خاسرون بالجملة

نشر في 04-06-2008
آخر تحديث 04-06-2008 | 00:00
 بلال خبيز

لا شك أن قضية «حزب الله» غُلبت في هذه الحرب، لكن المغلوبين غيره كثر: أولهم رئيس المجلس النيابي، وثانيهم القضية العربية الأم واستطراداً إوزّة إيران الملالي التي تبيض ذهباً خالصاً وثالثهم القرار الوطني الفلسطيني المستقل، ورابعهم فلسطينيو الـ1948 الذين تضاءلت أمامهم فرص العيش في دولة ثنائية الهوية.

قد ينجح اللبنانيون في إعادة ترميم الكسور التي أصابت وحدة البلد والعيش المشترك بين طوائفه. لكن الحرب التي حصلت، والتي توجها «حزب الله» وحلفاؤه باحتلال بيروت دفاعاً عن سلاحه، في ما اعتبره أمينه العام مرحلة جديدة من الهجوم السافر على المقاومة وسلاحها، جعل المقاومة تدافع عن السلاح بالسلاح. لكن نجاح اللبنانيين في لملمة شظايا عيشهم المشترك لا ينفي النتائج الوخيمة التي أسفرت عنها تلك الحرب على مستوى المنطقة كلها. ذلك أن هذه الحرب كانت كما هي الحال دائماً لبنانية مئة في المئة وخارجية مئة في المئة.

كثيرون يحللون في عمق إصابة «حزب الله» بسمعته كحزب مقاوم لم يدخل يوماً في زواريب الحروب الأهلية اللبنانية الضيقة. لكن هؤلاء يتانسون أن الحروب اللبنانية لم تكن يوماً من دون شعارات كبرى، وتتعلق تعلقاً مباشراً بقضايا المنطقة ونزاعاتها. وأكثر ما يؤلم في مغامرة «حزب الله» الأخيرة، ليس دخوله في حروب لبنان الصغيرة، بل الشعار الذي اقتحم بيروت متمنطقاً به. ذلك أنه بصرف النظر عن الحشرة التي وجد «حزب الله» نفسه واقعاً فيها، إلا أن الرد على هذه الحشرة كان بمنزلة الخطيئة التي لا تغتفر. ذلك أنه سلم وحسم أمره في التعامل مع طوائف كاملة في لبنان بوصفها طوائف من المتعاملين مع إسرائيل. مما جعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى ذهن أي كان بناء على هذا المنطق: كيف تكون المقاومة منتصرة على إسرائيل إذا كان قادتها يتهمون الجزء الأوزن والأكبر من الشعب اللبناني بالعمالة لإسرائيل وأميركا؟

لا شك أن قضية «حزب الله» غُلبت في هذه الحرب، لكن المغلوبين غيره كثر:

أول المغلوبين هو رئيس المجلس النيابي الذي سجل على نفسه سابقة إقفال المجلس الذي يرأسه باسم طائفته، وتعطيل الحياة التشريعية ودورة السياسة في لبنان مدة جاوزت ربع عمر المجلس نفسه. وليس بعيداً اليوم الذي قد تسأله فيه الطائفة التي يمثلها عن الحكمة في إغلاق نوافذ الدولة وأبوابها في وجه من يرفعون شعار الحرمان السياسي.

ثاني المغلوبين هو القضية العربية الأم واستطراداً إوزّة إيران الملالي التي تبيض ذهباً خالصاً. فبفعل اللباقة والحذاقة وبعد النظر، حوّل «حزب الله» وموالوه من القوى السياسية اللبنانية والعربية معظم الشعب اللبناني عملاء. ليس لأنهم عملاء فعلاً، بل لأن «حزب الله» ومواليه لا يقبلون لهم صفة أخرى، وهم على أتم الاستعداد لإصلائهم حرباً طاحنة ما إن تلوح فرصة مناسبة في الأفق. والحال، كيف تربح القضية العربية، وتسمن إوزّة إيران، إذا بات معظم الشعب اللبناني موالياً لإسرائيل؟ وعن أي نصر يمكن الحديث بعد ذلك وبأي صمود يتشدق المشتدقون؟ وكيف يكون البيت الإسرائيلي أوهى من بيت العنكبوت وثمة شعب لبناني بأغلبه صار إسرائيلياً في عرف مقاومي ما بين الشوطين؟

ثالث المغلوبين هو القرار الوطني الفلسطيني المستقل، الذي تعلنه حركة «حماس» من بيروت ودمشق ومنابر التصدي ومحطات تلفزتها وأساتذة جامعاتها المقيمين في الولايات المتحدة الأميركية حصراً، اتهامات بالعمالة والتخاذل. الفلسطينيون الذين حصلوا استقلالية قرارهم عن الحركة الوطنية العربية التي شهدت ذروة نهضتها في النصف الأول من ستينيات القرن المنصرم، وشكلوا الشخصية الفلسطينية المستقلة التي تكاد تكون أهم إنجازات نضال الشعب الفلسطيني ينضمون بالجملة اليوم إلى معسكرين: معسكر يوالي إيران ويأتمر بأوامرها، ومعسكر متهم بالعمالة لأميركا وإسرائيل.

رابع المغلوبين هم فلسطينيو الـ1948 الذين تضاءلت أمامهم فرص العيش في دولة ثنائية الهوية مثلما كان يتأمل المتنورون منهم ذات يوم. وذلك ليس بسبب التعنت الإسرائيلي وحده والإصرار الممض على يهودية الدولة الإسرائيلية، بل لأن ثمة من بينهم من لا يكف عن محاولة التذلل على أعتاب سورية وإيران، بدعوى إحياء الفكرة القومية التي تريد قتال إسرائيل وأميركا من دون هوادة، فلا تفعل غير اتهام من يخالفها الرأي بالعمالة والخيانة شعوباً بقضها وقضيضها وقادة يحملون فوق أكتافهم سير نضال وقصص تضحيات.

خامس المغلوبين هو سورية، الدور والوزن والفاعلية، التي وجد نظامها نفسه ينزلق انزلاقاً إلى عرض بضاعته على زبون واحد، هو الزبون الوحيد الذي أبدى اهتمامه بها. وما إن تتم عملية البيع والشراء وينفرط السوق الذي تم إنشاؤه على عجل، حتى يجد النظام السوري نفسه من دون أي دور. ذلك أنه حتى الاستسلام لإسرائيل يحتاج في نهاية المطاف موافقة دولية وإقليمية حتى يؤتي ثماره المرتجاة.

* كاتب لبناني

back to top