مستشارو الاستئناف يمهلون الحكومة موعداً أقصاه هذا الأسبوع وإلا فسيلجأون إلى مقاضاتها هل ستنجح السلطة التنفيذية في تنفيذ وعودها أم يجدد القضاة انتفاضتهم مرة أخرى؟

نشر في 01-02-2009 | 00:00
آخر تحديث 01-02-2009 | 00:00
في عام 2000 اصدر فريق قضائي تقريرا نشرته «الجريدة» قبل نحو أسبوعين يستصرخ فيه القضاء السلطة التنفيذية، ويطالبها بتوفير مبانٍ للجهاز القضائي، وتلك الصرخة التي أطلقها القضاء في عام 2000 لم يكتب لها السمع، فما كان بها إلا أن تكبر وتكبر حتى تنفجر في مطلع عام 2009 عام الانتفاضة القضائية.

انتفاضة القضاء الكويتي لمطالبه الأسبوعين الماضيين، كشفت عن مدى الإهمال الحقيقي الذي يعانيه الجهاز القضائي في الكويت، فضلا عن حجم المعاناة التي يعانيها بسبب عدم الاهتمام بقضاياه، وعدم التجاوب مع مطالبه، وهو ما يكشف عن حقيقة سبق الإشارة إليها في كل مناسبة يتم تناول الشؤون القضائية فيها بالكويت، وهي أن الحكومة تتعامل مع القضاء في الكويت على أنه احد المرافق التابعة لوزارة العدل، شأنه شأن جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التابعين لإشراف وزارة التربية والتعليم العالي، والحال ذاته، فالقضاء في نظرهم مرفق تابع لوزارة العدل الا ان وضع الهيئة والجامعة أفضل بكثير، لان لهما استقلال ماليا، وهو ما لا يحدث مع القضاء الكويتي الذي لا يمكن وصف حاله سوى «بالأليم»، واستئصال آلامه تكمن في تحريره وإطلاقه حرا من الناحيتين الإدارية والمالية، كما أقر الدستور الكويتي الذي حرص على وضعه في قالب السلطة القضائية ليحقق التوازن المطلوب في النظام الديمقراطي الذي تتباهى الكويت بتطبيقه، وهو ما يتعين تفعيل نصوص الدستور احتراما له قبل الاحترام لذلك التباهي!

اطلق القضاء الكويتي في عام 1999 صرخات مدوية، وكانت بمسمع ومرأى أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقبل تلك السنوات كان القضاء الكويتي متمسكا بفكرة «التحرج» التي بناها مؤسسو القضاء، ولم يشعروا ان تلك الفكرة ستكون محل استغلال السلطتين لان هاتين السلطتين تعودتا على أن من يطالب بحقوقه الدستورية يحظ بالتفاعل ومن يكتف بالكتب والإخطارات فإن الرد يكون بسياسة «التطنيش وعمك أصمخ».

وفي عام 2000 اصدر فريق قضائي تقريرا نشرته «الجريدة» قبل نحو أسبوعين يستصرخ فيه القضاء السلطة التنفيذية، ويطالبها بتوفير مبانٍ للجهاز القضائي، وتلك الصرخة التي أطلقها القضاء في عام 2000 لم يكتب لها السمع، فما كان بها إلا أن تكبر وتكبر حتى تنفجر في مطلع عام 2009 عام الانتفاضة القضائية وعام المطالب الواقعية وعام المواجهة لرجال القضاء، وحينها قرر أعضاء السلطة القضائية تطبيق المثل «يا هالمركب اي مركب الإقرار، يا ما نركب اي لن نتراجع عن رفع القضايا»، وفق ما كفله لهم قانون تنظيم القضاء بإمكانية لجوئهم الى المطالبة بحقوقهم أمام محكمة التمييز، فما كان من السلطة التنفيذية إلا أن قررت التعاطي مع مطالب القضاء بعد أن كانت ترفض مبدأ الحديث عن الأمر!

