حنين

نشر في 26-08-2008
آخر تحديث 26-08-2008 | 00:00
No Image Caption
 محمد الحجيري أول من استخدم مفهوم الحنين في الثقافة الغربية كان جوهانس هوفر عام 1688، تطور هذا المفهوم مع تطور الفكر القومي الغربي ونشأة الأمم. الحنين ليس صورة بـ {الأبيض والأسود» فحسب، إنه ثقافة تسيطر على الواقع في العالم العربي، وإن كان كلمة جميلة إلا أنه يدل في الثقافة الجماعية على حاضر مأزوم وكارثي، إذ يُستحضر الماضي بسبب أزمة الحاضر. من هنا يكثر الحديث عن زمن الأندلس، زمن الخلافة العباسية، زمن عبد الناصر، زمن الامبراطورية العربية، زمن الحركة الطالبية في السبعينات، بل أكثر من ذلك بات الحنين الى خبز الصاج والتنور، الحنين الى الجرود في زمن أساطيل السيارات، الحنين الى الحب في زمن «الباه»، الحنين الى الجمعة العائلية في زمن الفورة التلفزيوينة.

من الثابت أن البورجوازية العربية في أول مراحلها هي التي حولت الحنين إلى الأندلس إلى قوة دافعة للشعور القومي، وبالتقابل العنيف مع نهضة الغرب، هنالك نهضة كبيرة في الماضي يمكن العودة إليها وبعثها وتحويلها إلى حاضر. الحنين في السياسة العربية هو المشكلة، لا يصدق الساسة العرب أنهم هزموا، لم يصدقوا أن معظم الحضارات التي يعلو شأنها سرعان ما تنهار، هذا من البديهيات، وفي لبنان تحن الطوائف الى ماضيها في جبل لبنان، أو الى ماضيها في زمن الحكم العثماني، أو تشعر بالذب.

يقول أحد الكتاب: إذا قرأ المرء رواية لتولستوي يشعر بالحنين إلى روسيا القيصرية! إذا شاهدَ مسلسلاً أندلسياً يشعر بالحنين إلى الأندلس! إذا سمع أغنية بلوز يحـنّ إلى نيوأورليانز الخمسينات! وإذا أنشدت فيروز «ردّني إلى بلادي» يشعر بغربةٍ ثقيلة كأنه لم يكن لهُ وطنٌ أبدًا.

حالة الحنين تلك جادة تماماً على الرغم من هزليتها. هي شكلٌ من أشكال التعبير عن الاحتجاج والرفض للحياة المتغيّرة التي بدورها ترفض إنسانية هذا الإنسان وتمنعه من التآلف مع أي شيء، فيستغل الإنسان قدرة تلك الحياة العصرية على تأمين تواصله بالمنتجات الثقافية المتنوّعة.

في فصل من رواية «الجهل»، يذكر كونديرا كلمة نوستالجيا فيشرحها ويحلل جذورها وأصولها اللغوية، هي في الأصل كلمة يونانية Nostos أي العودة و Algos أي العذاب. نوستالجيا أو الحنين هي إذن العذاب نتيجة الرغبة المجهضة وغير المشبعة في العودة، وفي بريطانيا يقال Homesichness أو البعد عن الوطن، أما في اللاتينية فهي Ignarare بمعنى الجهل أو البعد وعدم معرفة كيف تكون، فوطني بعيد لا أعرف ماذا يجري هناك؟ في النهاية هل يدري أحد ما يجري حوله أو داخله؟ هنا أو هناك؟ يومه أو غده؟ الاقتراب قد يدمر، يشوه، يفضح والبعد قد يخدع، يسيطر عليه الحلم والوهم، ويبدو كونديرا حاملا فأسا وليس قلما فيكشف لنا فداحة المأساة، سخرية الوجود وغرابته، الجهل بأهم الأمور وأبسطها، عجز الإنسان المكبل بالعتمة عن جمع حتى أشلاء الحقيقة.

تتلخص أطروحة مارسيا الياد في أن الحنين الى الفردوس استمرار للأصل الديني لفكرة الجنة، وآدم المطرود منه، بالتالي فإن استحضار الماضي هو نوع من العودة الى الفردوس المتوهم. الحنين في العالم العربي حمى أبدية لكل شيء.

back to top