فساد في الأرض

نشر في 09-02-2009
آخر تحديث 09-02-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي أوصاف بني إسرائيل في القرآن الكريم تدل على سلوكهم اليوم، فهم يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وجوهر الرسالات السماوية الإصلاح «وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ»، فالإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني بالرد خارج أرضه والقتل والسجن والاستيطان والعدوان الأخير على غزة، كل ذلك فساد في الأرض. لا يسمعون لحق أو عدل أو يطيعون قانوناً أو يراعون عهداً أو ميثاقاً ولا يحافظون على معاهدة «وَإذْ أخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ». ولكنهم تركوا الحق وعبدوا الشيطان، واتجهوا إلى الدنيا وحاربوا القبائل واستولوا على أراضيهم وثرواتهم، ولم تنفعهم ذكرى الرسل «لَقَدْ أخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَأرْسَلْنَا إلَيْهِمْ رُسُلاً»، ونجاهم الله من فرعون وجنوده «وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ»، ويغالون في التمسك بأشكال الشريعة، ومع ذلك يأكلون الربا، ويبدلون كلام الله طبقاً لرغبات الملوك، ويستكبرون في الأرض لأنهم أبناء الله وأحباؤه كما يدّعون. العالم معهم، أوروبا وأميركا خاصة إحساساً بالذنب تجاههم لما اقترفوه في حقهم من جرائم واضطهاد لعنصريتهم ورفضهم الاندماج في القوميات التى يعيشون فيها في ألمانيا أو فرنسا أو روسيا أو أوروبا الشرقية «وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ». وكفروا بكل آية أو بينة ولم يسمعوا لأي دليل، حتى علماؤهم «أوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ». وتكررت الآيات ولكنهم لا يؤمنون «سَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ». وتوالت الرسل «وَرَسُولاً إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ». عصوا الأنبياء بالرغم مما آتوهم من بينات «وَإذْ كَفَفْتُ بَنِي إسْرَائِيلَ عَنْكَ إذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ»، آمنت الأقلية، وكفرت الأغلبية «فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ». جحدوا النعم.

فقد عاشوا بين العرب والمسلمين في مصر والعراق والمغرب العربي كله، وعاشوا عصرهم الذهبي في العلم والثقافة والحرية في الأندلس، ولم يروا الاضطهاد إلا بعد خروج المسلمين منها على أيدي النصارى ومحاكم التفتيش، فنزحوا منها إلى المغرب حيث يحكم المسلمون، وآوتهم الدولة العثمانية وحمتهم من الاضطهاد الأوروبي الحديث بعد حادثة درايفوس في فرنسا، واستوطنوا أراضيها في كل مكان «يَا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ»، ولم يتعظوا من إنجاء الله لهم «يَا بَنِي إسْرَائِيلَ قَدْ أنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ»، ونجاهم من العذاب المهين «وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهينِ».

وحرم الله عليهم القتل وشرع لهم القصاص، السن بالسن، والعين بالعين، والنفس بالنفس «مِنْ أجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أحْيَاهَا فَكَأنَّمَا أحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً». وقد قتلت إسرائيل في غزة وجرحت الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ، وهدمت المنازل على رؤوس المدنيين الآمنين. ينافقون في تطبيق الشريعة ويتشددون في أحكامها، فقد كان كل الطعام حلاً لهم إلا ما حرموه هم على أنفسهم «كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إسْرَائِيلَ إلا مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ». لذلك لعنهم الأنبياء، فكُتُب الأنبياء كلها تبدأ بآية «اللعنة عليكم يا بنى إسرائيل»، «لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ».

تاريخهم مع الأنبياء تاريخ العصيان وليس تاريخ الطاعة، لم يهتدوا بالنبوة ولم يؤمنوا بالكتاب «وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إسْرَائِيلَ». ورث بنو إسرائيل النبوة، نبيا وراء نبي، ولكنهم عصوهم أو قتلوهم «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأوْرَثْنَا بَنِي إسْرَائِيلَ الْكِتَابَ». ويكشف القرآن تاريخ عصيان بنى إسرائيل «إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ».

قطع الله معهم الميثاق لأنهم عصوه وبدله بميثاق آخر فردي روحي أخلاقي شامل عرضه السيد المسيح عليهم، ولكنهم كذبوه أيضا وتآمروا عليه وسلموه للرومان بتهمة أنه لا يعترف بإمبراطوريتهم، والمسيح يتحدث عن ملكوت السموات وليس ملكوت الأرض، ملكوت الروح وليس ملكوت البدن، ففي الثقافة العربية الإسلامية ما يكفي لحماية الأمة من الاستسلام والتنازل والمساومة على الحقوق، فهم لا يراعون عهدا، ولا يحافظون على معاهدة، ولا يعترفون إلا بالقوة والمصلحة، خُلق العالم كله لهم، فهم أسياد البشر.

* كاتب ومفكر مصري

back to top