحتى من قابيل..

فالبداية ـ إذاً ـ من الممكن أن نفهمها حين نسمع قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} (البقرة : 30)... وتقول بعض الآثار: إنه عندما خلق الله آدم من تراب وطين وقبل أن ينفخ فيه الروح, جعل إبليس يدور حوله، وهو لايزال تمثالاً بلا روح، وحين نفح الله فيه الروح, ازداد غل وحسد إبليس، ثم جاء أمر الله بالسجود لآدم.. فسجد الملائكة كلهم أجمعون... إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين... ويسأل الله إبليس عن السبب في عدم سجوده، وكان الحسد قد وصل إلى ذروته، فلم يستطع إبليس أن يكتم هذا الشعور, بل زاد عليه غروراً مقيتاً فقال: { أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف : 12).

ثم يمضي إبليس في تبجحه وتحديه ليقول لله الخالق العظيم: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً} (الإسراء : 62).. أي إنه يتوعد ويهدد هذا المخلوق الذي فضله الله عليه.. كنوع من الاحتجاج على اختيار الله.

ومن يومها بدأت القصة وبدأ الصراع.

طرد الله الشيطان من الرحمة، وكرم آدم.. وقال الله: { وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} (الأعراف : 19)، وقال له ليحذره من الشيطان: { إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الجَنَّةِ فَتَشْقَى} (طه: 117).

وكان ما يعلمه كل المسلمين من إغواء إبليس لآدم ولزوجه، حتى جعلهما يأكلان من الشجرة، ثم يهبطان إلى الأرض.

وقد نزل آدم وحواء ونزل إبليس إلى الأرض، وحملت حواء لأول مرة، فولدت توءماً (ولداً وبنتاً) ليبدأ تناسل البشرية واستمرارها وتعمير الأرض.

وكان لابد من تزاوج هؤلاء الأولاد، وتزوجوا بشرط أن لا يتزوج الولد أخته توءمه ولكن يتزوج البنت من بطن آخر.

ولما كبر قابيل وهابيل علمها آدم الزراعة وعلمهما الرعي، ثم تخصص قابيل في الزراعة وهابيل في الرعي.

وظل إبليس يترصد ويترقب، ويبحث عن فرصة ليدفع فيها أحداً من أبناء آدم لكي يعصي الله، ووجدها فرصة سانحة، حين وجد الحسد يحتل قلب قابيل ويسيطر عليه تماماً.

وتؤكد كتب التراث أن سبب المشكلة التي حصلت بين قابيل وهابيل هو النزاع على الزواج، وكانت توأمة قابيل جميلة وتوأمة هابيل أقل جمالاً، والأصل أن الشرع وقتها يأمر أن يتزوج قابيل أخت هابيل الأقل جمالاً، وأن يتزوج هابيل الجميلة.... هذا ما قالوه في الكتب، لكن هذا الكلام ليس عليه دليل، فالشيطان في كل زمان ومكان يجعلك ترى ما ليس في يدك أحلى وأجمل مما في يدك، وكان أن رأى قابيل أن أخت هابيل أحلى من أخته مع أنه من الممكن أن تكون هي أقل جمالاً، ولكن الشيطان زين له ذلك، وملأه بالحقد والحسد على أخيه.

فأراد قابيل أن يستأثر بأخته وتوأمته وأراد أن يتزوجها، ورفض زواجها من هابيل، وظهر غضبه، وأصر قابيل على موقفه فكان لابد من حل.

فقال آدم: يا قابيل: قدم قرباناً، ويقرب أخوك قرباناً، فأيكما قبل الله قربانه فهو الأحق بها.

وبالفعل أخرج كل منهما شيئاً من ماله أو ممتلكاته يتقرب به إلى الله... فقدم هابيل بقرة من أجود بقره، وقدم قابيل أسوأ وأردأ زرع عنده... وقد قبل الله قربان هابيل لأنَّ فيه صدقاً وإخلاصاً وسخاء وكرماً، ولم يتقبل قربان قابيل لأنَّ فيه أنانية وبخلاً وطمعاً، فاشتعل الحسد في نفس قابيل مرتين، مرة لأن أخته لم تكن من نصيبه، ومرة ثانية لأن الله فضل أخاه عليه، ورفض قابيل التحكيم, بل اتهم آدم أباه أنه يحابي أخاه هابيل لأنه أقرب إليه منه، فطاوعته نفسه وانقاد لحقده، وقتل أخاه هابيل.

ونحب أن نذكر هنا أن هذه القصة هي قصة الماضي، كما هي قصة الحاضر، فهناك من البشر في أيامنا من يغلب عليهم التسامح والعطاء والنفس الطيبة، وهناك آخرون يغلب عليهم البخل والحسد والطمع, بسبب تبعيّتهم للشيطان وعدم استجابتهم لأمر الله وتشويههم للفطرة، وتعبئة قلوبهم بالحسد والأنانية...

وعندما تتخلص البشرية من هذه الأمراض تعود على المستوى الإنساني النقيّ الذي فطرها الله عليه.

ومن المهم هنا أن نذكر أن الإنسان حينما ينساق وراء أحقاده, ويحارب من يتوهم أنهم أعداؤه، وأنهم أسباب شقائه, لحظتها يحس بأنه خسر كل شيء، ويظهر له الشيطان واضحاً سافراً يضحك منه وعليه، ويندم, ساعة لا ينفع ندم..!!

back to top