إنما المؤمنون إخوة

نشر في 13-04-2009
آخر تحديث 13-04-2009 | 00:00
 د. حسن حنفي في هذا الوقت الذي يضع فيه كل فلسطيني وعربي ومسلم يده على قلبه وأنظاره إلى القاهرة لمعرفة نتيجة الحوار الفلسطيني الفلسطيني خصوصا بين «فتح» و«حماس» تستدعي الثقافة الوطنية مع مفاهيم الصلح والخصام مفهوم الأخوة. فقد ورد لفظ «أخ» بكل مشتقاته في القرآن الكريم ستاً وتسعين مرة أي أنه موضوع رئيسي، بل إن اللفظ يتردد أكثر من لفظي «صالح» و«خاصم». ويرد لفظ «الأخ» إيجابا بستة معان: الأول أخوة النبي لقومه. فالنبي أخ لبني قومه، «وَإلَى عَادٍ أخَاهُمْ هُوداً»، «وَإلَى ثَمُودَ أخَاهُمْ صَالِحاً»، «وَإلَى مَدْيَنَ أخَاهُمْ شُعَيْباً»، «إذْ قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ نُوحٌ»، «إذْ قَالَ لَهُمْ أخُوهُمْ لُوطٌ». فالنبوة أخوة، والأخوة من النبوة. والإخوة والأنبياء لا يتقاتلون بل يتكاملون، والنبوة نموذج للسلوك الفاضل.

والثاني الأخوة للنبي مثل أخوة هارون لموسى، يخلفه من بعده حتى يعود موسى من تعبده في سيناء، ويغضب منه عندما يجد قومه قد عادوا إلى عبادة العجل، وأخو النبي نبي مثله «وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا». وأحيانا يسمى وزيرا، «وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا». ولكل آيات وسلطان «ثُمَّ أرْسَلْنَا مُوسَى وَأخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ». وقد دُعيا كلاهما إلى السكن بمصر «وَأوْحَيْنَا إلَى مُوسَى وَأخِيهِ أنْ تَبَوَّأا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا». ولما استخلف موسى أخاه «وَقَالَ مُوسَى لأخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي» عصاه قومه ولم يستطع هارون الحفاظ على إيمانهم، فعبدوا العجل وعاد موسى غاضبا، وأخذ بلحية أخيه وألقى الألواح التي دونت بها التوراة «وَألْقَى الألْوَاحَ وَأخَذَ بِرَأسِ أخِيهِ يَجُرُّهُ إلَيْهِ»، فبنو إسرائيل يعصون الأنبياء ويعودون إلى طبيعتهم الوثنية إذا ما تركهم النبي أو توفي.

والثالث أخوة المؤمنين جميعا بعضهم لبعض «إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ»، فلا يجوز الخصام بينهم، ولا يجوز الفصال والقطيعة، هؤلاء في الضفة وهؤلاء في القطاع «وَإنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ». والله يساعدهم، وينزع ما في قلوبهم من غل «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ»، ويؤلف بينهم «فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً».

والرابع الأخوة علامة الإيمان حتى بعد الكفر والتوبة «فَإِنْ تَابُوا وَأقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإخْوَانُكُمْ»، فالإيمان مقياس الأخوة وليس المصلحة أو السلطة أو الثروة أو الاحتجاج والتذرع بالضعف والموازين الدولية «الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أطَاعُونَا مَا قُتِلُوا» أو القعود بدعوى الإعاقة «قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا» أو النفاق وتناقض القول والعمل «ألَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا».

والخامس لا فرق بين الإخوة في الجنس، ذكر أم أنثى، فالأخت مثل الأخ مثل أخت هارون أي مريم «يَا أخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أبوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أمُّكِ بَغِيّاً». وتسير أخت موسى لترشد القوم على من يكفل الطفل، «إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ».

والسادس الإخوة في الميراث، فالأسرة واحدة، والإخوة، ذكرا أم أنثى، من نظام القرابة، فلكل منهما نصيب من تركة الأب «وَلَهُ أخٌ أوْ أخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ» وكذلك بنات الأخ وبنات الأخت. ومع الميراث الزواج، وعدم جواز الجمع بين الأختين، وتحريم الأمهات والبنات. فالأخوة رابطة طبيعية تسبق المصاهرة.

ويفيد لفظ الأخ سلبيا أيضا بستة معان:

الأول ما فعله قابيل بأخيه هابيل بقتله غيرة وحسدا وهو ما يحدث أحيانا بين الفلسطينيين من «فتح» و«حماس»، «فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ». بل إنه لم يشعر بضرورة مواراته التراب كما فعل الغراب «فَبَعَثَ اللهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أخِيهِ». وربما هذه الخطيئة الثانية قتل الأخ لأخيه أهم من الخطيئة الأولى، الأكل من الشجرة المحرمة.

والثاني عداوة إخوة يوسف ليوسف وكراهيتهم له لمحبة أبيه له «إذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأخُوهُ أحَبُّ إِلَى أبِينَا»، ووضعه في البئر ثم إنقاذه وبيعه إلى منزل فرعون، ثم اتهام إخوته لأخيه الثاني بالسرقة «قَالُوا إنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ». فقد نزغ الشيطان بين يوسف وإخوته «مِنْ بَعْدِ أنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إخْوَتِي».

والثالث الجشع، رغبة ممن له تسع وتسعون نعجة أن يستولي على نعجة أخيه الواحدة «إِنَّ هَذَا أخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ». الأخوة تعني المشاركة والمساواة، والعطاء وليس الأخذ، والكثير يذهب إلى القليل، وليس القليل الذي يذهب إلى الكثير.

والرابع غيبة الأخ لأخيه أو التعريض به علنا في أجهزة الإعلام وتشويه صورته «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أيُحِبُّ أحَدُكُمْ أنْ يَأكُلَ لَحْمَ أخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ»، وإعطاء الأولوية للخلاف بين الإخوة على الاتفاق بينهم، ونسيان أن بين الإخوة هناك حق موضوعى، يرمز إليه الإيمان بالعقيدة والوحي والعمل الصالح.

والخامس إخوان الشياطين الذين يفرقون أكثر مما يجمعون، وينفرون أكثر مما يوحدون والذين يبذرون في ثروات الأوطان بدلا من المحافظة عليها «إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيَاطِينِ» هم الذين يجعلون الشيطان فيما بينهم وليس الحق أو الأخوة في الدين «فَإنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ».

والسادس الكافرون والمخادعون الذين يفضلون الحزب على الحق، والفصيلة على الوطن «لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإخْوَانَكُمْ أوْلِيَاءَ إنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ»، وسماع صوت الأخ مشروط بسماع صوت الحق «وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ».

ومع ذلك على كل أخ مسؤولية فردية، «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أخِيهِ»، «وَصَاحِبَتِهِ وَأخِيهِ». فلا ذريعة بالجماعة أو المذهب أو الطائفة. إن هذه الأخوة تمنع من الخلافات القطرية في فلسطين والعراق والسودان ولبنان والصومال واليمن كما تمنع من الخلافات العربية وسياسة المحاور بين مصر والسعودية والأردن والمغرب من ناحية وسورية و«حزب الله» وإيران من ناحية أخرى. الأخوة تآلف وتوحد، والمحاور تفرق وصراع. الأخوة من الله، والتنازع من الشيطان.

* كاتب ومفكر مصري

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top