يحيى سعادة: أُفضّل أن أكون وقحاً على أن أكون كاذباً!
واقعي إلى أبعد الحدود لدرجة أن البعض يتهمه بالغرابة، مع ذلك يصرّ المخرج يحيى سعاده على أن يستمر في خطه الذي انتهجه في إخراج الكليب والذي يغلب عليه الجنون أحياناً والثورة والتمرّد أحياناً أخرى، لأنه يرفض عيش مثاليات كاذبة ويفضل التأقلم مع واقع حقيقي مهما بلغت درجة قساوته... لهذا السبب تميّز وأحدث نقلة نوعية في عالم الكليب أخرجته من نمطية الأميرة والأمير والهيام والفراق... وأدخلته في حقيقة مجردة اسمها الواقع.عن تجربته وردة فعل الجمهور عليها، كانت الدردشة التالية معه.
كيف كانت البدايةفي أثناء تخصصي في الهندسة الداخلية في الجامعة اللبنانية تابعت احتراف الرقص الذي أتقنته منذ الطفولة وتعلقت بالمسرح والأضواء... مع الوقت أدركت أني لم أجد نفسي في تخصص الهندسة، عندها عملت كـ art director وفي الإعلانات وتصميم عروض الازياء كذلك عملت مع شركات إنتاج مشهورة ومع مخرجين معروفين... بعد اكتسابي خبرة واسعة قررت الانطلاق بمفردي في مجال إخراج الكليب.كيف تقيّم تجربتك الإخراجية؟استطعت أن اشقّ لنفسي طريقاً مميزة وأنا سعيد بالأعمال التي قدّمتها وأفتخر بها. لدي كمّ من الأفكار الجديدة والغريبة لم أترجمها بعد وأتركها للمستقبل، لا أؤمن بالمثل القائل «القناعة كنز لا يفنى» بل القناعة، في رأيي، هي الكسل بحدّ ذاته، حين يشعر الانسان أنه حقق مراده يتوقّف إنتاجه وإبداعه.من أين تستمدّ أفكارك؟من الحياة نفسها والتجارب التي عشتها ومن تفاصيل صغيرة أصادفها في يومياتي ومن حياة الفنانين أنفسهم.إلى أي مدى تعكس أعمالك شخصيتك؟إلى درجة كبيرة وأضمنها أسئلة كثيرة أطرحها على نفسي، لذا أجد نفسي راوياً للواقع ومصوّراً له.ما مدى تجاوب الناس مع هذه الواقعية؟في البداية كانوا ينكرون وجود الظواهر الاجتماعية التي صورتها أو يجهلون فعلاً وجودها، لكن مع تطور الأيام بدأوا يتقبلون أكثر الأفكار الجديدة. علينا الإعتراف بأننا نعيش في زمن جديد أبطاله جيل جديد وتتخلله رومنسية تختلف عن الماضي كذلك دراما وبسمة.لماذا تحصر نفسك بإخراج الكليب؟لدي الكثير لأقدمه في هذا المجال إلا أنني لا أحصر نفسي فيه، أعمل في تصوير الأزياء مع مصممين مشهورين محلياً وعالمياً ولماركات مهمة أيضاً...وماذا عن السينما؟هي مشروعي المستقبلي، إنما أفضّل أن أستفيد أكثر من الأعمال التي أقدمها حالياً لدخول مجال السينما بقوّة واحتراف كبيرين. النيّة موجودة وقريبة.كيف تقيّم تعاملك مع الفنانات؟لا شك في أن العمل مع الفنانات جميل وممتع في آن خصوصاً إذا استطاع المخرج التأقلم مع الفنانة التي يتعامل معها واحترام أفكارها وطبيعتها. بالنسبة إلي، أتعامل مع كل فنانة حسب منطقها وطريقة تفكيرها، أحب الغوص في عمق شخصيتها واكتشاف طريقة تفكيرها ونظرتها إلى الحياة.في طفولتي كنت أشاهد الفنانين على شاشة التلفزيون وكنت أظن، مثل غيري من الأطفال، أنهم عبارة عن صورة فحسب. فجأة أصبحت ضمن هذه الأجواء واكتشفت أن الفنانين هم أشخاص عاديون يلتقون حول عنصر واحد هو الفن. لدي الفضول لمعرفة الطريقة التي وصلت عبرها الفنانات إلى النجومية والتجارب التي مررن بها سواء السيئة أو الجيدة، ولا أبالغ إن قلت إنني أتعلم دروساً في الحياة أحياناً كثيرة منهن. وما الصعوبات التي يمكن أن يواجهها المخرج في تعامله مع الفنانات؟حين يكون هناك حاجز بين المخرج والفنانة وينعدم الإنسجام بينهما ما ينعكس سلباً على العمل. في نظري ليكون عملي مميزاً يجب ان أعشق الفنانة التي أتعامل معها.هل صادف أن صدمتك فنانة معينة؟فوجئت، إذا صح التعبير، بقلة كانت نظرتي تجاهها مختلفة لكن سرعان ما عدت وتأقلمت مع الواقع.