مجهول الوالدين... مجهول المستقبل! مشاكل مجهولي الوالدين تطرح سؤالاً عن مدى نجاعة سياسات الرعاية الاجتماعية

نشر في 05-12-2008 | 00:00
آخر تحديث 05-12-2008 | 00:00
مجهولو الوالدين فئة تلقى المعاناة من جانبين: الأنظمة الإدارية التي تدير شؤونهم، والمجتمع الذي يعيشون فيه، فكيف يواجهون ذلك في حياتهم.

هناك تساؤل مهم بات يشكل تحديا كبيرا لدور الدولة في مجال الرعاية الاجتماعية للأفراد المنتمين الى فئات الأحداث، ومجهولي الوالدين، والأيتام، وأبناء الاسر المتصدعة، وهذا التساؤل هو: إلى أي مدى بات الدور الذي تقوم به المؤسسات الحكومية في مجال الرعاية الاجتماعية يقترب اكثر فأكثر مع تطور العلوم الاجتماعية والتطبيقية اللصيقة بها، إلى دور الاسرة الحقيقية، ويتفرع من هذا السؤال اكثر من ملف وقضية، ومنها جدوى السياسات المتبعة لرعاية هذه الفئات، والمردود الاجتماعي مقابل الصرف المالي الكبير، وكذا انعكاس السياسات على سلوكيات هذه الفئة من المجتمع وغيرها من الأسئلة.

موضوعنا في هذا الملف يأخذ شريحة واحدة وهي «مجهولو الوالدين»، أو ما يطلق عليهم قانون الرعاية الاجتماعية اسم «الأيتام»، وهؤلاء يتجاوز عددهم الـ«800» بقليل بين ذكور وإناث سواء من ترعاهم إدارة الحضانة العائلية او من يخضعون لنظام الاحتضان مع الاسر الطبيعية.

وتثبت النتائج والمعلومات التي حصلت «الجريدة» عليها ان ثمة تغييرا كبيرا يجب ان يطال مفهوم الرعاية الاجتماعية لهذه الفئة والفئات الأخرى، وأنه يجب الانتقال من دائرة الخدمات إلى الرعاية الاسرية الحقيقية، وهذا الانتقال -إن حصل- سينسف مفاهيم وسياسات كثيرة يتم العمل بها منذ سنوات، ولم تحقق الاطمئنان والدفء الأسري لهؤلاء الشباب.

التأخر الدراسي

كشفت معلوماتنا عن أن التأخر الدراسي الحاصل للجنسين من فئة مجهولي الوالدين ينذر بالخطر، ويرتبط بمسألة توظيفهم في مؤسسات الدولة للاعتماد على أنفسهم، فنسب النجاح ضئيلة جدا، الأمر الذي يؤدي بمجهولي الوالدين إلى الالتحاق بدورات عملية تنظمها الهيئة العامة للتعليم التطبيقي للقيام ببعض المهام الفنية المتدنية، وهي تؤدي بهم إلى امتهان وظائف متدنية الرواتب والمكانة، وهو ما يؤثر لاحقا على حياتهم العملية إن انخرطوا في مؤسسة الزواج.

البطالة

ومن زاوية أخرى، يقع جزء منهم تحت شبح البطالة نظرا الى تأخرهم الدراسي وضعف تحصيلهم العلمي، فأغلبهم لم ينه مرحلة الثانوية، ومن هؤلاء ايضا فئة أشد سوءا وهي فئة لا تعمل ولا تدرس.

الطلاق

وعلى مستوى مؤسسة الزواج، فإن المعلومات التي حصلنا عليها تؤكد انتشار نسب الطلاق بين الجنسين، ومعظم الأسباب تدور حول المستوى المادي الذي تتسم به الزيجات من هذا النوع وطريقة اختيار الشريك، والاخطر من ذلك ان المؤسسة الرسمية المسؤولة عنهم لم تعالج هذه المشكلة وهي البحث في قضايا الانفصال والطلاق ومحاولة معالجتها، وهو ما يؤكد الغرض الذي انطلقنا منه في البداية وهو ضرورة مراجعة فكرة الرعاية الاجتماعية من جانب الدولة.

