مَن هو ميخائيل خودوركوفسكي ولِمَ يُحاكم مجدّداً؟
من اليسر إلى العسر26 حزيران (يونيو) 1963
ولد في موسكو وكان والداه مهندسين كيماويين. تربى في شقة مؤلفة من غرفتين.1986تخرج من معهد موسكو للتكنولوجيا الكيماوية وركّز على أعمال الاستيراد والتصدير. فجنى أرباحاً تُقدَّر بعشرة ملايين دولار بحلول عام 1988.1987مع تداعي النظام المالي السوفياتي القديم، أسس مصرف Menatep.1995استغل خصخصة مؤسسات الحكومة ليشتري شركة «يوكس» للنفط مقابل 400 مليون دولار واعتبرها رخيصة جداً.1998أدت الأزمة المالية الروسية إلى انهيار مصرفه.2001أصبح الرجل الروسي الأغنى. أسس Open Russia وركّز على أعمال الخير والإحسان.2003اتُّهم بالاحتيال والتهرّب من الضريبة بعيد انتقاده علناً فلاديمير بوتين، وحُكم عليه بالسجن تسع سنوات.2009يواجه تُهماً جديدة، منها تبييض الأموال.• لمَ نطرح هذا السؤال اليوم؟بدأت أخيراً محاكمة بالغة الأهمية في محكمة مقاطعة خاموفنتشسكي في موسكو. فقد وُجهت إلى المتهمَين ميخائيل خودوركوفسكي وشريكه السابق بلاتون ليبيديف تهم تسهيل سرقة نفط بقيمة 900 مليون روبل من شركتهم للنفط «يوكس»، وتبييض 50 مليون روبل عبر شركات فرعية بين عامي 1998 و2003. وتعادل الأموال نحو 25 مليون دولار أميركي، مبلغ ضخم جداً في نظر معظم الروس، حتى لو كانوا من كبار الأثرياء. وينفي خودوركوفسكي وليبيديف التهم كافة الموجهة إليهما.• لكن ألم يُحاكم خودوركوفسكي سابقاً؟نعم، حوكم بعد أن وُجهت إليه تُهم مشابهة تتعلق بشركة «يوكس» في عام 2004. لم تشمل التهم آنذاك تبييض الأموال، بل ضمّت الاحتيال والتهرب من الضرائب على نطاق واسع. فأُدين بست من التهم السبع الموجهة ضدّه. وحكم عليه بالسجن تسعة أعوام، خُفضت إلى ثمانية بعد الاستئناف، وأمضى لغاية اليوم أربعة منها في معسكر السجن رقم 13 في كامنوكامسك بسيبيريا. وفي الصيف الماضي، رفضت محكمة شيتا الإقليمية، المركز الأقرب إلى السجن، أول طلب تقدّم به للحصول على إطلاق سراح مشروط.• لمَ يمثل أمام المحكمة مجدداً؟إنه سؤال بأربعة وستين مليون روبل. يذكر المدعون العامون أن هذه تهم جديدة تقدمت بها فروع لـ{يوكس» السابقة، التي أعلنت إفلاسها عام 2006، وأنها تهم خطيرة جداً تستلزم محاكمة جديدة. إلا أن دفاع خودوركوفسكي وعائلته وداعميه يعتقدون أن المحاكمة الجديدة لها ذيول سياسية هدفها إبقاءه وراء القضبان لفترة تفوق الثمانية أعوام بكثير.• لمَ تُعتبر هذه المحاكمة سياسيّة؟يملك خودوركوفسكي تاريخاً طويلاً من الصراع مع الكرملين. فبخلاف كثيرين من أعضاء النخبة الروسية الثرية الذين اكتفوا بجني المال وإنفاقه، حاول خودوركوفسكي استخدام بعض من ماله لأغراض سياسية. ولم تكن أهدافه السياسية عادية، بل جاءت داعمة للمعارضة.• وما الخطأ في ذلك؟ كان توقيته سيئاً جداً. فقد قام بخطواته السياسية الأولى فيما كان رئيس الاتحاد الروسي الراحل بوريس يلتسن، المريض آنذاك، يمهد طريق الرئاسة أمام فلاديمير بوتين. في تلك الفترة، خشي الأخير من أن يكون البلد على شفير التفكك، بدءاً من الشيشان، وأن تتحوّل النخبة الثرية بفضل أموالها إلى مركز قوة منافس. لم يسارع بوتين إلى الانقضاض على نخبة الأثرياء، بل عرض عليهم صفقة: يمكنهم التخلي عن السياسة، الاحتفاظ بثروتهم، والبقاء في روسيا، أو يستطيعون أخذ أموالهم ومغادرة البلاد إلى لندن أو سويسرا أو أي بلد آخر. ولا شك في أن مبالغ ضخمة من الضرائب تخلّفوا عن سدادها كانت ستظهر في هذه الحالة.• لمَ رفض خودوركوفسكي الصفقة؟لا نعرف الإجابة بالتحديد، لكن ثمة سببان محتملان. أولاً، تدعم كل ما قاله وفعله منذ انطلاقته الجريئة في عالم الأعمال في تسعينات القرن العشرين فكرة أنه لم يرد تطوير «يوكس» لتصبح أكبر شركة نفط في روسيا فحسب، بل أرادها شركة نموذجية تتقيد بمعايير دولية للمحاسبة والمساءلة. ويبدو أنه أمل بتقديم الدليل على أن روسيا مستعدة لدعم التجارة النزيهة، على رغم أن هدفه هذا بدا تافهاً في نظر كثيرين، خصوصاً في روسيا. ولأنه كان يدير شركة لا تخالف القانون، لم يرَ سبباً يمنعه من دخول المعترك السياسي.• ألم يشمل الخلاف أي طابع شخصي؟قد يكون هذا السبب الثاني الذي دفعه إلى رفض عرض الكرملين. على غرار كثيرين من الأثرياء الذين كدسوا ثروات ضخمة في سن مبكرة، تميز خودوركوفسكي بنزعة إلى العناد والكبرياء، عادت عليه بفائدة كرجل أعمال في تسعينات القرن العشرين. لكن فيما شجعه داعموه على بذل قصارى جهده في إدارة شركة شرعية، يبدو أنه تجاهل كل مَن نصحه بالتفاوض مع الكرملين ورَفَضَ عرض بوتين: المال أو السياسية، لا الاثنان معاً. اختار كثر المنفى، قصراً أو طوعاً. غير أن خودوركوفسكي قرر البقاء والنضال. لكن بوتين كان نداً قوياً يضاهي خودوركوفسكي عناداً. وقد صمم على ألا يرحم كل مَن يرفض عرضه. وهكذا سارع مكتب المدعي العام إلى العمل على قضيته.مَن أين حصل على ثروته؟كان خودوركوفسكي مسؤولاً في منظمة الشبيبة الشيوعية (الكومسمول) خلال سنوات دراسته. فاستغل الجو الأكثر تحرراً في ثمانينات القرن العشرين ليؤسس شركة كمبيوتر لاقت نجاحاً منقطع النظير، حتى أنه في عام 1987 تمكن من تأسيس أول مصرف تجاري في روسيا السوفياتية، وهو بعد في الرابعة والعشرين، ثم استغل عمليات الخصخصة الفوضوية، والفاسدة غالباً، التي شهدتها التسعينات ليشتري أولاً شركة لصنع الأسمدة تلتها «يوكس للنفط». فحوّل الأخيرة إلى أكبر شركة طاقة خاصة في روسيا. وبلغت ثروته ذروتها في عام 2003، إذ وصلت إلى ما يُقدر بخمسة عشر مليون دولار أميركي.• هل للتهم الموجّهة ضدّه أي أساس من الصحة؟