تتميز أعمالك بأفكار جريئة، إلى أي مدى يسهل إقناع الفنانات بهذه الأفكار؟لا تتقبل الفنانات في معظمهن التغيير ويخفن من الأفكار الجديدة لذلك يفضّلن الإطلالة بالصورة الكلاسيكية التي تعوّد الجمهور عليها.تقصدني فنانة معينة وتقول لي: «أريد جنونك لكن بشكل مخفف» وتحاول أن تضع حدوداً لي، لأنها تجهل أن حدودي تنتهي عندها، بمعنى أنني لا أعطي أي فنانة صورة مغايرة أو غير موجودة في شخصيتها.كيف تصنّف نفسك كمخرج؟أصنّف نفسي ضمن الجيل الجديد الذي ينادي بالتغيير، يلتقي تفكيري هذا مع تفكير فنانات كثيرات خصوصاً هيفا وهبي ونيكول سابا ومن الفنانين جاد شويري...أصنّف هؤلاء الثلاثة برواد التغيير ومواكبة الجيل الجديد. هل ندمت على التعامل مع فنانة معينة؟نعم، ليس ندماً إنما اتخذت قراراً بعدم التعامل معها مرة أخرى. لم يكن ثمة انسجام بيننا ولم تستوعب الأفكار التي قدمتها لها.من هي؟أتحفظ عن ذكر اسمها.إلى أي مدى يساهم المخرج في نجومية الفنان؟يستطيع الفنان الشاطر النجاح وحده إنما يضفي عليه حضور مخرج مميز إلى جانبه المزيد من النجاح والنجومية وهذا ما نلاحظه على أرض الواقع. يساهم المخرج في تطور مسيرة الفنان، لنأخذ هيفا مثلاً، استطاعت تحقيق نقلة نوعية في مسيرتها الفنية معي في وقت تساءل الناس عما يمكن أن تقدم هيفا بعد من أعمال وإطلالات جديدة، أفتخر بأنني استطعت إزالة الستار عن مواهب جديدة لديها كانت خفية وتقديمها بصورة جديدة.كيف تردّ على الذين ينتقدون الجرأة في أعمالك؟يتعرض العمل الناجح للمديح والإنتقاد في الوقت نفسه، من جهتي أؤمن بلغة الحوار. كان فرحي كبيراً في الآونة الاخيرة حين شعرت بأن عقلية المواطن العربي بدأت تتغير.كيف ذلك؟لاقى كليب funky arab الذي أخرجته للفنان جاد شويري اعتراضات كثيرة، لكن أجمع الجمهور على أنه جميل وجديد مع صورة مميزة على الرغم من وقاحته إذا صحّ التعبير. اللافت أن اللقطات في الكليب من بينها المرأة التي تضع السيليكون في وجهها أمام المرآة وأخرى تتناول شخصيات نسائية عديدة لم تستفزّ المشاهد لأنها تعبّرعن واقع معاش وليس بغريب عن مجتمعنا، لا يمكن لأي شخص حتى لو لم يقتنع بأفكاري أن ينكر وجودها. من جهة أخرى أبحث في أعمالي عن التنويع وأحاول جعل البعض يتخلّى عن العنصرية في داخله من خلال إظهار الطرف الذي يكنّ له البغض والكراهية، بأجمل صورة ما يخفف من حكمه عليه.لماذا هذا التمرّد على الواقع والتقاليد؟منذ صغري كنت سبب معاناة لأهلي (يضحك) سمّوني مع الوقت «الثائر على التقاليد». عندما نضجت أصبحت أحلل الامور بطريقة أخرى. نعم أرفض الحصار الفكري والإنساني والاجتماعي وجعل الناس يعيشون على قاعدة واحدة وتجاهل اهتماماتهم الحقيقية، أحترم الفرد لنفسه، كذلك أحترم الحرية الفردية وهي أسباب جوهرية، برأيي، لتقدم أي مجتمع.هل نفهم من كلامك أنك تؤمن بفرادة كل إنسان وتميزه عن غيره؟بالطبع، كل كائن حيّ يتمتع بشخصية معينة وبتمرد خاص وبحلم مختلف ورؤية محددة. من المؤسف أن يتجاهل المجتمع طاقات أفراده التغييرية وبدلاً من الإستفادة منها يحاربها ويشوه صورتها.كمخرج بماذا تؤمن؟بالضربة التي تقلب الموازين.هل تجد أن كليب funky arab هو خبطة الموسم؟أكيد... وضع الكليبات التي قدمت في الشرق الاوسط بكفّة وهو بكفّة أخرى.هل يزعجك نعتك بالوقاحة؟لم تعد الوقاحة إهانة في الوقت الراهن، أفضل أن أكون وقحاً من خلال تجسيد الواقع على أن أعيش عالماً مثالياً في الظاهر في حين أنه في الحقيقة قائم على الأكاذيب والخرافات. لا تقوم الحياة على معادلات محددة، لكل إنسان نظرة للحياة مختلفة عن الآخر وعلينا بالتالي احترام من يعارضنا في التفكير.