تاج الملك

نشر في 11-02-2009
آخر تحديث 11-02-2009 | 00:00
 بلال خبيز هدأت فورة الدم النازف، ولم تقف الحرب بعد، فحركة «حماس» تريد اتفاقاً قبل أن تسمح بخياطة ما تبقى من الجرح الفلسطيني النازف والمفتوح. يفترض بنا ألا نعجب، فالحروب تعقبها اتفاقات سياسية، وهذا ينطبق على الحماسين: «حماس» الداخل و«حماس» الخارج. محمود الزهار يخرج من غزة إلى دمشق والقاهرة، ليتوسط بين طرفين: «حماس» مشعل الظافرة المقيمة في دمشق وبيروت، و«حماس» غزة التي يمثلها.

بعض الاستفسارات التي طرحتها «حماس» الداخل على القاهرة لتطرحها على إسرائيل تتعلق بموقف إسرائيل من حكومة إسماعيل هنية... هل ستبقى إسرائيل تعتبرها حكومة مقالة وغير شرعية أم ستعترف بها؟ حركة «حماس» لا تعترف بشرعية حكومة إسرائيل، لا تعترف أصلاً بوجود إسرائيل. تبحث عن تهدئة بين حربين، وحين تكتمل عدة التمكين ستخوض حربها ضد إسرائيل وتفنيها. لا بأس بذلك.

الدول تولد وتتجبر وتموت، وإسرائيل ليست مثالاً شاذاً عن هذه القاعدة، إنما، لماذا يتحمس الحماسيون لاكتساب شرعية إسرائيلية لحكومتهم المقالة؟ إنها السياسة هذه المرة وليس الاقتصاد... في الاقتصاد تريد «حماس» أن تكتسب شرعية دولية لحكم شعب أصبح معظم أفراده يعتمدون على الإعانات... شعب لم يعد ثمة ما يعيله غير إحسان المحسنين. مع ذلك ثمة في دمشق من قادة «حماس» من لا يريدون اكتساب مثل هذه الشرعية والاعتراف، فالسيد خالد مشعل ينتظر أن يتوج على رأس مقاومة فلسطينية ترث المقاومة السابقة. تقليد كاريكاتيري لقيادة ياسر عرفات ونضاله، لكنه في الوقت نفسه انقلاب على كل إنجازات هذا النضال، فالأمر لا يتعلق برفض أوسلو فقط، بل أيضاً بهذا السعي الحماسي لرفض أي شرعية فلسطينية معترف بها والانقلاب عليها.

جكومة «حماس» المقالة كانت شرعية لمن يذكر، لكنها انقلبت على شرعيتها وخاضت غمار حرب أهلية مصغرة في غزة للسيطرة على مقاليد الأمور من دون شريك، حكومة «حماس» اليوم تنشد شرعية ما من أي مكان في العالم، ومع ذلك هي من انقلب على الشرعية التي كانت الثورة الفلسطينية قد حصلتها بعد أوسلو، ولمن يريد التذكر فقط، شاركت دول الممانعة في مؤتمر مدريد للسلام الذي انعقد من دون الفلسطينيين، وكان الوفد الفلسطيني ملحقاً بالوفد الأردني، إنما ما لنا ولأوسلو الذي قيل فيه الكثير سلباً وإيجاباً.

حركة «حماس» لا ترفض من حيث المبدأ اتفاقاً على التهدئة، ويمكن اختصار المعاناة كلها بمحاولة تحسين شروط التهدئة... هذا يقع أيضاً في صلب السياسة والعمل السياسي، إنما يجب أن ننتبه جيداً إلى معنى هذه السياسة، مآلها ومصبها، فـ«حماس» ليست ضد التفاوض، وليست ضد الاتفاقات، وهي تنشد شرعية دولية وعربية، لكن ما يلكز جنبها على الدوام هو تاج الملك... تريد اعترافاً بها وحدها، ولا تريد شريكاً لها من أي نوع، والعدو الأصلي هو منظمة التحرير الفلسطينية بنسختها الراهنة ونسخها السابقة، وهنا بيت القصيد، حيث لا يستقيم الحديث عن رفض السعي إلى اكتساب الشرعية العربية والدولية، والحماس المنقطع النظير للقاء جيمي كارتر، أو غيره من المبعوثين الدوليين مع الحماسة التي أبداها مقاتلوها وقادتها في مطاردة فلول الفتحاويين في قطاع غزة والانقلاب على الانتخابات التشريعية التي أوصلت قادتها إلى السلطة. العدو هو الشريك.

الحركة لا تريد شركاء، حتى الشعب الفلسطيني الذي تتغنى بانتصاره في الحرب الأخيرة لم يكن شريكاً ولن يكون، واليوم ثمة شعب معوز ومفجوع في غزة، لكن الحركة تستمر في وضع شروطها، والأرجح أن الخلاف في الشدة واللين بين «حماس» الداخل و«حماس» الخارج على صلة وثيقة بوضع الشعب الفلسطيني في غزة، ومع ذلك يجدر بنا أن نسجل لحركة «حماس» أنها تريد احتكار الشرعية الفلسطينية ولأجل هذا الهدف تبذل كل ما في وسعها، حتى لو اقتضى الأمر أن يصبح الشعب الفلسطيني برمته شعباً ينتظر الإعانات.

انتصار؟ طبعاً إنه انتصار مجيد، إلهي إذا شئتم، لكن المستفيد من هذا الانتصار ليس الشعب بل الطامح إلى التاج، وفي سبيل التاج يُضحى بكل شيء، وأول الذين تتم التضحية بهم هم من يوسمون بالعمالة والجبن والتخاذل، ومن يقام عليهم الحد بتهم الفساد وسوء استغلال السلطة.

خاضت نخبة من الفلسطينيين سجالاً حاداً بعد أوسلو حول فساد السلطة الفلسطينية في الداخل، وتراوحت الاتهامات بين سرقة المال العام والاستفادة من الأوضاع السيئة لعقد صفقات تجارية مربحة... إلى آخر ما هنالك من تهم. السلطة تدان إذا سرق مسؤولوها المال العام، فهذا مفهوم، لكنها بالقطع تفقد شرعيتها حين تحول شعباً كاملاً إلى معوزين عاجزين عن تأمين قوت عيالهم، وهذا وكتاب الله يقول: «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»... 1440 شهيداً، كيف يموت الميتون؟

* كاتب لبناني

back to top