مونتريال 1976 : 28 دولة قاطعت الألعاب... وفاتورة منشآت مرهقة

نشر في 30-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 30-07-2008 | 00:00

استضافت مونتريال الكندية النسخة الواحدة والعشرين من دورة الألعاب الأولمبية الصيفية وسط مقاطعة إفريقية واسعة، بسبب السماح بمشاركة نيوزيلندا في الألعاب على اعتبار حضورها مسابقة رياضية في جنوب إفريقيا العنصرية، جرت الدورة ما بين 17 يوليو و1 أغسطس عام 1976 وسط تشديد أمني كبير على خلفية أحداث ميونيخ الأمنية، فأنفق نحو 100 مليون دولار لتأمين حماية الوفود. افتتح الدورة الملكة إليزابيث الثانية وردد الربّاع الكندي بيار سان-جان القسم الأولمبي، وموريس فورجيه القسم الرسمي، بينما أضاء الشعلة ستيفان بريفونتان وساندرا هندرسون، أما تعويذة الدورة فكانت «أميك»، وهي عبارة عن حيوان من القوارض.

تقدمت عاصمة مقاطعة كيبيك الكندية مونتريال خمس مرات لاستضافة الألعاب الاولمبية الصيفية، وانتظرت حتى 10 مايو 1970 لتحصل على هذا الشرف، وتتفوق على موسكو ولوس انجلس، وتميزت بملفها المتكامل من الألف إلى الياء فنالت 41 صوتا.

لكن طموحات بناء مرافق تؤرخ لحقبة جديدة في تاريخ المنشآت الاولمبية شكل كابوسا للمنظمين في ما بعد، إذ أدت اضرابات العمال المتتالية وموجات البرد القارس، التي أوصلت الحرارة إلى درجة 40 تحت الصفر، إلى تأخير كبير في إنجاز المشاريع وإتمام الورش في مواعيدها، وزاد الوضع سوءا المطالب العمالية الاجتماعية، ما أوقع حكومة المقاطعة في ورطة كبيرة، ولما انتهى كل شيء كشفت الحسابات والتكاليف زيادة بنسبة 427% خلال ثلاثة أعوام.

أنفق نصف مليار دولار لبناء الاستاد الرئيس الذي صممه الفرنسي روجيه تاليبير ويتسع لـ72 ألف متفرج، وارتفعت تكاليف إقامة القرية الاولمبية المؤلفة من 900 شقة، التي لم تفصل بين الرجال والسيدات، من 50 إلى 80 مليون دولار... وصحيح أن الألعاب سجلت أرباحا من العائدات والمداخيل المباشرة وغير المباشرة بلغت 260 مليون دولار، لكن نفقات البناء وتبعاتها الأخرى أوقعت الحكومة في ديون تطلب تسديدها سنين طويلة، برغم ما استفادت منه المدينة والمقاطعة عموما من بنية تحتية متكاملة ومترو الأنفاق. فطرح الأمر مجددا عما ستقوم عليه الألعاب من عملقة في التنظيم والاستعداد لم تعد في مقدور الجميع، وهذا طبعا بعيد من الروح الاولمبية الحقيقية وغايتها السامية.

أحواض سباحة عصرية

وفي موازاة الابتكار في البناء والتصميم وتوفير سبل الراحة في المرافق والملاعب، إذ إن إفراغ الاستاد الرئيسي مثلا يتم في 7 دقائق، وإقامة أحواض سباحة عصرية تحت المدرجات، وتزويد حوض الغطس بمصاعد كهربائية توفيرا لطاقة المشاركين وجهدهم، واعتبار مضمار الدراجات «مساحة ضوء» مشعة، فان الفاتورة النهائية جاءت مرتفعة أكثر مما تصوره غلاة المتشائمين، واللافت أن اللمسات الأخيرة أنهيت قبل دقائق من استخدام أغلبية المرافق، ففوجئ المتفرجون وحتى المشاركون بلافتة تحذرهم من الاقتراب من الجدران الخشبية، خشية أن «تلطخ» ثيابهم بالطلاء «الطازج» وأزكت رائحته أنوفهم!

أقيمت ألعاب مونتريال من 17 يوليو إلى 1 أغسطس بمشاركة 6098 رياضيا، بينهم 1247 لاعبة من 92 بلدا تنافسوا في 198 مسابقة ضمن 21 لعبة هي: ألعاب القوى، التجديف، كرة السلة، الملاكمة، الكانوي- كاياك، الدراجات، الفروسية، كرة القدم، الجمباز، رفع الأثقال، كرة اليد، الهوكي على العشب، الجودو، المصارعة، السباحة، الخماسية الحديثة، الكرة الطائرة، الرماية، القوس والسهم واليخوت.

وتبارت السيدات للمرة الأولى في التجديف فحصدت الألمانيات الشرقيات خمسة ألقاب وبلغاريا لقبين، وفي كرة السلة وكرة اليد، حيث أحرزت السوفييتيات ذهبيتيها.