كنت ضمن المدعوين إلى حفل زفاف هيفا، كيف وجدتها؟(يبتسم) رومنسية إلى أبعد الحدود، عزلت نفسها عن محيطها وعاشت لحظة فرحتها بتفاصيلها.هل لهيفا فضل في شهرتك أم العكس صحيح؟لا أرى الأمور من هذا المنظار لكن بمجرّد أن تثق بي فنانة على غرار هيفا وتستشيرني في أبسط الأمور أجد نفسي أمام مسؤولية كبيرة بضرورة البقاء عند حسن ظنّها وإدهاشها بأعمال جميلة.كيف تصف تعاملك مع ميريام فارس؟ميريام فتاة استثنائية واستطعت ابراز هذه الشخصية فيها أثناء عملي معها من دون تزييف.كيف تقيّم أعمالها مع المخرج وسام سميرة؟أحترم وسام وأحببت تقنية عمله في أغنية «إيام الشتي» أكثر مما أحببت ميريام في الكليب، في المقابل تميزا معاً في أغنية «بتروح» مع أن اللقطات الراقصة التي أدتها ميريام كان يجب أن تكون أفضل وأجمل.من يلفتك من المخرجين حالياً؟أراقب أعمال المخرجة ليلى كنعان وأجدها ثورية رومنسية وتحاكي الأنثى بطريقة مميزة، كذلك انتظر أعمال سعيد الماروق وتلفتني أعمال جو أبوعيد.أي من الكليبات لفتك في الفترة الأخيرة؟«لمسة إيد» لنانسي عجرم من إخراج ليلى كنعان.لماذا تعاملك مع الفنانات أكثر من الفنانين؟أعتقد أن تعاملي مع النساء ونجاحي معهن وتركيزي أحياناً على الجمال والإثارة، كل هذه الأمور جعلت الفنانين الذكور يبتعدون عني، إنما أجزم أن لدي أفكاراً كثيرة خاصة بالرجال وتعبّر عنهم وأنا بصدد تحضير أعمال لفنانين ذكور.ما مشاريعك الجديدة؟أحضّر أعمالاً لكارول صقر ونوال الزغبي ونجوى كرم.كيف تقيّم كارول ونوال ونجوى؟تشكل كارول وزوجها هادي ثنائياً موفقاً، أحب صوتها وإحساسها وتعابير عينيها، تعجبني لأنها امرأة استمدت قوتها على مرّ السنين من معاناتها في الحياة واستطاعت توظيفها بالشكل المناسب. أما نوال فأجدها امرأة تجمع بين التجدد والكلاسيكية استطاعت أن تلامس أجيالاً كثيرة في فنّها وأغنياتها، أحياناً أجدها امرأة شرقية بإمتياز وأحيانا أخرى تكون مثالاً للـrock star. بالنسبة إلى نجوى لا أعرفها بشكل كامل، أول ما تحدثت إلي قالت:» أحبّ الشيطنة إنما في حدود» فأجبتها: «أنت أكثر من «تشيطن» في الموسيقى لكن بطريقة راقية، حان الوقت لإظهار شخصيتك الحقيقية».هل أنت متصالح مع نفسك؟إلى أبعد الحدود، أعرف نقاط ضعفي وقوتي، لدي فلسفتي الخاصة في الحياة، ومن يتابع اعمالي يلاحظ أنها تتضمن أفكاراً عديدة لكنها تصب ضمن فلسفة واحدة. أفرح كثيراً عندما يشاركني الجمهور آرائي ويعتبرني أتحدث بلسانه. من جهة اخرى أنا إنسان سعيد في حياتي وأؤمن أن الذي يبكيني اليوم سيضحكني في المستقبل وأن الأحداث الحزينة التي تواجهني تمدني بالقوّة وتعزز شخصيتي.هل تخاف المجهول؟بالعكس، أنتظر المجهول وأشعر بأنني أشاهد مسرحية وأترقب أحداثها... أعتبر نفسي محظوظأً كوني عايشت فترة الإنتقال من قرن إلى قرن وشاهدت أشياء كثيرة تغيرت أو حدثت مثل الحروب وانتخاب أوباما والتسونامي وغيرها...ما هواياتك؟أحب الموسيقى والسهر والرقص، كذلك أهوى الرسم وأنا بصدد التحضير لمعرض أعيد من خلاله إحياء شخصيات مهمة مرّت في الحياة مثل هنيبعل ومار جرجس وكليبوبترا... وتصويرها بطريقة جديدة تتماشى مع الجيل الجديد.هل يأخذ الحب مكاناً في حياتك؟من الممكن أن تحبّ الناس جميعاً أو تحبّ شخص أو أكثر، لكن في نظري العشرة والمشاركة في الحياة هما الأهم.لمن تقول شكراً؟للأيام والمراحل التي مررت بها في حياتي، لكل لحظة بكيت فيها، في المقابل أهدي قبلة لكل ابتسامة ابتسمتها في حياتي. تنقلت في مجتمعات مختلفة واستطعت التمييز بين السيىء والجيد، من هنا الشكر الاكبر أقدّمه لعينيّ اللتين ساعدتاني على اجتياز أمور كثيرة في الحياة والتعلّم منها.