وتؤكد المعلومات في هذا الجانب ان ميول الزواج عند فئة مجهولي الوالدين تكون في الغالب من نفس المحيط بمعنى ان الزواج من بعضهم أكثر شيوعا من الزواج من خارج هذه الشريحة، مع وجود خصوصية بالنسبة الى الذكور وهو اقبالهم للاقتران بمقيمات من دول عربية او زواج من خارج الكويت إذ يبدو ان ميزة الجنسية الكويتية التي تمنحها الدولة ذات اثر نفسي ومادي ايجابي على الراغبة في الزواج من مجهول الوالدين.

الاحتضان والإيواء

وهذان مفهومان مختلفان، فالأول الاحتضان: وهو الأسلوب الذي تتبعه دور الرعاية في مد قناة مع الأسر الطبيعية لاحتضان مجهول الوالدين، وهي فكرة حققت نجاحا كبيرا في نظر مسؤول في دار الرعاية، بينما نظام الايواء مفهوم اخر يعتبر دار الرعاية هي الحاضنة لمجهول الوالدين وشتان ما بين الاسلوبين، فالأول يأتي تطوعا وبرغبة أسرة في احتضان حالة من الحالات، اما المفهوم الآخر فهو يعتمد على نظام اداري يتم من خلاله توظيف عمالة بأجر محدد للقيام بمهام محددة في ساعات مقررة من اليوم، مع عدم ضمان التجاوب النفسي والاجتماعي بين الموظف والحالة الموجودة في دار الايواء.

سلوكيات مجهولي الأبوين

ينعكس نمط التعامل الذي تعتمده دار رعاية مجهولي الابوين عليه في ارشادهم للسلوك الاجتماعي المطلوب على تصرفاتهم الواقعية في الحياة العملية، ويقول مصدر لـ«الجريدة» ان معظم القضايا المرفوعة على أبناء هذه الفئة تتعلق بالمسائل المالية، وقضايا الخلاف في الحياة الزوجية وان الادارة تقف عاجزة امام تغيير مثل هذه السلوكيات وربما ينبئ ذلك بالقصور الواضح في الجانب الارشادي والسلوكي الذي يقوم به المشرفون على الدار. ويذهب المصدر إلى القول ان عدد من يتقلدون وظائف اشرافية لا يتمتعون بالمواصفات السلوكية والاجتماعية المطلوبة والتي تؤدي بهم الى ان يكونوا قدوة لمجهول الابوين.

ومن جانب آخر، لا تزال الادارة في حيرة من مواجهة بعض المظاهر النفسية والسلوكية الاخرى التي تظهر على الاناث تحديدا، ويقصد مصدر «الجريدة» هنا ظاهرة «البويات» التي بدأت تغزو بعض نزيلات دار الحضانة العائلية.

الإنفاق والمردود

مسؤول في دور الرعاية يقول، من واقع تجربة عملية، ان الاموال التي تنفق على الرعاية الاجتماعية لا تتوافق ابدا مع المردود الاجتماعي والنفسي الذي يفترض ان يظهر على سلوك مجهول الوالدين. وفي هذا يقول ان اي دار ضيافة او رعاية اجتماعية تكلف شهريا الوزارة مبالغ طائلة لا تقل عن 5 آلاف دينار، موزعة كرواتب للمشرفين وعمال النظافة وايجار السكن، بينما التكلفة المالية ستقل كثيرا لو تم التوسع في سياسة الاحتضان لدى الاسر، او اعتماد اساليب جديدة ذات جدوى اجتماعية.