مقاطعة إفريقية كبيرة

وكانت تسجلت 116 دولة لخوض الألعاب، لكن 22 دولة إفريقية قاطعت في اللحظة الأخيرة احتجاجا على جولة لمنتخب نيوزيلندا للرغبي في جنوب إفريقيا «المعزولة» لانتهاجها سياسة التميز العنصري، ومن دون أن تعاقب نيوزيلندا، بينما شاركت مصر وتونس والمغرب والكاميرون في بداية الألعاب ثم غادرت في اليوم الثاني.

وكانت تلك صدمة لرئيس اللجنة الاولمبية الدولية اللورد كيلانين، وخسرت الألعاب نجوما أمثال الأوغندي اكي بوا والكيني مايك بويت والتونسي محمد القمودي والتانزاني فيلبرت بايي، واحتجت الصين التي اهتمت بالمشاركة بعد غياب طويل، لاعتماد تايوان... وفي النهاية لم تحضر الدولتان فاعتبر العدد الرسمي للمقاطعين 28.

أما المحصلة الأخيرة للميداليات، فثبتت القوة السوفييتية في الصدارة وبلغ رصيدها 125 ميدالية، بينها 47 ذهبية في مقابل 90 (40) لألمانيا الشرقية، و94 (34) للولايات المتحدة.

وحلت ألمانيا الغربية رابعة برصيد 39 ميدالية (10) واليابان خامسة 25 (9).

وكانت جزيرة برمودا البالغ عدد سكانها 53 ألفا و500 نسمة نموذجا للبلدان الباحثة عن فسحة في ساحة التتويج، وأصبحت أصغر دولة تحرز ميدالية بفضل ملاكمها كلارنس هيل ثالث الوزن الثقيل الذي تميز باحتكار لقبه الكوبي تيوفيلو ستيفنسون على مدى ثلاث دورات من 1972 إلى 1980.

ولعل طموح برمودا وغيرها من دول الظل، شكل ظاهرة تطلع الدول الصغيرة والفقيرة الى الظهور والتميز عبر الرياضة والألعاب الاولمبية تحديدا، إذ يصبح الرياضيون سفراء فوق العادة وبصفة عالمية، وباتت الميداليات مجالا لتباهي الأنظمة ومطلبا قوميا، بحيث تناهز شهرة حامليها وإنجازاتهم رواد العلم والثقافة، ما حدا بالباحثين الاجتماعيين الى تناول هذه الظاهرة في دراساتهم وتركيزهم على «الصناعة الرياضية» والمؤسسات التي «تنجب» أبطالا يعكسون الشهرة لبلدانهم ويروجون لها، وانتفت الغاية المثلى المرتكزة على أولوية العلاقات والاختلاط بين الشعوب من خلال الرياضة.

علامة كاملة لناديا كومانتشي

ولعل أسعد لحظات ألعاب مونتريال كانت منافسات الجمباز التي حملت «روائع» السوفييتية نيللي كيم في الحركات الأرضية، والإثارة المتناهية مع الرومانية الصغيرة ناديا كومانتشي التي قلبت المقاييس كلها، وباتت أول من تحصل على العلامة الكاملة (10 على 10) على أكثر من جهاز، فهي كانت الاستثناء الذي «استحق» هذه الدرجة 7 مرات متتالية، وأنهت المسابقة بحصولها على ثلاث ذهبيات وفضية وبرونزية، ممهدة الطريق أمام جيل جديد من «الجمبازيات» الرومانيات تحديدا، وحلقت بشهرتها بسرعة قياسية.

وقصد العداء السوفييتي فاليري بورزوف بطل ثنائية الـ100 والـ200 م في ميونيخ مونتريال طامحا إلى انتصار جديد بعد تفوقه الاوروبي تحديدا، لكنه اكتفى بالمركز الثالث في سباق الـ100 م الذي عاد لقبه إلى الترنييدادي اشلي كراوفورد (6ر10 ث).

وكان الفنلندي لاس فيرين عظيما في سباقي الـ5 والـ10 آلاف م على غرار ما فعله في ميونيخ قبل أربعة أعوام، ولقي في السباق الثاني منافسة من البرتغالي الصاعد كارلوس لوبيز، قبل أن يتسيد المضمار ويفوز مسجلا 13.24.38 د.

وأثيرت حينها قضية نقل الدماء التي اعتبرت بمنزلة منشط محفز، وان فيرين من أبطالها، علما بأن 1500 لاعبة ولاعب خضعوا لفحوصات الكشف عن المنشطات.

تفوق ألماني في السباحة

كانت «مونتريال 1976» مسرح الصناعة الألمانية الشرقية للأبطال والبطلات، إذ إن 14 انتقلوا لاحقا إلى الطرف الغربي وكشفوا فضائح نظام المنشطات، وأكدت السباحة ريناتا فوغل «كنا حقلا للاختبارات».

