الشيخ سعد... !

نشر في 16-05-2008
آخر تحديث 16-05-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي ترجل الأمير الوالد، كما سماه الكويتيون أنفسهم. رحل الفارس العربي الذي تجاوزت شهامته حدود الكويت ذاتها، ومن هنا يكون الكثيرون من العرب الأوفياء لنضال هذا الرجل، أصحاب حزن في هذه الأيام. شخصية الشيخ سعد التى كانت توحي بالسمو والتواضع في آن واحد، قد جعلت حتى العرب من خارج الكويت ينظرون إليه بمحبة واحترام، وقد زاد هذا التقدير عندما شاهدوا بطولته كرجل دافع دفاعاً مستميتاً عن وطنه يوم دخلت قوات صدام الغازية أرض الكويت محتلة لديرة إخوان لها في الدين وفي العروبة. يومها، وقف الشيخ سعد وقفة رجل الدولة المدافع عن أميره وعن بلده وعن شعبه، وقفة شهد له الجميع بأنها وقفة رجل نبيل. فقد عمل الأمير الوالد ليل نهار مع أبناء الشعب الكويتي المخلصين من أجل عودة الكرامة والعزة للوطن. وما إن استعادت الكويت حريتها، حتى كان الشيخ سعد من القياديين الذين تولوا عملية إعادة بناء الكويت والنهوض بها مجدداً إلى مصاف الدول الحديثة.

سيرة الشيخ سعد العبد الله تتسع عن كونها سيرة فرد، وظني أنه سيأتي وقت يتحدث فيه الباحثون عن تاريخ رجل عمره بعمر الكويت الحديثة. سيتحدث الباحثون عن دور الأمير سعد العبد الله الصباح في مداولات المجلس التأسيسي لصياغة دستور دولة الكويت الحديث، وعن نجاحه كرئيس حكومة لمدة تزيد على خمسة وعشرين عاماً، وعن تفانيه في تحرير الكويت من الاحتلال العراقي في عام 1990، وعن دوره في إعادة بناء وإعمار دولة الكويت بعد محنتها، وسيتحدثون عن جهوده التي يجب ألا تنسى في تطوير المؤسسات الأمنية المسؤولة عن حفظ السيادة والأمن والاستقرار في البلاد.

لا أدعي معرفة شخصية بالراحل الشيخ سعد، ولكن ما أتحدث عنه ناجم عن معرفتي بالكويتيين خلال فترة قاربت العقدين الآن. فكلما زرت الكويت وجاء ذكر الشيخ سعد في جلسة حوار لا تسمع إلا ثناءً على الرجل وتقديراً له، حتى لو كان لدى المتحدث انتقاد لبعض سياسات الأمير الراحل. ولعل ما ذكرته جريدة «الجريدة» قبل الأمس في أحد تقاريرها، حول أن لقب الشيخ سعد العبد الله، بعد تنحيه، بالأمير الوالد، هي صفة ليس لها أي مرجع دستوري أو قانوني لكن قبولها في الشارع الكويتي بالشكل الواسع الذي كانت عليه هو اعتراف شعبي قوي بمكانة الرجل ودوره ومقامه في المجتمع.

ورغم محاولتي بألا أقع في فخ العزاء، وأن أكتب عن الشيخ سعد العبد الله بشجاعة تليق برجل كان على الدوام شجاعاً، فإنني وبينما أكتب هذا المقال تذكرت وجوهاً عديدة لأصدقاء من الكويت عرفتهم عن قرب وخبرت مدى محبتهم للأمير الراحل الذي نذر حياته لخدمة بلده، فرأيت حقاً لهم عليّ بأن أعزيهم، وكذلك أعزي كل مواطن كويتي، في مصابهم بفقدان كويتي عظيم بحجم الشيخ سعد.

ترجل الأمير الوالد، بعد معاناة مريرة مع المرض... ولا يبقى لدينا كمؤمنين إلا أن نقول إن الموت حق، ولا راد لقضاء الله، ولا اعتراض على أمور هي أكبر من إدراكنا. عزاء الكويت، وعزاء كل من يحب هذا البلد الخير الجميل، أن الشيخ سعد قد ترك خلفه بلداً حراً آمناً كريماً، وعندما ستطل روحه على الكويت من عل، ستكون بكل تأكيد مطمئنة راضية عن إنجازات كبيرة لبلد صغير في مساحته، ولكن قد استطاع بلا شك أن يجد مكانته الرفيعة بين الأمم. رحم الله الفقيد، وللكويتيين خالص العزاء.

*رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top