والسؤال الذي يطرح نفسه، هو هل ستنجح الحكومة في تنفيذ الوعود التي اطلقتها لاعضاء السلطة القضائية الأسبوع الماضي، والتي أكدت فيها إقرار جميع مطالب أعضاء السلطة القضائية بداية في مشروع زيادة الرواتب ومرورا بإقرار قانون السلطة القضائية وأخيرا استعجال المشاريع القضائية الخاصة بالمباني؟

وبالإمكان إعطاء الحكومة مهلة لتنفيذ المطالب القضائية وإلا فإن القضاة والمستشارين لن يتوانوا في رفع القضايا، وهذا حق موجود لهم في القانون، لكن تلك المهلة وحسب المصادر القضائية المطلعة لن تكون سوى أيام معدودة وإلا فإن القضاء سيبدأ بالحصول على حقوقه من خلال القضاء.

وبرزت في أسبوع المطالبات القضائية جملة من المشاهد التي يتعين الوقوف عليها وهي اسلوب المطالبات الذي اتبعه رجال القضاء، وثانيا سقف الطلبات التي تمت إثارتها، وثالثا تعاطي الحكومة ومجلس الأمة لمطالب أعضاء السلطة القضائية.

أسلوب القضايا

وفي ما يخص الاسلوب الذي اتبعه رجال القضاء فبعد ان كان محل انتقاد من قبل بعض اوساط المراقبين، ومن بينهم أعضاء في السلطة القضائية للدعوى المرفوعة من قبل 66 وكيل نيابة ضد سمو رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيس مجلس الخدمة المدنية، حظي أصحاب القضية بتأييد كبير للمطالب التي أقاموها بصحيفة دعواهم، وهذا التأييد الداخلي السريع تمخض عنه ولادة كتلة قضائية بين القضاة وسارعت إلى جمع التواقيع وكتابة صحيفة الدعوى وحينها ارتفع العدد إلى 112 قاضيا ووكيل نيابة آخرين وقاموا برفعها يوم الأحد الماضي، وبعد رفع تلك الدعوى حظي أصحابها بتأييد سريع لمطالبهم داخل الجهاز القضائي، وتمخض أيضا ولادة كتلة بين مستشاري محكمة الاستئناف ترغب في رفع دعوى ثالثة من المستشارين الذين تزيد اعدادهم على 200 مستشار كويتي وبعد أن وصلت الرسالة الى الحكومة بأن جميع أعضاء السلطة القضائية سيلحقون بزملائهم رافعي الدعاوى استيقظت الحكومة من سباتها وقررت المواجهة الحقيقية باتخاذ قرار يعطي القضاة حقهم ويحسم أمر مشروع قانون السلطة القضائية اليوم في مجلس الأمة ومشروع زيادة الرواتب غدا.

وحظيت مطالبات رجال القضاء بلبس في كيفية اللجوء إلى المطالبة بحقوقهم، وهم من سوف يفصلون فيها، والرد عليها أن قانون تنظيم القضاء أعطى الى رجال القضاء إمكانية اللجوء إلى دائرة في محكمة التمييز للمطالبة بحقوقهم المالية عن العمل القضائي، وأيضا سيمثل المدعى عليهم رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيس ديوان الخدمة المدنية ومحامي الحكومة ممثلا في إدارة الفتوى والتشريع، كما أن القضاة وأعضاء النيابة لم يجدوا وسيلة اخرى في الحصول على حقوقهم لاسيما أنه لا يمكن الإضراب أو الاعتصام لكونهم يؤدون رسالة العدالة والتي ترفض التوقف عن العمل وهو ما يعني توقف تحقيق العدالة.

