العبوا بعيداً عنا...! 1 - 2

نشر في 23-05-2008
آخر تحديث 23-05-2008 | 00:00
 د. مأمون فندي يجب ألا يساورك شك في أن لبنان اليوم هو ساحة من ضمن ساحات المواجهة الأميركية الإيرانية، ويجب أيضا ألا يساورك شك في أن ما يحدث في غزة هو ساحة مواجهة إسرائيلية إيرانية. كما يجب ألا يساورك شك في أن العراق أصلا هو الساحة الأكبر للمواجهة الإيرانية الأميركية. العالم العربي اليوم ليس لاعبا إنما أصبح ساحة للعب. إيران لها عنوان جغرافي وسياسي، وواشنطن لها عنوان جغرافي وسياسي أيضا، إن كانتا تريدان مواجهة بعضهما بعضاً، أما أن تكون المعركة على الجسد العربي بالدم العربي، فهذا غير مقبول إطلاقا، وعلى العرب إن كانوا جادين أن يقولوا لكل من أميركا وإيران «العبوا بعيد... شوفولكو حتة تانية العبوا فيها، ليس على أجسادنا وليس بدمائنا». أن يشهر العربي سلاحه في وجه العربي بدعوى مقاومة إسرائيل، فهذا كذب. إننا اليوم دمى في حرب بالوكالة بين أميركا وإيران، وأدوات في مواجهة مشروعين لتخريب المنطقة، مشروع أميركي ومشروع فارسي، والضحية هم العرب. الأطراف غير العربية اليوم هي التي تحرك خيوط اللعبة، أميركا وإسرائيل وتركيا وإيران.

كم من الإيرانيين، وكم من الأميركيين، وكم من الأتراك، وكم من الإسرائيليين، ماتوا في حروب وصدامات المنطقة، بالمقارنة بعدد الموتى من العراقيين واللبنانيين والفلسطينيين. على العرب اليوم أن يحزموا أمرهم، إن كان بقي لديهم أمر، ليقولوا: العبوا بعيدا عنا، بدمائكم لا بدمائنا، بمواردكم لا بمواردنا.

اللعبة باتت مكشوفة تماما. فماذا ينتظر العرب؟ هل ينتظرون أن يفخخ مسلحو «حزب الله» الوضع في لبنان، ثم تسقط حكومة فؤاد السنيورة... ليصرخوا بأن الجيش اللبناني والقوات الدولية الموجودة في لبنان لن يتمكنا من ردع «حزب الله» المدعوم من إيران لذا يجب التدخل الخارجي، فتضرب إسرائيل أهدافا في سورية بدعوى أنها شحنات من الأسلحة في طريقها إلى «حزب الله»... ألن يكون ذلك بداية لحرب بين سورية وإسرائيل، ولساحة عربية أخرى تدخل ضمن مساحات الخراب؟

إن كان العالم مقتنعا بأن إيران هي التي تدعم «حزب الله»، فلماذا توجه الضربة إلى سورية، أليس لإيران عنوان؟ ألم يقل قائد القوات الأميركية السابق في العراق وقائد المنطقة المركزية الحالي الجنرال ديفيد باتريوس، في شهادته أمام الكونغرس، إن ما يحدث في العراق وفي المنطقة، هو «حرب بالوكالة». لماذا لا يجعلونها حربا بالأصالة لا بالوكالة، ويأخذون حروبهم بعيدا عنا وعن ودنيانا وبيوتنا وأولادنا؟

إن ما يحدث في لبنان اليوم هو أمر لا يرتبط باللبنانيين، إنه رجع لصدى تحرشات إقليمية أخرى، صدى لحرب الوكالة، حرب أكبر من لبنان وربما أكبر من المنطقة.

دعاة الخراب في العالم العربي يعولون على التوتر الحالي بين الدول والجماعات الراديكالية في المنطقة في هذا السياق الملتهب إقليميا، يتمنون لنموذج مثل «حزب الله» و«حماس» أن يظهر في مصر مثلا، بأن يكون للإخوان المسلمين ميليشيا شبيهة، وأن يتفجر الوضع فيما تبقى من بلدان العرب المستقرة.

نحن اليوم، رغم التفاؤل الذي أبدته وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس في حواري معها الأسبوع الماضي والذي نشرته «الشرق الأوسط»، أقرب إلى الحرب منا إلى أجواء السلام، رغم إصرار الرئيس الأميركي جورج بوش ووزيرة خارجيته على التوصل لتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين قبل نهاية العام.

قصة فلسطين اليوم أصبحت كرقم في لعبة قمار عالمية، نضع كل أموالنا على هذا الرقم، منتظرين أن يصيب، وفي كل مرة لا يأتي، يصبروننا بأن الكرة أصابت الرقم الذي بجواره، وقد يأتي في اللفة القادمة. خمسون عاما ولم يأت الرقم، صرفنا كل طاقتنا ومعظم أموالنا في لعبة الروليت الدولية، ونحن في انتظار رقم فلسطين. ضربة الحظ هذه لن تأتي إلا إذا خرجنا من عقلية المغلوب على أمره في ساحة اللعب إلى عقلية اللاعب، أو على الأقل، أن نرفض اللعب ونطالب الآخرين بأن يلعبوا بعيدا عنا.

* رئيس برنامج الشرق الأوسط بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية- IISS

back to top