ويضرب مثالا على ذلك بالقول ان صرف مبلغ 200 دينار للاسرة الحاضنة لطفل مجهول الابوين سيكون اجدى واوفر من النظام الذي تديره الدولة، والذي تذهب اكثر من نصف تكاليفه الى احتياجات بيروقراطية! ويضيف ان بعض دول الخليج اعتمدت اساليب الاحتضان داخل قصور بعض الحكام والامراء والاسر المقتدرة رغبة في تنشئتهم تنشئة وطنية تغرس فيهم الولاء، وتضمن مستوى معيشيا لائقا حتى يصل المحتضن الى السن التي يعتمد فيها على نفسه، ويطرح المصدر هذه الفكرة لتطبيقها في الكويت وبنفس النمط لاسيما ان العدد الاجمالي لمجهول الوالدين ليس كبيرا، ويمكن السيطرة عليه بتوزيعه على الاسر الحاضنة بشكل سهل.

 

مجهول الوالدين: مشاكلنا مع الإدارة كثيرة وتشمل الجنسين

الحديث إلى مجهولي الوالدين يختلف اختلافاً كبيراً عن الحديث إلى المسؤولين عنهم، فالهموم الاجتماعية والنفسية والسلوكية لهذه الفئة لا يستطيع أن يكشفها إلا هم أنفسهم.

الحديث المباشر إلى مجهولي الوالدين (أو الأيتام) حسب المصطلح القانوني المستخدم في إدارة الحضانة العائلية له نكهة خاصة، لأنه بعيد عن الرسميات والأرقام والاحصاءات، ويركز على علاقة افراد هذه الفئة بالمجتمع بكل ما يشتمل عليه من مفردات: التشريعات، والإدارة، والمسؤولين الرسميين، وأفراد المجتمع عامة.

ضعف المراقبة

ويؤكد من التقتهم «الجريدة» وجود مشكلة رئيسية في الادارة والخدمات التي تقدمها، وهي ضعف الرقابة والمتابعة لحياة اليتيم الدراسية والزوجية والمشاكل التي قد يتعرض لها بعد خروجه الى الحياة العامة وتوظفه في إحدى مؤسسات الدولة، وتبرر الادارة ذلك دوما بقلة عدد الكوادر العاملة.

القسم التربوي

ويضيف هؤلاء أن في الادارة جهة تسمى «القسم التربوي»، وهي المسؤولة عن تدريس ابناء الحضانة العائلية، وفيها عدد من المدرسين المنتدبين من وزارة التربية، لكنهم لا يقومون بواجبهم المحدد لهم.

وتتعاقـــــــد الادارة بــــــــدلاً من ذلك مع مدرســــــــيـــــــــن آخـــــــريـــــن يكونون في الغالب من مدارس أجنبية للقيام بالواجب التعليمي المنوط أصلا بمدرسي وزارة التربية.

متابعة الأبناء

ويضيفون أن هناك جهة تسمى «قسم متابعة الأبناء» يناط بها متابعة شؤون ابناء الدار، لكن جهودها فقيرة وخصوصا بالنسبة للمشاكل التي تحدث لهم في شؤون الزواج والمرض، وغاية ما يقوم به المسؤولين في هذه الجهة إرسال الكتب.

أموال الادخار

ويؤكدون كذلك أن عملية السحب المالي من حسابات الادخار الخاصة بالنزلاء تتم احيانا من دون معايير وبمقدار يفوق المنصوص عليه في الاجراءات اللائحية.

ومعروف أن حسابات النزلاء يتم تغذيتها من مبلغ الاعانة الشهرية، وأن عدم الانضباط في الصرف منه لليتيم يؤدي الى تهديد حياته المستقبلية، لأن هذا الحساب ما وضع إلا لمواجهة أعباء الحياة الى حين بلوغ سن الشباب.