سقف المطالبات

إن مطالبات رجال القضاء وأعضاء النيابة العامة لا تكمن إلا في ثلاث قضايا مشروع قانون السلطة القضائية ومشروع زيادة الرواتب الذي سيعرض غدا امام مجلس الوزراء وتوفير المباني ودور العدالة لرجال القضاء، وبتحقيق تلك المطالب فإن القضاء الكويتي سيلبي مطالبه بنفسه من دون أن يزعج السلطة التنفيذية مرة أخرى لأن قانون السلطة القضائية المتوقع إقراره في دور الانعقاد الحالي سيمنح القضاء الاستقلال الإداري والمالي، وهو ما يعني أن السلطة القضائية ستدير شؤونها بنفسها، كما أن إقرار هذا القانون سيجعل الكويت في مصاف الدول المتقدمة في مجال استقلال القضاء بشكل كامل ونهائي بعد الانتهاء من الاستقلال الإداري وسيجعل هذا القانون من رئيس مجلس القضاء بحق رئيسا للسلطة القضائية ورئيسا للوفود القضائية لتزيل كارثة رئاسة وزير العدل للوفود وتكون بعضوية رئيس مجلس القضاء!

تعاطي الحكومة والمجلس

إن الوعود التي اطلقها اعضاء السلطتين التشريعية بإقرار القانون، والتنفيذية بإقرار مشروع زيادة الرواتب وإنجاز المباني القضائية من المهم تنفيذها والإسراع في تحقيقها لأن القضاء الكويتي أثبت عبر رجاله مدى مقدرته في المواجهة والمطالبة بحقوقه، مهما كان سقف المواجهة وهو الأمر الذي يشير إلى أن القضاء الكويتي لم يعد يتحمل اي نوع من انواع التأخير في الحصول على مطالبه، وتنفيذ حاجاته لأن «كثر الدق يفج اللحام» ويكفي أن القضاء الكويتي كان متحملا طوال السنوات الماضية إهمال السلطة التنفيذية وممطالتها المؤسفة والتي كانت تعتقد أن سياسة التأخير ستكون «مفلحة» أيضا هذه المرة إلا أن أعضاء السلطة القضائية أصروا على حسم مطالبهم لأن الأمر لم يعد يطاق واصبحت مهنة القضاء «طاردة»، وبدأ يشعر منتسبوها بالضجر وهو ما يخيف أمر تولي القاضي للمنصة ليحكم في قضايا الناس وحقوقهم وهو مليء بالهموم والأعباء النفسية.

أخيراً يتعين سماع صوت المستشار فيصل المرشد عضو المجلش الأعلى للقضاء ورئيس محكمة الاستئناف الذي طالب الاسبوع الماضي باقرار قانون السلطة القضائية ورفض اعتبار القضاء مرفقاً من مرافق وزارة العدل وهذا التصريح حظية باشادة ورضاء كبيرين من قبل أعضاء السلطة القضائية.

المرشد لـ الجريدة:  إنجاز مطالب رجال القضاء مسألة أيام

أكد عضو المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة الاستئناف المستشار فيصل المرشد، ان السلطة القضائية والسلطتين التشريعية والتنفيذية في قارب واحد، وأن القضاء لا يستغني عن الدعم الذي يؤدي إلى تحقيق مصلحة الجميع.

وأضاف المرشد أن «مطالب رجال القضاء بالتاكيد تحتاج إلى دراستها كلها، وإقرارها سيكون قريبا والامر مجرد أيام ولن يكون طويلا بالتأكيد».

وقال «أدعو إخواني في القضاء إلى التريّث وإعطاء الحُكماء فرصة مناسبة لإنجاز كل مطالب رجال القضاء، ونحن والحكومة إخوان وبيننا احترام متبادل، والحكومة عودتنا على تلمس همومنا وإنجاز طلبات رجال القضاء العادلة، كما أن القضاة يمضون في أداء رسالتهم العادلة في تحقيق العدل والفصل في القضايا وممارسة أعمالهم كما هو معتاد».

back to top