افتتاح عصر التعاون

نشر في 12-11-2008
آخر تحديث 12-11-2008 | 00:00
 بلال خبيز هل كان من سوء طالع باراك أوباما أن تنفجر الفقاعة المالية في أميركا في منتصف سبتمبر الماضي قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية؟ بعض المحللين والمراقبين يقولون نعم، إنه لسوء حظ بالغ. رغم أن انفجار هذه الأزمة ساهم إلى حد بعيد في طلب الشعب الأميركي للتغيير الذي لطالما تحدث عنه أوباما والذي، في أعمق المعاني، كان يمثله فعلاً. لكن الانتخاب المرفوع على راحات الأمل بالتغيير أمر يختلف اختلافاً بيناً عن ممارسة الحكم في ظل صعوبات متراكمة قلما واجهت الولايات المتحدة مثلها في العصر الحديث.

15 سبتمبر 2008 يشبه في تداعياته الخطيرة على المجتمع الأميركي 11 سبتمبر 2001. مما يدفع المرء إلى الظن أن الوصول إلى البيت الأبيض، والأحوال على ما هي عليه، يشبه في نواح متعددة ما كان يقوله الاقتصادي الأميركي المرموق لستر ثارو عن رؤساء إفريقيا الوسطى في الثمانينيات من القرن الماضي: إنه لسوء حظ بالغ أن يكون المرء رئيساً لدولة من هذه الدول في هذا الوقت بالذات. ذلك، أنه مثلما بات معروفاً لم ينج رئيس من رؤساء تلك الجمهوريات، على وجه التقريب، من انقلاب عسكري أو محاولة اغتيال ناجحة أو فاشلة أو حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، لكن باراك أوباما يقود الولايات المتحدة، وهذا أمر يحسب له حساب كبير في ميزان الفروق بين رئيس أميركي ورئيس من إفريقيا الوسطى. مع ذلك يجدر بنا أن نتفكر ملياً في المسار الذي سيخطه انتخاب أوباما إلى البيت الأبيض.

يستطيع أي كان أن يلاحظ أن الرئيس الأميركي الجديد يواجه تحديات هي الأولى من نوعها على المستوى العالمي، فللمرة الأولى، تجد أوروبا نفسها في موقع من يستطيع أن يصدر بياناً قوي اللهجة وثابت العبارات على لسان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مطالبة الولايات المتحدة الأميركية بالتجاوب مع مطالبها، أي أوروبا، القاضية بتقييد حركة سوق الأسهم المالية التي كانت حرة إلى وقت قريب، فضلاً عن تدابير أخرى تساهم في عقلنة الأسواق التجارية وترشيد الاقتصاد. وهذا مما يمكن وصفه بالكلام المسؤول الذي يصدر عن قوة اقتصادية هائلة توازي أميركا اتساعاً وقدرة وتطوراً، وتتحرك ضمن كتلة نقدية هائلة لا يمكن العبث بها بسهولة مثلما كان يحصل مع الدول الأوروبية قبل إقرار التعامل بالعملة الأوروبية الموحدة. من جهة ثانية، لا يكف المسؤولون الروس عن التبشير بنهاية زمن أميركا كقوة مهيمنة على العالم، وضرورة العودة إلى نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه الدول الكبرى في أقاليم الأرض أدواراً حاسمة، وكان آخر ما صرح به هؤلاء أن النمو السالب في الدول الغربية سيقابله نمو موجب في دول أربع، هي الصين وروسيا والهند والبرازيل، وهذه الدول ستكون إلى أجل غير معروف قاطرة الاقتصاد العالمي في المقبل من الأيام.

من جهته لا يبدي باراك أوباما رغبة بالتفرد في القرارات الحاسمة على المستوى العالمي، ويطمح إلى إيجاد شراكة تقوي عود حكمه على المستويين الحاسمين: الداخلي والخارجي. فيدعو الحزبان الكبيران في أميركا إلى تعاون بنّاء في الحكم وخارجه، من دون إقامته والعمل بموجبه قد تواجه أميركا أخطاراً لا قبل لأحد بردها. هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجي، فإن ملامح التنسيق مع أوروبا واليابان، على الأقل، باتت مرئية تقريباً، والأرجح أن صيغة ما ستخرج إلى النور في وقت قريب مقبل بعد تسلم أوباما مهامه كرئيس للولايات المتحدة الأميركية.

لكن هذا التعاون المرجح وإن كان يأكل من سطوة أميركا ويقضم من تفردها في القرارات العالمية، إلا أنه يخفي أمراً آخر لا بد من ملاحظته والعمل على أساسه.

لطالما كانت أميركا حاجة ملحة للعالم كله، أقله في الاقتصاد الحديث، هذا فضلاً عن ضرورات الأمن العالمي، بل إن الانتشار العسكري الأميركي في أوروبا الذي أعقب الحرب الباردة لم يكن انتشاراً مرغوباً أميركياً أكثر مما كان مرغوباً أوروبياً، ذلك أن أوروبا التي خرجت من حربها الثانية مهمشة ومقطعة الأوصال لم تكن تستطيع حماية نفسها بنفسها من دون القدرات الأميركية الهائلة في المجالين العسكري والأمني.

وإغفال هذه النقطة يصور أميركا كما لو أنها قررت رغم أنف أوروبا المنتصرة أن تنشر قواعدها العسكرية في أنحاء أوروبا لمواجهة الاتحاد السوفييتي يومذاك. وواقع الأمر أن الأحوال لم تتغير منذ ذلك الحين، فما زالت أوروبا والديمقراطيات الغربية تعتمد اعتماداً كبيراً في أمنها السياسي على قوة جيش الولايات المتحدة. أما المسألة الأخرى التي لا بد من مقاربتها فتتعلق بقوة السوق الأميركية وأهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمي، وفي هذا المجال فإن شيئاً لم يتغير، ومازالت أميركا تستطيع أن تقود العالم على هذا الصعيد، ولو أصبحت القيادة مشتركة ومتنوعة.

* كاتب لبناني

back to top