نعم... ليبراليون ولنا الفخر

نشر في 09-05-2008
آخر تحديث 09-05-2008 | 00:00
 لمى فريد العثمان يشوب مفهوم الليبرالية في مجتمعنا الكثير من اللبس والغموض والجهل. ويستغل التيار المتطرف جهل بعضهم ليزيد على جهلهم جهلا مركباً، أي أنهم يجهلون بجهلهم، إذ يعتقد بعضهم أن الليبرالية ترتبط بالانحلال الأخلاقي وأنها ماهي إلا دعوة للتفسخ والفجور ومحاربة الدين. وقد تم تشويه مفهوم الليبرالية وتحريفه من قبل بعض التيارات المتشددة المسيسة بطريقة تلبس تهمة إنكار الدين والكفر للآخرين وذلك لتعزيز سلطتها ومكانتها في الدولة.

فالليبرالية هي الحياد الإيجابي تجاه الأديان جميعها وليس العدائية تجاه الدين كما يعتقد الكثير، فهي حماية للأديان كلها. وتعمل المفاهيم الليبرالية على تعزيز مفهوم المواطنة ليعيش أفراد المجتمع كلهم على قدم المساواة في الدولة بغض النظر عن دياناتهم أو أعراقهم أو ألوانهم. ففي الغرب حرية المعتقد من عبادة وتعليم ديني موجودة، ولكنها لا ترعى مذهباً من دون غيره. وهي بذلك لا تعني إلغاء الدين ومحاربته ولكن تعني عدم زج المقدس بلعبة المصالح الدنيوية، فأخطر ما يكون هو استغلال عاطفة الدين لأغراض سياسية، ولنا في تاريخنا البشري بطوله وعرضه عبرة، ولكننا للأسف لانزال لا نعتبر.

فالمعضلة الرئيسية لأصحاب الفكر المحارب لليبرالية تكمن في إلغائهم وإقصائهم للآخر المختلف مع رأيهم. فهم لا يؤمنون بالليبرالية التي هي شرط أساسي لتعزيز مفهوم الديمقراطية. لا يعترف أنصار الدولة الثيوقراطية إلا بمذهب واحد هو الذي يسود في الدولة، وحتى داخل هذا المذهب الواحد نجد فيه طوائف أكثر من أن تعد أو تحصىـ وكل طائفة تدعي احتكارها للحقيقة المطلقة، وأنها هي الإسلام والإسلام هي، وتعتقد أنها هي الفئة الناجية. فأي دولة يريدون هل هي سنية؟ شيعية؟ إخوانية؟ سلفية؟ فإذا سيطرت على الدولة مفاهيم مذهبية تصبح دولة ثيوقراطية استبدادية تتناقض وتتعارض تماماً مع الديمقراطية، اما إذا كانت ديمقراطية، فهي بالضرورة ليبرالية.

يذكرني جهل هؤلاء لمفهوم الليبرالية بقصة أحد المرشحين في إحدى الدول العربية. فقد أوهم خصوم هذا المرشح الناخبين البسطاء بأن الديمقراطية كفرٌ وأن صاحبنا ديمقراطي، وعندما سألوه إن كان كذلك، أجاب بحماسة نعم أنا ديمقراطي، فامتنعوا عن التصويت له وصوتوا لآخرين «غير ديمقراطيين». وهذا هو الحاصل عندنا بالنسبة إلى الليبرالية والمدافعين عنها.

الليبرالية أيها «الديموقراطيون» تدعو إلى الحوار واحترام التنوع الفكري والعيش المشترك والتسامح مع الآخر على اختلاف آرائه وتوجهاته وعرقه و دينه، والاعتراف بحقوقه في الوجود والحرية والسعادة... الليبرالية هي الإنسانية إلى أقصى مداها، التي تؤمن بأن الإنسان هو ركيزة الحياة وأن الرحمة والسلام هما أهم من الفكر الدوغمائي وصكوك الغفران... الليبرالية التي تؤمن بأن الفكر الحر والحريات المسؤولة لا وصايا الكهنوت هي قدر البشرية وأساس ارتقائها وعزتها... الليبرالية التي تبني الإنسان ذا الإرادة الحرة والمجتمع الحر، ومن دون هذا الفكر الحر لن يكون هناك إبداع... الليبرالية التي تسعى إلى نبذ العنف وتنادي بالعدالة الإنسانية المجردة من هويات العنصرية الزائفة... الليبرالية التي أعطت المرأة حقوقها وساوتها بالرجل بعدما عانت الأمرين من المجتمع الذكوري... الليبرالية هي منظومة القيم المجتمعية والثقافية والإنسانية التي تدعو إلى البناء لا الهدم.

قد يقود الجهل المركب إلى التصفية المعنوية والجسدية في بعض الأحيان، فقد قتل أحد الكتاب بسبب كتابه الذي استند فيه إلى المراجع الإسلامية التي يعتمد المسلمون عليها اعتماداً أساسياً، وعندما سئل القاتل لماذا قتلته؟ أجاب: «سمعت أنه مرتد»!... فقد سمع ولم يقرأ ولم يفهم... فقتل.

وفي الختام نقول لمن يمارسون الإرهاب الفكري كلهم... لن ترهبونا بما تكتبون وتقولون... نعم ليبراليون ... ولنا الفخر.

back to top