الأب في الأدب قناع التراجيديا الإنسانيّة!
مجّد الروائي والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو صورة والده فقال، «والدي ذلك البطل ذو الابتسامة العذبة». مضى الى أبعد من الأب ليمتدح في صفاء صورة الجد. قال الشاعر الألماني نوفاليس إن الطفل لا يشعر بالأمان الا في غرفة الأب، فيما كتب الشاعر الفرنسي مونترلان ان «غضب الاب يظل اكثر حنانا بكثير من الحب الحنون الذي يكنه الإبن لأبيه». عبرت الشاعرة مدام دوستايل عن حبها لأبيها بقولها «ما أحببت غير الله، وأبي، والحرية»، فيما اعتبر روسو أن «أباً واحداً خير من عشرة معلمين». قال أيضا «من لا يستطيع أن يقوم بواجب الأبوة، لا يحق له أن يتزوج و ينجب أبناء». أما سوفوكليس فقال: «ليس هناك فرح أعظم من فرح الإبن بمجد أبيه، ولا أعظم من فرح الأب بنجاح ابنه». اعتبر الشاعر الالماني غوته ان «الأب وحده الذي لا يحسد ابنه على موهبته». في المقابل قال المسرحي الفرنسي انطونان ارتو جملة باتت مثالا حين قال «عشت 27 عاما في كراهية غامضة للأب». ويحكى عن الروائي اوسكار وايلد أنه قال: «على المرء ان يقتل اباه دائما». لنتأمل قليلاً صورة الأب في بعض الروايات العربية والعالمية: صور الروائي اللبناني سهيل ادريس والده بأنه كان يصطحب طفلا اشقر الى غرفته ويغلق الباب، صورة صادمة لانها واقعية ويقولها شخص يرفع شعار الادب الملتزم، وقد سأل بعضهم هل ينتقم ادريس من والده من خلال الكتابة؟
اختار الروائي المصري الراحل نجيب محفوظ شخصية الأب في «ثلاثيته» ليعبر عن الواقع المصري، تراوحت صورة الأب لديه من الحنان الى الفظاظة الى الاهمال... تُظهر «الثلاثية» التسلسل الأسري وتغلغل السلوك الموروث في شخصية البطل الذي يأخذ من جده الحلم والأسطورة من أمه، والغموض والإبهام من أبيه. تعكس مدى تأثر محفوظ بالواقع الاجتماعي المصري. والتجربة الإنسانية في الحياة التي عاشها أبطال الثلاثية عبر أجيالها الثلاثة: جيل ما قبل ثورة 1919 وجيل ثورة 1952 ثم جيل ما بعد الثورة، وصارت بها أمينة، الزوجة المطيعة على الدوام لفرمانات زوجها «سي السيد» أحمد عبد الجواد، عنوانا لكل زوجة اتخذت الهوان والضعف والخنوع سبيلا للبقاء على قيد الحياة.ثلاثيَّة محفوظفي الجزء الأول من الثلاثية، يصور «سي السيد» البطل - الأب، شخص قوي ومخلص في كل ما يفعله ويعتنقه، ويقود أسرته بالقيم والمثل القاسية، تركع زوجته تحت قدميه، هو يستيقظ ويسترجع مشاهد سهرته مع السلطانة وزبيدة، لا يلبث أن ترسم على وجهه علامات الشدة، وحينما خرجت زوجته من دون إذنه، زارت فيها الحسين، كان مصيرها أن تذهب إلى بيت أمها. لحظة الرعب الحقيقية هي لحظة الإفطار: يجلس «سي السيد» وينادي أبناءه الثلاثة الذين يقفون ينتظرون النداء، وما أن ينتهي ويخرج يبدأ صراع الأبناء على الأطباق. في الجزء الثاني من الثلاثية «قصر الشوق»، يعرض الكاتب الجيل الثاني للأسرة، الممزق بين الشك واليقين. أما في الجزء الثالث فيعرض حياة الجيل الثالث لأسرة السيد أحمد عبد الجواد، المنقسم الى شطرين: أحدهما اتجه يساراً واعتنق مبادئ الشيوعية ممثلاً بأحمد ابن خديجة، والآخر اتجه يميناً بانضمام الابن الثاني إلى الإخوان المسلمين.كافكاصوّر نجيب محفوظ الواقع من خلال شخصية الأب احمد عبد الجواد، اما الروائي التشيكي فرانز كافكا فيمكن ايجاز قصصه بأنها محاولة للهرب من ابيه، مع ذلك هو لم يهرب تماما لان اعتذراه يتخذ شكل «رسالة الى والدي». كانت الحياة مستحيلة من دونه، واستحالتها بوجوده. هكذا رغب في قطع علاقته نهائيا بأبيه، وساعدته علاقته بعشيقته دورا في الانفصال عن اهله من دون ان تنقطع علاقته بشقيقته التي يحبها بقوة. في قصة «المحاكمة» لكافكا، يخبر ابن اباه عن خطوبته، ويطلب منه ان يقتل نفسه فيستجيب لرغبة ابيه بكل طاعة. تمثل «رسالة إلى الوالد» تصفية حساب عامة، لا تعرف الرحمة، ليس مع والده فحسب، وإنما مع نفسه أكثر. وهي، وإن لم تصل إلى المرسلة إليه، ظلّت ذات أهمية بالغة لكاتبها، وطبعها بيده على الآلة الكاتبة (باستثناء الورقة الأخيرة). في دراسته