بوز اند كومباني: على دول الخليج الانتقال من الاقتصاد التضخمي إلى التطور المستدام
تعاني المنطقة تضخماً ضمنياً، فالثقة الضعيفة بأرقام التضخم الرسمية أو بقدرة صانعي السياسات على الحفاظ على استقرار الأسعار، تدفع العمال إلى المطالبة بأجور أكبر، ما يُترجَم بتكاليف إنتاج عالية وأسعار مرتفعة، بذلك، يصبح التضخم نبوءة تتحقق من تلقاء نفسها.قد تؤثر الأزمة الاقتصادية والمالية المتفشية في العالم أكثر في الدول التي لم تفلح في إيجاد وسائل جيدة لمعالجة التضخم، ففي حين كان حجم التضخم يتعاظم أكثر فأكثر في مجموعة البلدان الـ7، كما في الأنظمة الاقتصادية النامية، سُجَّل أعلى مستوى ارتفاع في معدل التضخم في الأنظمة الاقتصادية الغنية بالهيدروكربون في بلدان مجلس التعاون الخليجي.
يجعل التضخم بلدان مجلس التعاون الخليجي عرضة للصدمات الاقتصادية. ففي وقت شهدت منطقة مجلس التعاون الخليجي ازدهاراً بفضل التوسع الاقتصادي، والعائدات النفطية المفاجئة، وتدفق الرأسمال الأجنبي، قد تنكمش أنظمتها الاقتصادية بشكلٍ مفاجئ وتبقى مكبّلة بعض الوقت في حال سُجِّل انخفاض حاد ومهم في أسعار النفط، أو في الائتمان العالمي، ترافقه تأثيرات معدية دائمة. بالإضافة إلى ذلك، قد تتضاعف التهديدات التضخمية في حين يتّحد صانعو السياسات، للوقاية من الانكماش المطول من خلال تبنّي سياسات توسعية للاقتصاد الكلي.في هذا الإطار، يعلق ربيع أبو شقرا، وهو شريك في «بوز أند كومباني»، قائلاً: «وتستفيد البلدان التي تختار نموذج نمو التطور المستدام، وتتوصل بالتالي إلى إدارة التضخم واستقرار الاقتصاد الكلي، من سهولة دعم نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي، وتسترد عافيتها بسرعة بعد فترة الانقباض».هيكلة الاقتصادلذلك، إن هدف أي بلد هو هيكلة الاقتصاد بشكلٍ يسمح له بتقديم أداء جيد واسترداد عافيته بسرعة مهما حصل. يلقي هذا المقال الضوء على الأسباب الرئيسية للتضخم ويقترح مقاربة شاملة لصناعة السياسات التي من شأنها أن تساعد في استقرار الأنظمة الاقتصادية في ظل أي ظرف كان.السؤال العالمي الذي يطرح نفسه هو: كيف نعالج التضخم؟ فشلت كل التجمعات الاقتصادية المتطورة والنامية، بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، في تحقيق مستويات التضخم التي حددتها في مطلع هذه السنة. وحان الوقت لصانعي السياسات في الدول التي لا تتمتع بأنظمة قوية لمكافحة التضخم واستقرار الاقتصاد الكلي ليطوروا هذا النوع من الأنظمة.يقول ريتشارد شدياق، وهو شريك في «بوز أند كومباني»: «على مجلس التعاون الخليجي أن ينتقل من نموذج يتميز بنمو اقتصادي تضخمي إلى نموذج يشدّد على النمو من خلال التطور المستدام، بدءاً بمكافحة التضخم بشكلٍ شامل». ينبغي على المجلس دراسة الوسائل التي تخول الحكومات التأثير في التضخم، بما في ذلك السياسات النقدية، والمالية، وأسعار الصرف، وسياسة التدخّل في التجارة. السوق بهذه الطريقة، سيرسم إطار شاملاً لسياسات لمحاربة التضخّم، وهو إطار استقرار للاقتصاد الكلي.قياس التضخمقياس التضخم علمٌ غير دقيق. تدرك البلدان التي تدقق كثيراً في قياس التضخم أن طرق التقويم المختلفة تحقق أفضل النتائج في مراحل مختلفة من الدورة الاقتصادية. يمكن للرقم القياسي لأسعار الإنتاج، وهو قياس لمعدل التغييرات في الأسعار التي يحصل عليها المنتجون المحليون لقاء مردودهم، أن يكون بمنزلة مؤشر مهم لأنواع أخرى من التضخم، تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى بعض مؤشرات أسعار الصفقات الآجلة للسلع. تميل مؤشرات الصفقات الآجلة للسلع إلى أن تكون غير دقيقة بسبب مكوناتها التي قد لا تشمل كل العوامل الإنتاجية والديناميات الفعلية المناسبة لأي منطقة. وثمة مؤشرات أخرى تضعف التضخم، فيتم احتساب إجمالي الناتج المحلي المُخفِّض للتضخم عبر قِسْمة إجمالي الناتج المحلي الاسمي على إجمالي الناتج المحلي الفعلي. وفي حين يعطي إجمالي الناتج المحلي المخفِّض للتضخم نظرةً شاملة لارتفاع الأسعار، لا يسهل على المستهلكين فهمه. يُعتبَر الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك، مؤشرا آخر الى الضعف، وهو أكثر بديهية، بقياسه مجموعة ثابتة من السلع في ميادين كالإسكان، والنقل، والتغذية، والملابس. ويكون هذا القياس دقيقاً فقط في حال تم تحديثه باستمرار.