لا شك في أن معظم مَن جمع ثروات طائلة في التسعينات تحايل على القانون أو تجاهله أو انتهكه في مرحلة ما. وقد جاءت الصفقة التي عرضها بوتين بمثابة إقرار ضمني بهذا الواقع ومحاولة لتبييض السجلات ومنح الرأسمالية الروسية انطلاقة جديدة. وكلما عظمت الثروة، كانت الأساليب المعتمدة أكثر تهوّراً. لذلك تبدو أي ملاحقات قضائية انتقائية.• ما نظرة الروس إليه؟لا تتمتع النخبة الثرية في روسيا بشعبية كبيرة، ولا يشكل خودوركوفسكي استثناء. ويرغب روس كثر في أن يُحكم عليه بالسجن مدى الحياة أو بالإعدام لأنه في نظرهم شارك في نهب أصول الشعب في التسعينات. وتبرز أيضاً لمحة من العداء للسامية. فخودوركوفسكي يهودي على غرار أثرياء كثيرين لجأ بعضهم إلى إسرائيل. وهو ينال الدعم من مجموعة صغيرة من مفكرين ومناهضين للكرملين يعتبرونه ضحية القانون المسيّس، على غرار منشقّي العهد السوفياتي.• هل للقضيّة نطاقات أوسع؟مؤكد. فمنذ عملية توقيفه المبالغ فيها في عام 2003 (أُخرج تحت تهديد السلاح من طائرته في مطار نوفوسيبرسك بعد أن اقتحمتها القوات الخاصة) إلى احتجازه في معكسر بعيد، لا تُعتبر القضية عملية انتقام شخصي ينفذها بوتين فحسب، بل أيضاً تحذيراً مدروساً لرجال الأعمال الروس كلهم من مغبة المزج بين المال والسياسة. لكن القضية أدت أيضاً إلى زعزعة مجتمع الأعمال الشرعي في روسيا، الذي ما كان تعافى بعد من الانهيار المالي عام 1998. كذلك أخافت مستثمرين أجانب قلقوا من الوقوع ضحية القوانين الروسية المتقلبة والمسيّسة.هل يُدان خودوركوفسكي مجدداً؟هذا مرجح إنما ليس مؤكداً. يُقال إن الرئيس الروسي الجديد ديمتري ميدفيديف عارض المحاكمة الأولى لما لها من تأثيرات سلبية على الثقة في عالم الأعمال. وسرت شائعات أيضاً عن أنه أراد منح خودوركوفسكي عفواً لكنه أخفق في تحقيق ذلك. وقد تُستخدم هذه المحاكمة للتشكيك في حكم القضاء وتمهيد الطريق لإطلاق سراحه. صحيح أن هذه طريقة معقّدة، لكنها تتيح للمعنيين كلهم الحفاظ على ماء الوجه، بمن فيهم رئيس الوزراء الراهن فلاديمير بوتين. وما يدعم هذه الفرضية على الأرجح واقع أن المحاكمة تُعقد في موسكو لا قرب السجن في سيبيريا. لكنها في النهاية فرضية متفائلة جداً.هل يبقى مالك «يوكس» السابق في السجن بسبب الاعتبارات السياسيّة؟نعم• أدين خودوركوفسكي بجرائم لم يُعاقب عليها كثر من كبار الأثرياء.• لا ينسى بوتين سريعاً، وبينه وبين خودوركوفسكي ما يُشبه الثأر.• لا يُعتبر نظام المحاكم الروسي فاسداً فحسب، بل يتأثر بالضغوط السياسية سريعاً أيضاً. لا• تبذل روسيا قصارى جهدها لتصلح نظامها القضائي وتجعله مستقلاً عن السياسة.• يُقال إن الرئيس الجديد ديمتري ميدفيديف يريد إطلاق سراح خودوركوفسكي.• قد ترغب روسيا بسبب الأزمة الاقتصادية في إرسال إشارة إيجابية إلى المستثمرين الأجانب.