نقد الذات دون جلدها!

نشر في 21-10-2008
آخر تحديث 21-10-2008 | 00:00
 د. عمرو حمزاوي في الأيام الماضية بدأت في محاسبة ذاتي مهنياً على مجمل أدائي الأكاديمي والإعلامي منذ بدأ عملي في مؤسسة كارنيغي عام 2005. وقد نشرت لي صحيفة «الحياة» اللندنية وأسبوعية «الأهرام ويكلي» المصرية مقالتين في هذا الإطار أثارتا العديد من ردود الأفعال بين القراء، وهو ما يشجعني اليوم على إعادة طرح بعض أفكار النقد الذاتي على قراء «الجريدة». فنحن ككتاب ومحللين نقدم للرأي العام وصفات جاهزة ومتكاملة لفهم المطروح من القضايا تبدو وكأن الباطل لا يأتيها من بين يديها أو من خلفها ومن ثم يصبح من حق القارئ علينا أن نخبره حينما نعيد حساباتنا أو نكتشف أوجه مهمة للقصور.

بدايةً ومع أن قضايا الديمقراطية والحريات السياسية وحقوق الإنسان في بلاد العرب شغلت الشق الأكبر من جهدي الأكاديمي، إلا أن قناعتي اليوم هي أن تناولي لها شابه التركيز المخل على تساؤل وحيد هو كيف يمكن لحركات المعارضة غير العنفية توليد ضغوط كافية على النخب السلطوية الحاكمة لإنجاز تحول ديمقراطي حقيقي مفرداته تداول السلطة والمنافسة والانتخابات الدورية؟ هنا لم التفت طويلاً لطبيعة المعارضات، إسلامية كانت أو ليبرالية ويسارية، ولبناها التنظيمية وممارساتها ومدى قربها أو بعدها عن الجوهر الديمقراطي وتداعيات كل ذلك المباشرة على أدوارها السياسية. الافتراض بأن مجرد تواجد حركات معارضة هو خير في حد ذاته ورافعة لفرص التحول الديمقراطي عربياً رتب قصوراً واضحاً في العديد من كتاباتي التي عجزت عن تناول التحديات المرتبطة بمعارضات تغيب عنها الديمقراطية الداخلية ولا تلتزم في ممارساتها العلنية بقيم التعددية ومدنية الحياة السياسية واحترام حق الآخر في الوجود.

على صعيد ثان، كثيراً ما خشيت التطرق في كتاباتي الصحفية ومداخلاتي عبر الفضائيات العربية إلى أمور رأيتها دوماً أساسية وتطور لي منها مواقف واضحة تتسق مع إيماني بالقيم الليبرالية. فلم أقو إلا فيما ندر على تناول مسألة العلمانية وحتميتها كإطار أوحد لممارسة الديمقراطية والتعددية وضمان الحرية الدينية. لم أتمكن كذلك من توظيف المساحة الإعلامية المتاحة لي سواء للدفاع عن معتقلي الرأي والضمير، وبهم تمتلئ العديد من السجون العربية، أم لتبني قضايا وحقوق المجموعات المضطهدة بين ظهرانينا ابتداءً بالنساء مروراً بالأقليات الدينية والعرقية وانتهاءً بضعفاء المواطنين من الفقراء. والحقيقة هي أنني أردت أن أبدو أمام القراء والمشاهدين العرب بصورة الباحث الملتزم بقيم الديمقراطية دون المخاطرة بإغضابهم بطرح قضايا أؤمن بها كالعلمانية أضحت للعديد من الأسباب سيئة السمعة بينهم ومع مراعاة الخطوط الحمراء للنظم العربية خوفاً على حريتي الشخصية. والمحصلة هي مستوى من الاستخفاف في التحليل والوقوع في براثن مأزق التزام حدود المقبول الخانق للإبداع.

أخيراً، تورطت تليفزيونياً في بعض الأحيان في مسايرة سطحية للاتجاهات الغالبة في الرأي العام العربي بالرغم من تحفظاتي عليها وحقيقة اضطراب أفكاري حولها. فقسوت على الغرب واختزلت سياسة الأميركيين والأوروبيين في عالمنا في ركض مستمر وراء مطامعهم. ولم تشفع لا الحوارات مع صناع القرار في العواصم الغربية ولا الأجواء المتوازنة هناك للنقاش السياسي حول شؤون العرب لأخذ الحذر والاحتياط قبل التعميم. استبعدت كذلك صدق توجه بعض النخب العربية الحاكمة نحو إحداث نقلات نوعية مهمة في البناء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لمجتمعاتهم والتحديث التدرجي لمؤسساتها بصورة قد تدفع في المستقبل القريب إلى تحولات ديمقراطية حقيقية. نعم كان ومازال لدي من الشواهد ما يكفي لاستبعاد صدق النوايا والتوجه في بعض الحالات كتونس ومصر والأردن واليمن، إلا أن قرائني ودلائلي شحيحة للغاية حين النظر إلى المغرب والكويت على اختلافهما. هنا أيضاً أنتج التعميم طابعا تلفيقيا اعترى التحليل وسلسلة من الالتباسات الإضافية ربما خدعت المشاهد لتوافقها مع قناعاته الغالبة.

هذه المحاولة الأولية لنقد الذات والبحث عن معالجة أدق لمشكلات العالم العربي ستثريها بكل تأكيد تعليقات القراء وآرائهم، فلا تبخلوا عليَّ بها.

* كبير باحثين بمؤسسة «كارنيغي» للسلام الدولي- واشنطن

back to top