صراع في طهران (1-2)

نشر في 29-01-2009
آخر تحديث 29-01-2009 | 00:00
 د. مصطفى اللباد تجلس في بيتك في أي فصل من فصول السنة برفقة خير جليس لتستمع بأحسن الأوقات مع كتاب جدير بالقراءة، فالقراءة من أفضل الأعمال التي تستطيع عملها بوقتك، ألم يقل الحق سبحانه جل وعلا: «اقرأ» كي يحض على القراءة التي تجلب العلم والمعرفة؟ وبالرغم من تقدم التقنية وتغلغل الكمبيوتر والإنترنت في مناحي حياتنا الحديثة، وتزايد أدوارها كوسائط لتقديم المعلومات والمعرفة، فمازال للكتاب المطبوع رونقه وملمسه وطقوسه وحلاوته، لذلك تعد معارض الكتب وليمة عقلية فاخرة تحوي ما لذّ وطاب من أعمال المؤلفين والكتّاب من مشارب وميول فكرية متنوعة ومن بلاد شتى، ليزداد محبو القراءة حباً لهوايتهم، ونهماً لاقتناء مختلف أصناف الكتب وحقول العلم.

بدأت فعاليات معرض القاهرة للكتاب رقم 41 الأسبوع الماضي، وكعادتي معكم كل عام أطرح للتأمل الكتب التي أراها جديرة بالقراءة والمناقشة، باعتبار أن الكتاب أروع الابتكارات في تاريخ البشرية وأكثرها تمدناً. أحد الكتب التي قرأتها وأعجبتني واستحقت بالتالي أن أعرضها عليك أيها القارئ الكريم كتاب «صراع في طهران»، ومؤلفته هي السيدة معصومة ابتكار نائبة رئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي.

يقع الكتاب في 300 صفحة عبارة عن عشرة فصول ويشتمل على ثلاثة ملاحق، أما الناشر فهو دار الهادي-بيروت، وتدور أحداثه حول الظروف والملابسات التي أحاطت بعملية احتلال السفارة الأميركية في طهران عام 1979 واحتجاز موظفيها رهائن طيلة 444 يوماً. كانت معصومة ابتكار طالبة جامعية في السنة الأولى بجامعة طهران التقنية، وعدت من العناصر الفاعلة التي نفذت عملية احتجاز الرهائن، كما كانت المتحدثة باسم محتلي السفارة آنذاك. ربما يلعب عامل التوقيت دوره الكبير في زيادة أهمية الكتاب بسبب توقع أن يبدأ الرئيس الأميركي المنتخب أوباما في حوار مع إيران حول ملفات عالقة نووية وإقليمية وثنائية بين البلدين، بسبب أن القصة التي يرويها الكتاب، هي التي أدت إلى قطع العلاقات بين البلدين منذ عام 1979 حتى الآن.

كان احتلال السفارة الأميركية عملاً له تأثيرات عميقة سواء داخل إيران أو حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية، ففي إيران استقالت الحكومة الليبرالية التي رأسها المرحوم مهدي بازركان، فاتحة الطريق أمام سيطرة التيار الديني على مقاليد الدولة الإيرانية؛ عبر فك التحالف القائم بينه وبين التيار القومي الليبرالي. ومن ناحية ثانية لم تفرج إيران عن الرهائن إلا في يوم استلام الرئيس الأسبق رونالد ريغان الجمهوري للسلطة خلفاً للديمقراطي جيمي كارتر الذي خسر الانتخابات بسبب الفشل في تحرير الرهائن، وبذلك غيرت العملية من تاريخ إيران والولايات المتحدة في آنٍ معاً!

إنها قصة إيران والولايات المتحدة الأميركية منذ 1979 حتى اليوم، وهي قصة بدأت بسيطة في فكرتها وأسلوبها وتحولت قضية دولية معقدة ومتشابكة، بحيث لم يعد الطلاب الثوريون ممسكين بالخيوط عند نهايتها كما كانوا في بدايتها.

من شأن استحضار عملية احتلال السفارة الأميركية في طهران ودلالاتها وملابساتها الآن، أن يلقي حزمة ضوء على التطورات السياسية في إيران باعتبارها لاعباً أساسياً بالمنطقة. بعد أن يربط هذه التطورات في سياقاتها التاريخية، وهي الشرط الضروري لإطلالة موضوعية على هذا الحدث الجلل والكبير، بحيث تسمح تلك الإطلالة بقراءة جديدة لأحد أكثر التطورات السياسية راديكالية ربما في تاريخ منطقتنا.

ويزيد من أهمية الكتاب الذي يتناول تفاصيل ودقائق عملية الاحتلال ذلك الوضع الاستثنائي الذي تحظى به مؤلفة الكتاب السيدة معصومة ابتكار، التي شغلت بالإضافة إلى منصب نائب رئيس الجمهورية أيضاً منصب رئيسة منظمة المحافظة على البيئة الإيرانية، والسيدة ابتكار من أعضاء الهيئة التأسيسية لجبهة المشاركة الإصلاحية، تلك التي مثلت ومازالت النواة الصلبة للتيار الإصلاحي في إيران.

مرت حوالي ثلاثين سنة على احتلال السفارة الأميركية في طهران ولكن دلالاتها تمنع تلك الحادثة من السقوط في غياهب النسيان على الرغم من مرور السنوات. وفي وجه من الوجوه تعود أهمية عملية احتلال السفارة الأميركية في طهران إلى التغيير العميق الذي ميز من وقتها العلاقات الإيرانية-الأميركية ومازال يصبغها بالتوتر والصراع حتى الآن. كما تختلف قسمات وملامح «إيران الثورة» قبل ثلاثين عاما جذرياً عن «إيران الدولة» التي أعقبت هذه العملية، سواء من حيث الإيديولوجيات والتوجهات أو حتى تشكيلة نخبتها الحاكمة وآليات وشروط إعادة إنتاجها، بحيث يمكن اعتبار أن احتلال السفارة الأميركية في طهران كان منعطفاً مهماً في تاريخ النظام السياسي الإيراني أيضاً.

لم تفرج إيران عن الرهائن إلا في يوم استلام الرئيس الأسبق رونالد ريغان الجمهوري للسلطة عام 1980 خلفاً للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر الذي خسر الانتخابات بسبب الفشل في تحرير الرهائن، وهو ما ذهب في التاريخ مثالاً نادراً على قدرات صناع القرار في الدول الإقليمية في ظل معطيات النظام العالمي ثنائي القطبية، وباستخدام أدوات الضغط السياسي والمعنوي، في التأثير على الأنظمة السياسية للقوى العظمى.

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية-القاهرة

back to top