الإفيه... جديد الغناء المصري!
هل يمكن لأغنية أن تفسد الذوق العام؟ سؤال يطرح نفسه على الساحة الغنائية بقوة، خصوصاً بعد انتشار ألبومات خرجت كلماتها على النص، بتعبير أدق لا تعتمد على الكلمة الراقية التي تداعب العقل والوجدان وإنما على «الإفيه»، ما يجعلنا نسأل هل نعيش عصر «الإفيه الغنائي»؟ فلا نتعجب إذا ما تطاول المطرب على حبيبته أو توعدت المغنية حبيبها بالانتقام، أو ذهب ثالث للسخرية ممن حوله...
يقول تامر حسني في إحدى أغنياته «وأخيرا خدت بالي ولا كان يخطر على بالي وأنا برضه بقول كان مالك نظراتك مش طبيعية تشوفيني يتغير حالك واتاريكي معجبة بيه...»امّا مي كساب فتقول:«أنا عايزة البعد بينا يبقا في كل حاجةعلشان لو اتقبلنا ما يكونش في قلبي حاجة وياريت ما تجبش سيرتي ما تجرحنيش في غيبتي وزي ما خدت صورتك يا ريت تبعتلي صورتي» من يتأمل المطروح على الساحة الغنائية يتعجب من غرابة الكلمات، التي يسمونها «بـ «الإفيه» ليس من باب التندر والسخرية، بل للغرابة التي تحملها.المؤكد أننا لسنا أمام حالة غنائية «شاذة» حلقت بعيداً عن السائد والمتداول، بل أمام حالات عدة باتت أقرب الى أن تكون ظاهرة بحد ذاتها!في هذا السياق، لا يرى الشاعر الغنائي محمد العسيري في تلك الأغنيات «ظاهرة»، مشيراً إلى أن «الكلمات في الأغنية المصرية شهدت في الفترة الأخيرة طفرة، ما دفع صانعي السينما إلى الاعتماد عليها، وهو ما يمكن تلمُّسه بوضوح في عدد من الأفلام والمسلسلات التي تؤكد أهمية الأغنية الدرامية، والدور الذي يمكن أن تؤديه في نجاح التجربة عموماً بوصفها أحد عناصر التعبير بل والترويج للعمل».يضيف العسيري: «من المؤكد أن هبوط مستوى كلمات الأغاني وانحدارها، مقولة غير صحيحة، لا تشكل تلك الأغنيات ظاهرة أو تياراً، بدليل وجود ألبومات غنائية قدمت الكلمة الجادة كما في أحدث ألبومات المبدع محمد منير «طعم البيوت»، الذي جمع فيه بين أجيال مختلفة ومتميزة من الشعراء، وهو ليس متفرداً في ذلك، فإلى جانبه مدحت صالح وعلي الحجار ومحمد فؤاد...» احتياج«جمهور الأغنية يحتاج للإفيه»... هذا ما أكده الشاعر ملاك عادل, مشيراً إلى أن الأغنية يجب أن تعبر عن الجمهور، بمعنى أن تتكلم لغته، تستخدم مفرداته، ما يبرر استخدامه لمفردات العامية بوصفها لغة الشارع والمعبرة عنه، وهذا لا يعني، برأيه، الاستخفاف بالأفكار أو بالكلمة بل محاولة الاقتراب من الجمهور والتعبير عنه.يرى عادل أن «الإفيه» ليس المقصود منه الغناء الشعبي، إنما محاولة لكسر المألوف ليس في الفكرة فحسب بل في مستوى الكلمة أيضاً، ولا يقتصر على فئة محددة من نجوم الغناء، إنما يستخدمه كثر من النجوم في مقدمهم عمرو دياب وغيره. بدوره، يقول الملحن محمد ضياء إن «مستوى كلمات الأغاني في الفترة الأخيرة، لم يتغير ولم يتجدد، إنما أصبحنا نعيش جواً من الرتابة الغنائية، والمسؤول ليس الشعراء وحدهم إنما الذوق العام في مصر، الذي يتجه عموماً الى لغة الشارع، من الطبيعي في ظل هوجة الكليبات والعري أن تبحث بأعجوبة عن كلمات راقية تخاطب الوجدان، وإن كانت ثمة محاولات لا بأس بها من قبل مجموعة من الشعراء والملحنين قدموا تجارب مشرفة».سوقيوضح الموسيقار منير الوسيمي نقيب المهن الموسيقية: «نعيش الآن فترة متميزة من الأغنيات، وهو ما يمكن تلمسه بوضوح أخيراً، ترك الجمهور في غالبيته الأغاني السطحية ودعم الأغاني الحقيقية التي تعبر عن أحلامه وهمومه، أحزانه وأفراحه، من خلال ألبومات جورج وسوف، محمد منير وغيرهما، ما يدل على أنه مل الاستماع إلى أغان تعتمد على البهرجة والعري. ثمة صحوة في الشارع المصري نتمنى أن تزداد في الفترة المقبلة». من ناحيته، يرى الشاعر ابراهيم عبد الفتاح أن «الساحة مليئة بالأغنيات الجادة والجيدة التي تداعب الوجدان وليس الغرائز، أفلتت بعيداً عن قبضة نجمات العري شكلاً ومضموناً، ما يؤكد دوما أن العملة الجيدة تطرد الرديئة ووحده العمل الجيد الصادق قادر على البقاء في الذاكرة».يعترف الملحن حلمي بكر بوجود «أغنيات هابطة زادت في هذا العصر، ما يؤكد أن الغناء هو المرآة التي يمكن عبرها رصد أحوالنا وأوضاعنا التي نعيش فيها، لا يهتم بعض نجوم الغناء، الذين طفوا على السطح أخيراً، بتقديم أغنيات تبقيهم على الخريطة طويلا ثم تؤهلهم للبقاء في الذاكرة، إنما يستغلون الفن للربح وتحقيق الشهرة، فكما صعدوا سريعا، سيهبطون الى القاع بالسرعة نفسها، ولا عزاء حينها للأغاني».يلقي بكر بالكرة في ملعب الرقابة «التي تتحمل العبء الأكبر في إجازة الأغنيات الرديئة على المستويات كافة، وليس على مستوى الكلمة فحسب.