وجهة نظر : اسعار العقار بين زيادة الفرص وكسر الاحتكار

نشر في 23-06-2008
آخر تحديث 23-06-2008 | 00:00
 د. عباس المجرن محافظ بنك الكويت المركزي هو أحد أهم ثلاثة مسؤولين في الدولة عن رسم السياسة الاقتصادية في البلاد، وهو المسؤول الاول عن رسم السياسة النقدية. ولرؤيته وآرائه بشأن الواقع الاقتصادي المحلي اهمية قياسية، لانها تعبر عن مستقبل التوجهات المرتقبة في مسار السياسة النقدية، وهي احدى اهم السياسات الاقتصادية المؤثرة والفاعلة في عملية توجيه مسار التطور والنمو الاقتصادي في الكويت.

وفي البلدان الصناعية المتقدمة، تولي قطاعات الاعمال والاسواق اهمية كبرى لما يصدر عن محافظي المصارف المركزية، بل وتتفاعل تفاعلا مباشرا وسريعا مع اي تصريح او تلميح يصدر عن المحافظ او احد كبار القائمين على ادارة السياسة النقدية.

تأسيسا على ما تقدم، فإن تصريح المحافظ، الذي تناقلته وسائل الاعلام منذ يومين، والذي عبر فيه عن قناعته بأهمية قيام الدولة بعرض المزيد من الاراضي المملوكة لها بهدف المساعدة على خفض اسعار القسائم السكنية في الكويت، هو تصريح بالغ الاهمية، إذ إنه يعبر عن قلق احد اهم صانعي السياسة الاقتصادية المحلية من المستوى الذي بلغته هذه الأسعار، وعن الحاجة الى اتخاذ اجراءات فعالة من أجل اعادة الأثمان في سوق العقار السكني، بل وغيره من أسواق العقار، الى مستوياتها الطبيعية.

ما قاله المحافظ ليس جديداً، بل يكاد يصبح شعار المرحلة الراهنة، فقد كرره أكثر من مسؤول في أكثر من مناسبة، بل ورفعه عدد لا بأس به من مرشحي مجلس الأمة الحالي باعتباره أولوية حيوية يتوقف عليها تطور الاقتصاد الوطني، كما يرفعه حاليا بعض مرشحي الانتخابات التكميلية للمجلس البلدي، ويعبر هذا الشعار عن مشكلة حقيقية، وهي حصر المنطقة الحضرية لدولة الكويت في مساحة لا تتجاوز نسبتها 8% من اجمالي المساحة الكلية للبلاد، وهي نسبة لم تعد قادرة على استيعاب حجم الطلب على الأراضي في ظل تطور ونمو الاقتصاد المحلي، وفي ظل حجم السيولة النقدية الهائلة المتوافرة في الكويت.

وإذا كان قدر الكويت ان يظل الجزء الاعظم من مساحتها الجغرافية مخصصا لمناطق استكشاف وإنتاج النفط، وان تظل المساحة القابلة للاستغلال الحضري استغلالا اقتصاديا محصورة في الشريط الساحلي للبلاد، فإن هذه المساحة لم تستنفد بعد قدرتها على استيعاب النمو الحضاري المتوقع في البلاد خلال السنوات الخمسين المقبلة، خصوصا عندما نأخذ في الاعتبار التوجهات العمرانية الحديثة المتمثلة في التوسع الرأسي او العمودي، وعندما نضيف امكان استصلاح عدد من الجزر الكويتية.

ولاشك ان عرض المزيد من الأراضي المملوكة للدولة لا يتوقف على زيادة الرقعة الحضرية المستغلة من البلاد في الوقت الحاضر، بل يشمل أيضا المساحات الكبيرة من الارض التي تحتكرها الدولة ضمن الرقعة الحضرية الحالية، وهي مساحات مازالت خارج دائرة الاستغلال التجاري للأرض، خصوصا أن ما يمتلكه القطاع الخاص من المساحة الحضرية الراهنة لا يتعدى نسبة متواضعة جداً من الساحل الشرقي الجنوبي للبلاد.

بيد أن السؤال الأهم على ما رأى يتعلق بآلية استغلال الأراضي الخاصة في الكويت، فسمة احتكار الأغلبية العظمى من هذه الأراضي تظل مسؤولة عن ارتفاع اسعارها، وستظل الأسعار مرتفعة في ظل هذه السمة مهما زادت المساحات التي تنقلها الدولة من الملكية العامة الى الملكية الخاصة، فالمطلوب اذن هو كسر احتكار ملكية الأرض قبل توسعة المساحة المتاحة منها للتداول الخاص، والبنك المركزي يملك أدوات نقدية فعالة تمكنه من خلخلة القوة الاحتكارية لبعض الأطراف المتنفذة في الهيمنة على تجارة الأراضي الخاصة في البلاد، ولعل تصريح المحافظ بهذا الاتجاه يشكل رافداً مهما للبدء في تفعيل هذه الأدوات.

back to top