د. نصر واصل مفتي مصر الأسبق: أرفض محاولات تأميم الفتوى
د. نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أحد رجالات العلم الشرعي المتفردين في العالم الإسلامي والذين أخذوا على عاتقهم مواجهة الحملات التي تتربص بالإسلام وتفنيد شبهاتها بشكل علمي يرتقي بوضع العالم المسلم في المحافل الدولية والمحلية، وهو أحد علماء المسلمين المتميزين بقول الحق ولا يخشون في الله لومة لائم، لديه العديد من الآراء المتعلقة بالمعاملات الإسلامية وكيفية النهوض بالدولة المسلمة من خلال عصب التقدم الحالي الممثل في دفع الاقتصاد الإسلامي، يرفض ما يُسمى بمحاولات تأميم الفتوى لكنه يرى أن الدعوة الإسلامية يجب أن تعيش في ظل الحكومات الإسلامية حتى يمكن تقويض الفتنة، وغير ذلك من الآراء التي ناقشتها معه «الجريدة» في سياق الحوار التالي:
● بين حين وآخر تصدر فتاوى مثيرة للجدل وهو أمر يستغله أعداء الإسلام فكيف السبيل إلى مواجهة التضارب في الفتاوى؟- لنتفق أولاً على أن الشريعة الإسلامية لا تمنع الاجتهاد وعلى أنها لديها متسع للآراء حتى أن المفتي لا يمكن أن يفرض رأيه على الجميع، والإسلام شرع لكل مسلم أن يذهب إلى المفتي أو العالِم الذي يطمئن له قلبه ويستفتيه في الرأي الشرعي ولذا نرفض الرأي القائل إن تضارب الفتوى يجب أن يحل بتأميم الفتوى، لأن هذا أمر لا يليق على الإطلاق، فتأميم الفتوى بمعنى أن تحدد الدولة من له حق إفتاء الناس سيؤدي إلى وجود نوع من المفتين السريين والفتاوى السرية، وهو أمر سيشكل خطراً على الاستقرار الاجتماعي في المجتمع المسلم، ولكن هذا لا يعني أنه لا توجد فتاوى شاذة وغريبة يساهم بثها في تشويه صورة الإسلام، ومن الممكن في هذا الإطار أن يتم وضع قانون يحدد الشخص الذي يحق له الفتوى وفي الوقت نفسه علينا أن نعيد إلى الوجود وإلى ثقافتنا الدينية القول المأثور “من قال لا أدري فقد أفتى”, فلا يجوز أبداً لمسلم أن يقول في دين الله ما لا علم له به فالله تعالى يقول “وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِن الذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ” والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول “ومن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار” والإمام مالك رضي الله عنه كان يقول “من فقه العالِم أن يقول لا أعلم”.* ما رأيك في الفتاوى التي تملأ مواقع شبكة الإنترنت؟- بعض الفتاوى الواردة على الإنترنت والمتعلقة بالمشكلات الحياتية مشكوك في صحتها ويرجع ذلك إلى عدم معرفة المفتي نفسية المستفتي في القضية التي يسأل فيها، وهو ما قد تترتب عليه الإجابة بشكل خاطئ عن السؤال. إنني من الرافضين لأن تكون هناك فتوى مباشرة عبر الإنترنت، فالمفتي لا يستطيع أن يفتي إلا إذا سمع من المستفتي، حتى يستطيع أن يسأله عن أمور متعلقة بالقضية التي يسأل فيها، وبالتالي يستطيع أن يعطيه الإجابة الصحيحة.● أصبح مجال الإفتاء مفتوحًا أمام كل إنسان للإدلاء فيه بدلوه، حتى وإن كان غير مؤهل لذلك فما تعليقك؟ - من يفتي بغير علم فكأنما ذبح بغير سكين ونستشهد في ذلك بقول عبدالله بن عمر رضي الله عنه “أتريدون أن تجعلوا ظهورنا جسورًا على متن جهنم، وتقولون: أفتانا بهذا بن عمر”، وعلى من يقدم نفسه على أنه “مفتي” أن يتقي الله في دينه ونفسه وفي غيره، وألا يفتي إلا إذا كان متأكدًا من فتواه، وألا يستعمل سلاحًا إلا إذا أحسن استخدامه، وأن المفتي مثل القاضي لابد أن تكون لديه ملكات يستطيع من خلالها الإسقاط على الواقع، مما لديه من علم في الأحكام والقضايا التي يُسأَل بشأنها، ومعرفة ما يوازي كل واقعة من أحكام، فالمفتي في المقام الأول والآخر إنسان عرضة لأن يخطئ ويصيب في إطلاق فتواه، ومن المهم أن يراعي كل من يفتي وجه الله.* يأخذ كثير من الناس على بعض العلماء انحيازهم الدائم لرأى الدولة الرسمي حتى ولو لم يكن هذا الرأي صواباً, فكيف يستطيع علماء الإسلام تخطي هذه العقبة؟