مقبرة الأحياء... لحجاج التاريخ في باريس تضم علماء وفنانين وكتاباً وقديسين ومناضلين وسياسيين

نشر في 25-11-2008 | 00:00
آخر تحديث 25-11-2008 | 00:00
No Image Caption
 عبدالله العتيبي يخرج زائر مقبرة بيير لاشيز في باريس بتأملات جديدة عن الحياة والموت، سيكون للموت مذاق مختلف... وربما يغادرها بقناعات مختلفة عن التي دخل بها.

زوار مقبرة بيرلاشيز في باريس سيجدون صعوبة في مقاومة جمال المكان، والذكريات المتعلقة بالشخصيات الشهيرة المدفونة هناك تستحضر إلى الذهن مآثرهم، وقناعاتهم، وكيف أنهم تركوا بصمات في حياتهم وحياتنا، ومن بين الملايين الذين ماتوا على مر العصور، كيف استطاع المئات فقط البقاء «أحياء» كرموز خالدة، ساهموا في تشكيل قناعاتنا وصاغوا لأنفسهم كينونة مختلفة ومؤثرة.

مقبرة «بيير لاشيز» أكثر المقابر الموجودة داخل باريس شهرة، تغطي مساحة 43 هكتارا، أو ما يزيد قليلا على 105 أفدنة، وهي أيضا أكبر متنزه في باريس، افتتحت في 1804، تستقبل مليون زائر في العام، وتضم رفات المئات من الادباء والفنانين عبر العصور، الذين قضوا نحبهم في باريس، مثل إديث بياف، جان دي لا فونتين، موليير، أوسكار وايلد، بلزاك، بروست، ديلاكرو، ساره بيرنار، ايف مونتان، شوبان، وعلماء وسياسيين، ويمكن للزوار مشاهدة القبور الكثيرة المبنية من قبل المهندسين المشهورين، ويجذب قبر جيم موريس مغني فريق الدورز وتوفي في باريس عام 1971 اكبر عدد من الزوار، ومن المؤكد أن يتأثر الزوار أيما تأثر بذكرى «عمال النقابات» من أعضاء كومونة باريس (1871)، الذين أقيمت قبورهم في الموضع الذي أطلق عليهم الرصاص فيه.

تعتبر «بيير لا شيز» أيضا متنزها رائعا ومكانا ممتازا للتجوال، عدا أنها من أكثر الأماكن جذبا في باريس، فهي أكثر من حديقة رائعة، وأكثر من مجموعة معقّدة ومتباينة من روائع الهندسة المعمارية، مكان غير عادي حقا. ولكونها أرض الموتى، أو بالأحرى أرض الموت، فإن طرقها وطرقاتها الجانبية تشكّل متاهة خيالية حقا، تعيش على تاريخها، وأسرارها وأساطيرها، وتمثل مكانا يحجّ إليه آلاف الخبراء. يجيء بعض الزوار للتأمّل أمام قبر شخص شهير، بينما ينغمس آخرون في طقوس أكثر غموضا. وإذا كان قبر كل من ألفريد دي موسيه وساره برنار يغطّى بالزهور في يوم عيد جميع القدّيسين، فكلّ يوم يشهد جمهرة من الزوّار الذين يحضرون للمس التمثال النصفي المصنوع من البرونز لألان كارديك، الفيلسوف الروحاني العظيم، من أجل أن تتحقق رغباتهم.

تعود تسمية المقبرة الى القرن التاسع عشر، عندما اشترى اليسوعيون هذه الضيعة وأسموها مونت لويس. أقاموا عليها دارا للعجزة، وكان أحد أكثر أعضاء هذه الجماعة شهرة هو الأب لاشيز، كاهن الاعتراف الخاص بالملك لويس الرابع عشر، اتخذ من هذا المكان مُعتزلا وخلوة له، وبعد محاولة الاعتداء على لويس الخامس عشر، طُرد اليسوعيون من المملكة وسلمت المباني المقامة على مونت لويس إلى الدائنين. وكان نابليون الأول مسؤولا عن إعادة استملاك الضيعة، واعتبارا من عام 1804 أصبحت تعرف باسم المقبرة الشرقية.

back to top