عندما يصبح النسيان مؤلما

نشر في 04-03-2009
آخر تحديث 04-03-2009 | 00:01
 زاهر الغافري بعد أشهر ستكون قد مرت خمس سنوات على وفاة الشاعر الإماراتي علي العندل، وقتها كنتُ أقيم في السويد، ولم تصلني سوى معلومات شحيحة عنه، هل أقول انني نسيتهُ في زحمة الاشتراطات الحياتية هذه! رغم ذلك، كنتُ غالباً ما أسأل عنه عندما كنت أذهب الى الامارات.

يبدو لي أن الكتابة عن الموتى، رثاء للذات أكثر مما للميت، انه احساس بفقدان ما، لقد ودّعتُ في السابق كثيراً من الأصدقاء، كأن الأمر كله دوران عبثي في حلقة خرساء، وعندما أهداني الشاعر قاسم حداد كتابه الشعري (قبر قاسم) قبل سنوات، قلتُ في سري: أرجوك هذا لا يُحتمل.

لكن علي العندل، تركنا ورحل باكراً، رحل ذاك الفتى كما لو كان يعبر النهر الذي لن يعود منه أحد، رحل من دون أن يترك تفاصيل عما حدث له وكيف ومتى؟ مع انني مازلتُ أتخيل انه ذهب في رحلةٍ قصيرة وسرعان ما سيعود الى بيته. على الارجح أن علي العندل، لم يكن يطيق نفسه ولا العالم، كأنه جاء بالصدفة، ورحل بالصدفة، وما كان يعنيه ويبحث عنه لم يجده، لا في العائلة ولا في محيط أصدقائه، أعزل؟ نعم، ولم يكن يملك قوة العيش، لكنه امتلك بالتأكيد قوة الحياة حتى فاضت هذه الأخيرة من روحه، قرفاً.

كانت ابتسامته الغامضة، المحيّرة قليلاً، المنتشية والخجولة كأنها ابتسامة ضبابية. كان علي العندل شاعراً، هادئاً، من الخارج على الأقل، من معرفتي به، وكان في لحظات التجلي الخاصة به، يحب الحديث، لكن بلطافة.

أحياناً كان يسعى إلى لقائي عندما يسمع أنني في الامارات، كان يأتي وكان يقرأ لي من نصوصه وشذراته، لم يكنْ يطلبُ رأياً، كان فقط يريد أن أسمعه.

على الارجح أنه لم يكُن يهتم لا برأيي ولا بآراء الآخرين، كان يكفيه ان تقرأ قصائده فحسب، قال لي مرة انه مهتم بالفلسفة، لكن هذه الأخيرة لم تنقذه أيضاً.

كان علي العندل عبر الانطباع العام الذي أتذكره في شعره، مطيّر صور من دون نسق كبير، كما لو كنا نقول مطيّر حمام الذي يعود في الأخير الى سكينة المنزل، ما أعرفه أن علي العندل كان يسكن ويرتاد أمكنة شعبية، مظلمة هو الذي تَخرّج في جامعة العين بداية الثمانينيات.

على كل حال عندما رأيتُ علي العندل في سنواته الأخيرة، كان حزيناً، وذات ليلة عرفني (على ما أذكر) على ابنه والمنزل الذي كان يُقيم فيه، وأذكر أنني كنتُ أشجعه للخروج من مأزق كان يراه وجودياً، بينما كنتُ أراه تدميراً للذات.

عرفت لاحقاً أن علي العندل كان يُهيئ مجموعة شعرية للطبع، لكنني لا أعرف أين انتهت هذه الجهود؟ اتمنى أن يظهر أحد من أصدقائه ويجمع تلك النصوص لتقديمها للنشر.

back to top