التوجيه الفني

ويعول من التقتهم «الجريدة» على قسم التوجيه الفني، لأنهم يرون فيه العقل المدبر للادارة، لكنهم يرون فيه أيضا القسم المهمش والضعيف رغم أنه يضم اختصاصيين في فهم سلوك هذه الفئة وتقرير ما يرونه مناسباً لحياتهم. ويرجع هؤلاء نتائج تهميش هذا القسم وعدم قيامه بأعبائه الى شيوع ظواهر سلوكية سيئة كالتدخين والانقطاع عن الدراسة والوظيفة والطلاق والمشاكل المادية.

ويؤكد هؤلاء ان صلاحية السحب من صندوق الادخار لكل يتيم كانت بيد هذا القسم إلا انها تحولت الى مساعد مدير الادارة، فأصبح القرار فرديا في الصرف وهنا الخطورة، كما يلفتون النظر إلى ظاهرة النوم خارج الحضانة العائلية وهي أمر مخالف للقانون، واتاحة الفرصة للبعض للسفر للخارج من دون علم قسم التوجيه الفني.

«بويات»!

ويروي هؤلاء وجود حالات مما يصطلح بتسميتهم «البويات» أو البنات اللاتي تظهر عليهن علامات الذكورة، ويفسرون ذلك بضعف الرقابة ومتابعة سلوكهن الاجتماعي في وقت مبكر، اضافة الى صغر سن المشرفات الاجتماعية عليهن وقلة خبرتهن في مثل هذه الظواهر، اضافة الى التغيير المفاجئ للمشرفات بين فترات زمنية مختلفة.

ويؤكد هؤلاء ان احوال بنات الدار تحتاج الى تركيز اكبر واهتمام اكثر، فالبنات بحاجة الى نصائح ومتابعة جادة ومستمرة، وذلك ما يفتقدنه في الدار.

بيوت الضيافة

ويسمي سكن بعض أفراد هذه الشريحة «بيوت الضيافة»، وهي شقق أو بيوت في مناطق مختلفة من المحافظات، تعاني ضعف الاشراف عليها من قبل المسؤولين المباشرين، وهو ما يعكس تردي الحالة التعليمية لأغلب نزلائها وعدم قدرتهم على الحصول على الشهادة الثانوية.

سالم... يصرخ

سالم علي أحمد... حالة صارخة لمعاناة دار الأيتام، متزوج وله خمسة من الأطفال... عاطل عن العمل وليس لديه مصدر مالي... وبسبب خلافات اجتماعية يعيش مؤقتاً في أحد بيوت الضيافة التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

يقول سالم لـ«الجريدة»: «شرحت حالتي المأساوية اجتماعيا ومادياً لمدير ادارة الحضانة العائلية الذي قال له إنه سيقوم بتشكيل لجنة لدراسة الحالة خلال اسبوعين، وفي هذه الاثناء كنت أبات في المساجد والحدائق وأماكن آخرى، حتى ذهبت الى الوزير السابق جمال شهاب، وتم اعطائي السكن المؤقت في أحد دور الضيافة». ويضيف: «في لقاء مع بعض اخواني في الدار ضمن الوزير الحالي ووكيل الوزارة ومسؤولين عن الرعاية الاجتماعية طرحت مشكلتي، واستمع اليها الوزير باهتمام وأمر بحلها فوراً بحيث يتم اعادتي الى العمل في ادارة عمل العاصمة التابعة للوزارة ذاتها، لكي احصل على مدخول مادي استطيع من خلاله تسديد مديونيتي للبنك الذي اقترضت منه، ولكن الى اليوم لم يتم اي شيء مما تم الاتفاق عليه والذي أمر به السيد الوزير».

ويضيف سالم ان تأخير البت في موضوعه جعله يراجع وكيل الوزارة، على أساس ان الامر تم بحضوره والنظر في موضوع اعادته الى وظيفته، إذ أكد أن الوكيل قال له إن الوزارة ستخاطب ديوان الخدمة المدنية والى اليوم لم يحصل شيء... ولا يزال سالم عاطلا عن العمل.

back to top