نقّاد لا يقرؤون

نشر في 28-12-2008
آخر تحديث 28-12-2008 | 00:01
 آدم يوسف قرأت مرة تحقيقاً طريفاً في هذه الصفحة بشأن نقّاد يكتبون عن أعمال لم يقرؤوها، الأمر مضحكٌ بعض الشيء، ويستحق التأمل! فكيف يتصدى للكتابة النقدية من لم يقرأ العمل الإبداعي موضع الدراسة؟

الذين تطرقوا للموضوع أرجعوا هذه الموجة إلى أسباب عديدة، منها استعانة هؤلاء النقاد «الكسالى» بالنظريات النقدية المعاصرة والإسهاب في الجانب التنظيري، على حساب القراءة الأفقية القائمة على سبر أعماق النص واستخلاص المحاور المستفزة من البنية الداخلية العميقة، وكذلك كثرة مشاركاتهم في المؤتمرات والندوات الفكرية، التي غالباً ما يطلب منظموها تناول أعمال إبداعية كثيرة، وربما لجيل كامل من الكتّاب.

هنا يقع الناقد في فخ الاستسهال، وإغراء الدعوة التي ربما تتيح له فرصاً للوجود الإعلامي، و«السياحة الفكرية»، وهما أمران ليس لهما علاقة بالقراءة النقدية الحقيقية.

بعضهم يطلق على هؤلاء «نقاد الشنطة»، وهو تعبير لا يخلو من السخرية، ومبطّن بالتصغير والازدراء.

يمكن أن نضيف أسباباً أخرى إلى هذه الموجة، منها انشغال النقاد الأكاديميين بأبحاثهم ومحاضراتهم الجامعية، مع تعذر الحصول على نقاد آخرين من خارج الوسط الأكاديمي، وكذلك المجاملة التي تدفع الناقد إلى تناول العمل الإبداعي بحكم مسبق قائم على مكانة الكاتب، أو علاقته الاجتماعية.

وعلى النقيض من ذلك قد ينتقد الكاتب عملاً إبداعياً لم يقرأه بناءً على موقف مسبق من كاتبه.

تتردد كثيراً مقولة أن عدد الشعراء أكثر من القراء، وهي تأتي في سياقين متناقضين، الأول ينطوي على المدح والإعجاب، حين تذكر في سياق الحديث عن أن الأمة العربية أمة شاعرة، «ميزها الله بالبلاغة»، والآخر ينطوي على الانتقاد، حين تذكر في سياق أن الشعر أصبح منتهكاً من عديمي الموهبة أو أنصاف الشعراء، حتى أصبح عددهم أكثر من القراء، مهما يكن من أمر، فإن هذه المقولة تنبئ عن مأزق كبير تمر به أمة لا تقرأ.

يتعلق بهذا الأمر موضوع آخر هو المنهج الذي يتبعه النقاد في تحليل النصوص، يسهل للمتابع ملاحظة تكاثر النقاد المتخصصين بدراسة الرواية، مقارنة بالشعر، وكذلك كثرة القراءات التي تتناول أعمالاً روائية، ويتميز النص الروائي بخاصية السرد، كما أن القراءة النقدية هي نص سردي يتكئ على نص آخر، يشير إلى ذلك د. مجدي أحمد توفيق في كتابه «كيف يحكي النقاد»؟ يقول «الخطاب النقدي في طبيعته خطاب حكّاء، مهما يتخذ سمتاً علمياً مناهضاً لعمليات الحكي الظاهرة».

يسترسل د. توفيق في ذكر هؤلاء «الحكّائين» وهو يدافع عنهم في كثير من المواضع، مع اعترافه بأن هناك باحثين كثيرين يرون أن إعادة سرد الحكي الوارد في الرواية، ضمن سياق القراءة النقدية عيب فني وتقني ينبغي ألا يقع فيه الناقد.

وفي الحقيقة أن توفيق يدافع عن قلة من النقاد المعروفين انتهجوا هذا النهج، من بينهم علي الراعي، طه حسين ومحمد غنيمي هلال، مع إقرارنا بأن نقاد الألفية الثانية من الجيل الجديد يختلفون عمن ذكرهم هنا.

نشير هنا إلى أن عملية إعادة سرد العمل القصصي سرداً استشهادياً نصياً، أو الإغراق في شرح المضمون، تولد نقاداً فارغين يفتقدون الثقافة النقدية، ويعتمدون على الوظيفة الاجتماعية للأدب، الأمر يختلف بالنسبة إلى الشعر، لأن تحليل النص الشعري وهو ترميزي إشاري بدرجة عالية، لايتيح للناقد الاتكاء على عنصر الحكاية، واستغراق صفحات مطولة للحديث عن مضمون العمل والظرف الاجتماعي الناتج عنه. قراءة الشعر الحديث تحتاج إلى ثقافة عالية وقدرة على مجاراة رموز وإحالات الشاعر، ورؤيته المشتتة، وهي رؤية تقفز من مشهد شعري إلى آخر من دون مقدمات، أو مهاد نظري.

back to top