القهرمان الإيراني في مواجهة رامبو

نشر في 09-10-2008
آخر تحديث 09-10-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد تحتدم المواجهة الأميركية-الإيرانية على الصعيدين الإعلامي والدبلوماسي، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، وهو ما أعاد إيران لتتمركز من جديد في بؤرة المشهد الإقليمي بعد غياب بسبب الأزمة الجورجية. وإذ خرج مجلس الأمن بقرار جديد حول الملف النووي الإيراني (القرار 1835) يطالبها بالتوقف عن تخصيب اليورانيوم بفعل الضغط الأميركي، فإن القرار خلا من أي عقوبات على إيران بفعل الممانعة الروسية.

من ناحيته عاد الرئيس محمود أحمدي نجاد ليحتل مكانه المفضل أمام العدسات وخلف الميكروفونات بعد طول غياب، إذ أعلن استعداده لخوض مناظرات مع كلا المرشحين للانتخابات الرئاسية الأميركية الجمهوري ماكين والديمقراطي أوباما. ولم ينتظر نجاد ليسمع رداً على مقترحه، بل أعلن بعدها في مقر الأمم المتحدة في نيويورك أن «الغطرسة الأميركية ستزول»، في إشارة إلى إدارة الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش.

توسل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الانتخابات الرئاسية الأميركية لعرض الاقتراح الخاص بمناظرة مع المرشحين للرئاسة الأميركية، بالرغم من أن طهران تعي جيداً أن تغيير واشنطن لمواقفها حيالها يتطلب أثمانا تتعدى بكثير مجرد اقتراح بمناظرة، ولكن الدبلوماسية الإيرانية دأبت على توجيه الرسائل عبر أطراف أخرى غير المعنونة إليها. وقياساً على ذلك فقد استخدم الإيرانيون عنوان الانتخابات الرئاسية الأميركية لتوجيه رسالة إلى الرأي العام الأميركي والدولي، مفادها أن إيران راغبة في التهدئة والمفاوضات على قاعدة مصالح الطرفين. وكان الإيرانيون استخدموا الأوروبيين سابقاً أثناء فترة المفاوضات مع الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وإنكلترا)، طيلة السنوات من 2003 حتى 2005 لتوجيه رسائل إلى واشنطن، باعتبارها الوحيدة القادرة على دفع الأثمان الإقليمية التي تريدها طهران لقاء ملفها النووي.

تقوم المراهنة الإيرانية منذ بداية العام الحالي على الأقل على فرضية مفادها أن انتخابات الرئاسة الأميركية ستسحب سيناريو التصعيد العسكري ضد إيران من قائمة الاختيارات الأميركية الاستراتيجية.

بمختصر العبارة تراهن طهران على خروج بوش ودخول المرشح الديمقراطي باراك أوباما محله في المكتب البيضاوي، وبما يشرع المفاوضات الأميركية-الإيرانية ليس حول الملف النووي فقط، بل حول دور إيران الإقليمي والمصالح الأميركية بالمنطقة.

برع «القهرمان» الإيراني (يشبه «الفتوة» في مصر أو «القبضاي» في بلاد الشام) تاريخياً في استعراض العضلات، ولا تملك -كمشاهد- سوى إطلاق صيحات الاستحسان عندما تراه في «الزورخانه» أو بيت القوة التقليدي لكمال الأجسام في طهران، وهو عاري الصدر كاشفاً عن عضلاته ومحركاً إياها بحرفية ومهارة. ويحرص «القهرمان» قرب نهاية الاستعراض على أن تتسارع العضلات والحركات لتأكيد الانطباع وتركيز التأثير على المتلقي. ويستمد «القهرمان» مهارته وسمعته من قدرته على استعراض حركات جديدة للعضلات، والتحكم بالسلاسل المختلفة الأشكال والأحجام ورفعها في الهواء على إيقاع الدف الإيراني المعبر وغناء الرجال. ويبدو أن المراهنة الإيرانية تشبه «الزورخانه» من زاوية أنها تعتمد على مهارات خاصة وقدرات تحمل فائقة، وعلى خلفيتها يمكن رؤية المواقف الإيرانية التي تبدو متناقضة في أحيان كثيرة، بوصفها استعراضاً بارعاً لقدرات إيران على المبادأة الإعلامية.

تشبه السياسة الأميركية تحت إدارة بوش الابن في المنطقة الفيل في متجر الخزف، كلما التفت حطم، وأينما تحرك هشم. والدلائل على ذلك كثيرة، فالغزو المسلح لأفغانستان لم يقض على «تنظيم القاعدة» كما أعلنت واشنطن قبل شن الحرب، كما أن احتلال العراق فتح الباب على مصراعيه أمام إيران لكي تتمدد إقليمياً كما لم تفعل من قبل في تاريخها الحديث. وإذ تشبه سياسة الإدارة الأميركية الحالية في أحسن أحوالها الممثل الأميركي الشهير سلفستر ستالوني، فإن ضغط واشنطن العنيف على تحالفاتها في المنطقة تحت شعار «الشرق الأوسط الجديد»، قد ساهم في جعل هذه التحالفات بموقع الدفاع عن الأمر الواقع، في حين سمح لإيران وتحالفاتها الإقليمية باحتلال موقع «قوة التغيير» في المنطقة. وهكذا فقد صار استثمار إيران لتناقضات المنطقة وتوازناتها بالإضافة إلى الأخطاء الفادحة للسياسة الأميركية مضرباً للأمثال.

تبدو المراهنة الإيرانية اليوم أقرب على التحقق من أي وقت مضى، فقدرات الرئيس بوش هي الأضعف منذ دخوله البيت الأبيض عام 2000، كما أن مكتسبات إيران النووية هي الأكبر منذ بدء البرنامج النووي الإيراني قبل خمسين عاماً مضت. وبالرغم من ترافق عامل القوة الإيرانية التقنية مع ضعف الإدارة الأميركية الحالية، يبقى على طهران و«قهرمانها» أن يؤجلا الاحتفال النهائي بانتصار رهانهما الاستراتيجي، أقله إلى حين الشروع بمفاوضات أميركية-إيرانية مع الإدارة القادمة. وحتى بافتراض انتصار أوباما في الانتخابات الرئاسية الأميركية، يبقى الرهان غير مؤكد بسبب أن قرارات السياسة الخارجية الأميركية لا يصنعها فقط الجالس في المكتب البيضاوي، بل جماعات الضغط والمصالح الاحتكارية الكبرى. لننتظر النتيجة النهائية للمباراة بين «رامبو» و«القهرمان»... فالمباراة لم تنته بعد!.

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة.

back to top