لكن السباحات الشرقيات أحرزن في حينه تسعة من عشرة ألقاب، وأبرزهن كورنيليا انيدر بطلة سباقات 100 و200 م حرة و100 فراشة والبدل 4 مرات 100 م متنوعة.

وفي موازاة السيطرة الألمانية الشرقية على سباحة السيدات، تميز الاميركيون الرجال خصوصا جيم مونتغومري أول من كسر حاجز الـ50 ثانية في سباق 100 م حرة (49.99ث)، وهو كشف انه عند بداية استعداداته للألعاب قبل عامين من موعدها «أجريت حسابات دقيقة لما يمكن الوصول إليه، وأدركت أن ضماني الفوز يتطلب أن أحقق دون الـ50 ثانية، وبناء عليه وضعت برنامج تدريباتي».

كما تفوق مواطنه براين غوديل في الـ400م حرة وسباقات البدل، وغرد البريطاني ديفيد ويلكي خارج السرب وسجل رقما عالميا جديدا في الـ200م صدر (2.15.11د).

الماراثون جاء ألمانياً شرقياً

وأصبح «الشرقي» عداء الموانع فالدمار شيبرنسكي أول ألماني يحرز سباق الماراثون مسجلا رقما قياسيا (2.09.55.00 ساعة)، وتمكن من المحافظة على اللقب بعد أربعة أعوام في موسكو.

ومن الإنجازات أيضا، فوز البولندي تاديوس سلومارسكي في القفز بالزانة (5.50م) ومواطنه باسيك فزسولا في الوثب العالي (2.25)، واكتفى المرشح الأول الاميركي دوايت ستونز بالمركز الثالث (2.21م)، واجريت المسابقة تحت زخات المطر.

وحافظ المجري ميكلوس نيميت على ارث عائلي في الألعاب الاولمبية من خلال إحرازه ذهبية رمي الرمح وتسجيله رقما عالميا جديدا مقداره 94.58م، كونه نجل أمري نيميت بطل مسابقة رمي المطرقة في دورة لندن 1948.

ونال «البلاي بوي» النيوزيلندي جون وولكر الغفران على مغامراته كلها، بعدما استحق الفوز في سباق 1500م (3.39.17د).

وتعرف العالم على «الحصان» الكوبي ألبرتو خوانتورينا بطل سباقي 400 م (44.26ث رقم عالمي)، و800 م (1.43.50د).

دروت كسر الاحتكار الأميركي

وقصد الفرنسي غي دروت مونتريال «لأكون بطلا اولمبيا، كنت أدرك أنها فرصتي الأخيرة، فبذلت مستطاعي»، وحققت إنجازا هو الأول من نوعه، تمثل في كسر احتكار الاميركيين لحصد ذهب سباق 110 أمتار حواجز.

فاز درو مسجلا 13.30 ث، متقدما على الكوبي راميريز كاساناس والاميركي ويلي دايفنبورت بطل دورة مكسيكو 1968.

وكان السوفييتي بوريس اونيتشينكو مصدر اكبر فضيحة في الألعاب، علما انه يحمل ذهبية دورة ميونيخ للفردي في المبارزة ويعتبر ابرز المرشحين للمحافظة على اللقب الاولمبي.

بيد أن اونيتشينكو (39 عاما)، الاوكراني الأصل، أقصي لان قبضة سلاحه كانت مزيفة، إذ أضاف إليها جهازا مكهربا يسمح له بالتحكم في جهاز تسجيل النقاط في مصلحته متى أراد.

واحتج منافسون كثر لاونيتشينكو على إنارة جهاز تسجيل النقاط من دون أن يمسهم المبارز السوفييتي، فقرر الحكام فحص سلاحه واكتشفوا الجهاز الإضافي، واستبعدوا «البطل الاولمبي» ومنتخب بلاده، وأوقف لاحقا مدى الحياة من قبل اللجنة الاولمبية الدولية، وفرضت عليه عقوبات شديدة.

ناديا كومانتشي

لاعبة جمباز رومانية أسطورية، شاركت في أولمبياد مونتريال عن عمر 15 عاماً، باتت حينها أول من حقق النقاط العشر الكاملة، وذلك على الجهاز المختلف الارتفاع، نالت بين أولمبيادي 1976 و1980 في موسكو ما مجموعه تسع ميداليات، خمس ذهبيات وثلاث فضيات وبرونزية. أخذت شهرتها تذيع منذ بطولة أوروبا عام 1975 حين فازت بأربع ذهبيات. مع الوقت أعاق نموها البدني أداءها في الجمباز الذي غالباً ما ينجح فيه اللاعبون أو اللاعبات ذوو الأحجام الصغيرة، اعتزلت عام 1981. وبغرابة وبالرغم من تفوقها نالت لقبين عالميين فقط في عارضة التوازن والفرق عامي 1978 و1979 على التوالي. تركت رومانيا عام 1989 وانتقلت إلى أميركا، حيث تزوجت البطل الاولمبي في الجمباز بارت كونر وعملا سوياً حيث أعطيا دروساً في الجمباز.

back to top