- لست من أنصار افتعال الخصومات مع الحكومات والدعوة الإسلامية يجب أن تعيش في ظل الحكومة وإلا سيتحول الأمر إلى مواقف من الفتنة والصراع الدموي، والحاكم ما هو إلا فرد من الشعب، وعندما يكون الشعب على بصيرة في أمر دينه وعلى وعي بحقوقه سيكون الحاكم على شاكلته كما قال الله تعالى “وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا”، فالحاكم ما هو إلا فرد من المجتمع وصلاح المجتمع يفرز الحاكم الصالح والعكس صحيح، وإذا كانت هناك أهمية خاصة لقيادة الحاكم للدعوة الإسلامية على أساس أنه أقرب وأسرع للتأثير ولإنجاح الرسالة، إلا أن هذا لا يمنعنا أن نربي الشباب ونثقف الأمة ونبعث فيها عوامل التدين ونشجعها على الاستقامة. اللوم الواقع على بعض العلماء هو النفاق الذي قد تتبناه قلة منبوذة من الله ومن الناس، والشعوب بحسها الفطري تستطيع أن تدرك الفارق بين كلمة الحق وكلمة النفاق.● يحاول بعض المستغربين عزل الإسلام وتشريعاته عن حياتنا العملية ويدعون أن الإسلام دين عبادة وتهذيب للأخلاق ولا ينبغي أن نقحمه في مجالات المعاملات الاقتصادية ومشكلات الحياة المتجددة والمتقلبة بماذا تردون على هؤلاء؟ - الإسلام لم يترك شيئاً في دنيانا إلا وعالجه ووضع الضوابط الصحيحة له و قد عالج كل الأمور الدنيوية, وهنا يجب أن نشير إلى اهتمام الإسلام بالاقتصاد كأحد أركان الدولة، والذي يحاول العلمانيون الزعم بأن الإسلام لم يضع منهجاً اقتصادياً قويماً ومردود عليهم في هذا المجال بأن الإسلام اهتم بالاقتصاد اهتماماً كبيراً والدليل على ذلك أن المسلمين الأوائل أقاموا دولة قوية ليس عسكرياً فحسب بل اقتصادياً أيضاً، فالإسلام اهتم بالاقتصاد كركن مهم بل هو أهم ركن تقوم عليه الدولة القوية ونحن في عصرنا الحالي مثلاً نجد أن قوة الدول تقاس بقوة اقتصادها فإذا كان اقتصاد الدولة قوياً كانت الدولة قوية وإذا كان ضعيفاً كانت الدولة ضعيفة، كما أن الإسلام عمل على أن يقتطع الأغنياء الذين تفيض أموالهم ويمضى عليها عام جزء من هذه الأموال كزكاة وتطهير لها وهم بذلك يراعون الفقراء الذين لا يملكون من الدنيا شيئاً فأوجب على هؤلاء الأغنياء زكاة المال من الفائض من الأموال لديهم رعاية للشق الأغلب من الأمة حتى لا يزداد الحقد بين الفقير والغني وحتى يتجنب المجتمع المسلم ثورة الفقراء، وبالتالي يتهدم الاقتصاد في الدولة ولا ننسى أن سيدنا عمر رضي الله عنه كان أول من التفت إلى خطورة ثورة الجياع وذلك عندما أوقف تنفيذ حد السرقة في عام الرمادة وعندما قيل له “ يا عمر كيف توقف حداً من حدود الله سبحانه وتعالى قال “أنا لا أقدر على قطع يد فقير لا يجد قوت يومه فإذا أغنينا فقراء المسلمين وسرقوا أقمنا عليهم الحد وقطعنا أيديهم” كل هذا يؤكد أن الإسلام عالج بالزكاة مشكلة اجتماعية في غاية الخطورة على أي مجتمع ألا وهي مشكلة الفقر، وهي مشكلة كبيرة فالزكاة تمنع أن تقوم فئة ما بالاستيلاء على أموال الأغنياء وتحول الأملاك الخاصة إلى أملاك عامة مما يؤدي إلى تحول الدولة إلى ما يعرف بالشيوعية, كما أن الزكاة عالجت أي اتجاه لسيطرة وتضخم الرأسمالية في الدولة الإسلامية فبدون الزكاة تتضخم الرأسمالية ويطغى أصحاب الأموال ويتملك جزء من أفراد الشعب معظم الثروة ويتحكمون بذلك في مستقبل أوطانهم، أي أن التشريعات الإسلامية وضعت نظاماً اقتصادياً وسطاً قادراً على إنهاض الأمة الإسلامية.● من السلبيات على الساحة الإسلامية اليوم التعصب المذهبي فكيف نواجه هذه الآفة الخطيرة؟- التعصب المذهبي وصل إلى حد الاقتتال والتنافر مثلما يحدث في العراق وتتصاعد في لبنان بين الحين والآخر، ويجب أن نضع في حسباننا أن تصدير الفرقة والخلاف المذهبي من طبيعية الاستعمار وأعداء الإسلام على مر التاريخ، لأنهم يدركون أن توحد المسلمين لن يكون في صالحهم، وأن فرقة المسلمين هي الأمر الوحيد الذي يتيح لهم السيطرة على البلدان الإسلامية ونهب ما فيها من خيرات وثروات وعلى هذا فنحن في حاجة فعلية لنبذ هذا التعصب وعلى علمائنا ودعاتنا ووسائل الإعلام الإسلامية أيضاً العمل على دفع الوحدة الشعورية والعاطفية بين المسلمين في كل أرجاء الأرض على اختلاف مذاهبهم وقومياتهم والتأكيد على أن الشيعي مسلم والسني مسلم، والاثنان لهما الهوية ذاتها والانتماء الإسلامي نفسه.