... ويبقى الالتزام الصادق بقضايا الوطن

نشر في 08-04-2009
آخر تحديث 08-04-2009 | 00:00
 محمد جاسم الصقر على مدى أربع دورات انتخابية متتالية، وبفضل الله وتوفيقه، حظيت بثقة الإخوة والأخوات ناخبي الدائرة الثانية، وتشرفت بأن أكون أحد نواب الشعب. وبقدر ما أحمل من شكر جزيل وامتنان عميق لكل من آزرني وساندني وشرفني بثقته، بقدر ما أشعر اليوم بأني مدين لهم باعتذار مستحق لأني لم أتشاور معهم في قراري بعدم الترشح لعضوية مجلس الأمة القادم.

ولم يكن هذا تجاوزاً على حقهم أو إغفالاً لواجبي، بل كان خشية أن اضعف أمام نبيل خلقهم وكريم محبتهم فأرجع عما عقدت عليه العزم. ولعل في هذا البيان ما يخفف من تقصيري، خاصة وأن عزوفي عن خوض الانتخابات القادمة لا يعود لأسباب شخصية، بل يأتي تعبيراً عن موقف ناقد للمشهد السياسي الراهن، دون أن أبرئ نفسي، كمواطن ونائب سابق، من عدم التصدي الكافي لانحرافاته.

إن أزمة الحكم والسياسة والإدارة في الكويت، وكل ما ترتب عليها من نتائج مدمرة تعليمياً وصحياً واجتماعياً واقتصادياً ورياضياً وإعلامياً، ليست – في اعتقادي – وليدة ضعف الحكومة وجموح مجلس الأمة خلال السنوات الأخيرة، بل هي حصيلة تراكم مستمر، بدأ منذ أربعين عاماً أو تزيد، وتصاعدت سرعته وتعقدت مخارجه بعد الغزو الغاشم وتداعياته، واستمر حتى الآن. تراكم لسياسات خاطئة، واجراءات متناقضة، وردود فعل متوترة، نشأت عن غياب الرؤية لدى الحكم والحكومة ومجلس الأمة، ما فتح المجال لتكريس ثقافة التجاذب والاستقطاب، وسيادة النزعات القبلية والعائلية والطائفية على حساب احترام الدستور وتطبيق القانون ووحدة المرجعية الوطنية. كما فتح المجال لاعتماد أسلوب المحاصصة في التشكيلات الوزارية وفي الوظائف الحكومية، وفي التنفيعات المالية على حساب العدالة والكفاءة والقيم. وبالتالي، إن معالجة أزمة الحكم والسياسة والإدارة في البلاد لا تكون بإعادة تشكيل الحكومة مرة وحل مجلس الأمة مرة أخرى، ولا تكون بالفصل بين ولاية العهد ورئاسة الحكومة حيناً وإعادة الجمع بينهما حيناً، ولا تتم بتقريب تيار سياسي في مرحلة معينة ثم إقصاؤه لحساب منافسيه في مرحلة تالية. بل إن معالجة أزمة الحكم والسياسة والإدارة في البلاد تحتاج الى إصلاح النظام السياسي برمته في إطار الدستور، وباتجاه مزيد من الديمقراطية، وعلى أساس تطبيق القانون بعدل وحزم. وإني – للأسف الشديد – لا ألمح في الأفق مؤشراً واحداً يبشر بأن مجلس الأمة القادم مهيأ لرسالة الإصلاح والتغيير والديمقراطية هذه. بل على العكس تماماً، أرى مؤشرات عديدة تنذرنا (وأدعو الله أن أكون مخطئاً) بأن المجلس القادم سيكون أمام خيارين، الحراك بين فكي الاحتكارات السياسية والاحتكارات المالية ولمصلحتها، أو حلقة جديدة من مسلسل الحل والاستقالة. وأنا، شخصياً، أرفض أن أكون شاهد زور في الاحتمال الأول، وأرفض أن أكون من ممثلي المسلسل الممل في الاحتمال الثاني. فالحكم يحتاج الى الرؤية، ومجلس الأمة يحتاج الى القدوة، والحكومة تحتاج الى الكفاءة، والديمقراطية تحتاج الى ديمقراطيين، والإصلاح يحتاج الى شجاعة القرار. ومن المؤسف أن جميع المؤشرات تشير الى استمرار غياب هذا كله.

وإني إذ أرجو أن أكون قد أوضحت موقفي وبررت سبب عدم ترشحي لعضوية مجلس الأمة في دور انعقاده القادم، أرى من واجبي إيضاح النقاط التالية:

1 – راودتني فكرة عدم الترشيح في انتخابات العام الماضي وللأسباب ذاتها، غير أني تراجعت عنها خشية أن يربط الكثيرون هذه الخطوة بتغيير الدوائر الانتخابية.

2 – لم أدخر جهداً في أن أؤدي الأمانة النيابية بما يرضي الله والضمير ولما يخدم الوطن والمواطنين. ولئن أفلحت في العديد من الأمور بفضل تعاون زملاء كرام، وجانبني التوفيق في أمور عديدة أخرى لأسباب لا مجال للتعريج عليها، فإنني – شهد الله – ما اتخذت قراراً إلا عن قناعة، وما اخترت موقفاً إلا عن قناعة، وما قصدت – موالياً أو معارضاً – إلا مصلحة الكويت.

3 – ليس العمل النيابي إلا وجهاً من وجوه النشاط السياسي. والعزوف عن الترشيح لمجلس الأمة القادم لا يعني إطلاقاً اعتزال العمل السياسي الذي تعلمته وتربيت عليه باعتباره التزاماً كاملاً بقضايا الوطن عملياً وأخلاقياً وعلى مدى الحياة. ومن جهة أخرى، إن رفض تكرار التجربة البرلمانية بنسختها الحالية وفي الظروف الراهنة، لا يعني أبداً اليأس من الإصلاح، ولا يعني أبداً عدم التمسك بمجلس الأمة كمؤسسة دستورية ديمقراطية تمارس دورها التشريعي والرقابي بكل كفاءة واقتدار. وهذه المنطلقات جميعاً تفرض علي التعاون مع كافة القوى الوطنية لإيجاد البيئة الحاضنة للإصلاح، والدفع نحو تطوير الديمقراطية واستكمال مقوماتها وتحصين ممارساتها.

4 – سأبقى أذكر بامتنان وعرفان ما لقيته لدى حضرة صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله من دعم وتشجيع في رئاستي للبرلمان العربي التي بدأت منذ تأسيسه وستنتهي باستقالتي بعد أيام. وإنني إذ أعرب – كمواطن كويتي – عن اعتزازي الكبير بأن أكون أول من تشرف بهذه الرئاسة، أود أن أتقدم بالشكر الجزيل لزملائي أعضاء البرلمان العربي الذين طوقوا عنقي بفضلهم عندما جددوا انتخابي – قبل أشهر – رئيساً لفترة كاملة ثانية. وإن كنت قد آثرت عدم متابعة المسيرة، فإني على يقين بأنهم سيحققون نجاحاً كبيراً في حمل رسالتهم القومية، ومواصلة نهجهم الديمقراطي.

حفظ الله الكويت وشعبها وأميرها وشرعيتها من كل مكروه.

back to top