أرقام قياسية لأسعار الاستهلاكشكّلت بيانات الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك أزمة في عدد من الأنظمة الاقتصادية النامية. الرقم القياسي لأسعار الاستهلاك، الخاص ببلدان مجلس التعاون الخليجي، مبني على مجموعة من السلع استُخدمت للمرّة الأولى في العامين 1995 و1996، ولم يتم تحديثها لتعكس التغييرات السكانية أو التوجهات الاستهلاكية الجديدة، ما تشير إليه الأرقام المسجَّلة في المملكة العربية المتحدة. بحسب صندوق النقد الدولي وغيره من السلطات المعنية، تراوحت أرقام التضخم في الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر ثاني أكبر نظام اقتصادي في مجموعة بلدان مجلس التعاون الخليجي، بين 15 و25 في المئة. وتشجع تقارير متضاربة عن المستوى الفعلي للتضخم على السلوك الذي يسيء الى الوضع، فيميل الناس إلى صرف أموالهم مخافة أن تفقد قيمتها بعد مدة قصيرة. وتفهم البلدان المتطورة اقتصادياً حدود قياس التضخم، وتستخدم أدوات عدة لتخفّف من إمكان أن تعطي إحدى طرق القياس معلومات خاطئة.سجّلت المملكة العربية السعودية وعُمان والإمارات العربية المتحدة أعلى ارتفاع في مستوى التضخم في مجلس التعاون الخليجي. تتشابه هذه البلدان من حيث النمو السكاني السريع، ونمو الرواتب المرتفعة، والإمدادات المحدودة في مجالات أساسية كالإسكان، والأنظمة المالية غير الناضجة نسبياً، كما أن معدلاتها للتضخم مترابطة بشكلٍ كبير. وبحسب شادي ن. مجاعص، وهو مدير في «بوز أند كومباني»، «ثمة ضغوط تضخمية إقليمية لا يمكن لكل بلد على حدة القضاء عليها، ما يحتّم على بلدان مجلس التعاون الخليجي معالجة مشاكلها التضخمية على مستوى إقليمي، عوضاً عن المستوى المحلي».أسباب التضخم الأساسيةيُعزى التضخم في البلدان النامية إلى ثلاثة أسباب أساسية، فينتج التضخم الجاذب للطلب عن فترة طويلة من التوسع الاقتصادي، والعائدات النفطية المفاجئة، وتدفق الرأسمال الأجنبي، والطلب المتزايد على المدخلات. ويترافق ذلك مع التضخم الدافع للإمدادات الناتج عن ارتفاع أسعار المدخلات، ونقص في إمدادات المنشآت، وارتفاع الأجور الحكومية، وزيادة أسعار الإيجارات. وتعاني المنطقة أيضاً تضخماً ضمنياً، فالثقة الضعيفة بأرقام التضخم الرسمية أو بقدرة صانعي السياسات على الحفاظ على استقرار الأسعار، تدفع العمال إلى المطالبة بأجور أكبر، ما يُترجَم بتكاليف إنتاج عالية وأسعار مرتفعة، بذلك، يصبح التضخم نبوءة تتحقّق من تلقائها.غياب التوازن بين العرض والطلب يزيد التضخم غالباً ما يكون تضخم السلع والخدمات، الناجم عن النمو السكاني، المساهم الأكبر في ارتفاع الأسعار في الأنظمة الاقتصادية النامية. وهذا ينطبق على مجلس التعاون الخليجي، حيث غياب التوازن بين العرض والطلب مسؤول عن أكثر من نصف التضخم الإقليمي. ارتفعت أسعار السكن والغذاء بشكل كبير في هذه البلدان وفي الإمارات العربية المتحدة، كذلك ارتفعت الإيجارات بشكلٍ ملحوظ خلال المدة الأخيرة. «بقيت الإيجارات في الإمارات العربية المتحدة مرتفعة على الرغم من محاولات تحديد سقف لارتفاع الإيجارات. وهذا مثال ليس بالغريب على بلدان مجلس التعاون الخليجي، عن صنع السياسات الاقتصادية الضيقة التي تؤدي إلى نتائج عكسية عندما تُفصَل عن إطار سياسة الاقتصاد الكلي الشاملة والذي يمكن الاستفادة منه أيضاً لاستقرار النشاط الفعلي أو تعزيزه» على قول الشريك الرئيسي في «بوز اند كومباني» مازن رمزي النجار.حكومات الخليج تفتقد أدوات حماية السيولة الزائدةالتضخم النقدي مسؤول عن ربع حالات التضخم في بلدان مجلس التعاون الخليجي. والحال أسوأ في المجالات التي لم يضعها صانعو السياسات على لائحة أولوياتهم، اذ ليست لديهم الأدوات اللازمة لحماية السيولة الزائدة، في مجلس التعاون الخليجي، تنتج السيولة الزائدة عن العائدات النفطية، والاستثمارات الأجنبية، والأرباح الرأسمالية. وعلى نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي (نمو إجمالي الناتج المحلي الاسمي المعدَّل للتضخّم) أن يتناسب على الأقل مع النمو في الإمدادات المالية الخاصة بالاقتصاد المعني بعد الأخذ في الاعتبار التغير في سرعة تدفق المال. عندما لا يحصل ذلك، إلى جانب الندرة في أدوات التوفير، تميل أسعار السلع الاستهلاكية إلى الارتفاع. وقد أدى ذلك إلى مشكلة لبلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث تخطّى نمو الإمدادات المالية نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي خلال السنوات الـ15 الأخيرة، بنموّه بسرعة تفوق بثلاث مرات نمو إجمالي الناتج المحلي الفعلي في العامين 2006 و2007.