بعنوان «منذ بدء تاريخ البشرية»، كتب الناقد فيلهم أمريش: «كتب فرانز كافكا رسالة إلى الوالد عندما كان في السادسة والثلاثين من عمره، وقبل وفاته بنحو خمسة أعوم. كان يقف أنذاك (عام1919)، في ذروة إبداعه الأدبي، إذ كان قد كتب قصص «الحكم» و«المسخ» و«في مستعمرة العقاب» ومجموعة القصص القصيرة التي صدرت في العام نفسه بعنوان «طبيب ريفي»، بالإضافة إلى روايتي «المفقود» و«المحاكمة» ونصوص أخرى. لذا يبدو مما يثير العجب أكثر أن يقوم كافكا في مثل هذا الوقت، الذي كان يتمتّع فيه بقدرة عالية على الإنتاج الأدبي، بمثل هذه المحاكمة الرهيبة مع والده ...».ليس من قبيل الصدفة أن تعالج ثلاثة من أروع الأعمال الأدبية: «الملك أوديب» لسوفوكليس، «هاملت» لشكسبير و«الاخوة كارامازوف» لدستويفسكي، موضوع «قتل الأب»، مشيرة الى ان الدافع هو المرأة الام. البطل في الاسطورة الدرامية اليونانية، هو الذي يرتكب الجريمة»، الملك أوديب» تراجيديا إغريقية مثلت للمرة الأولى عام 429 قبل الميلاد. اعتبرت المسرحية من أعظم التراجيديات العالمية. تقع معظم أحداث الأسطورة قبل المشهد الافتتاحي للمسرحية. الشخصية الرئيسة للمأساة هو أوديب ابن الملك لايوس ملك طيبة والملكة جوكاستا. تتمحور أسطورة «الملك أوديب» حول قتل أوديب لوالده وزواجه من أمه وانجابه أربعة أبناء: ولدان وبنتان، وحين يكتشف ذلك يفقأ عينيه ويعيش كفيفا منفيا طريد السماء والأرض. أخذ المسرحي المصري توفيق الحكيم الأسطورة وصاغها في قالب أدبي تمثييلي جديد على قراء العربية على حد قوله في مقدمة المسرحية. على الرغم من التزامه بالإطار العام للأسطورة، وضع الحكيم فيها من الرموز ما مكنه من أن يقول فيها ما يشاء عن الشعب الواهم والبطل الوهمي ورجال الدين التجار. عن شغف الشعب بالبطولة والأبطال، يقول الحكيم مخاطبا أمته: «هذا خيالكم الساذج، أحب تلك الصورة، وأذاع ذلك الوهم!». هاملتفي مسرحية «هاملت» البطل لا يرتكب الجريمة بنفسه، بل يلزمها لشخص آخر، ولا تعدّ الجريمة بالنسبة اليه جريمة قتل أب. هاملت هو أمير الدانمارك الذي يظهر له شبح أبيه الملك (اسمه هاملت أيضاً) في ليلة ويطلب منه الانتقام لمقتله، وينجح هاملت في نهاية الأمر بعد تصفية العائلة في سلسلة تراجيدية من الأحداث، ويصاب هو نفسه بجرح قاتل من رمح مسموم، تكمن مشكلته في التأكد من حقيقة الشبح، هل هو أبوه فعلا يطلب الانتقام، أم شيطان ماكر تهيأ في صورة أبيه، ومن حقيقة مصرع أبيه على يد عمه كلوديوس الملك الحالي للدانمارك الذي تزوج أمه، وهو الزواج الذي كان يعتبر آثماً وغير شرعياً في زمن شكسبير. تموت الأم جزاء علاقتها الآثمة بعدما شربت عن طريق الخطأ نبيذاً مسموماً وضع أساسا ليشربه هاملت، أما أوفيليا، حبيبة هاملت، الفتاة الرقيقة التي لا يبارك أبوها علاقتها به، وتتأذى كثيراً من هاملت بعدما ادعى الجنون وعدم معرفتها في محاولته لكشف حقيقة مقتل والده ليخفي نواياه بالانتقام ويتأكد من الحقيقة، وتموت حزينة مكلومة، بعد أن يصيبها الجنون، بأن أغرقت نفسها بعد مصرع أبيها على يد هاملت بالخطأ وكان يتنصت متخفياً خلف الستار على حوار بين هاملت وأمه حول مقتل أبيه وزواجها الآثم من عمه الملك.اما رواية «الاخوة كارامازوف» فتخطو خطوة ابعد في الاتجاه نفسه، ففيها ايضا ترتكب الجريمة بيد انسان اخر، مع ذلك فهذا الشخص الآخر ايضا تربطه بالرجل المقتول علاقة البنوة التي تربطه بالبطل ديمتري، ودافع المنافسة الجنسية في حالة الشخص الآخر معترف به صراحة، انه شقيق البطل وانها لحقيقة ملحوظة. نسب إليه ديستويفسكي مرضه هو، اي الصرع المزعوم، كما لو كان يسعى الى الاعتراف بان الجانب الصرعي فيه، اي العصابي، كان هو مرتكب جريمة قتل الاب.هكذا الأب في الرواية والمسرح عنوان للتراجيديا والصراع، او قناع من الاقنعة التي تعبر عن الواقع الاجتماعي، انها النمطية التي قد ينفر منها بعضهم، خصوصا من تربطهم علاقة مودة واحترام بوالدهم، الحاضر حتى بعد رحيله!قالوا فيهأمات أبوك؟ضلال.. أنا لا يموت ابيففي البيت منه...روائح رب, وذكرى نبيهنا ركنه.. تلك أشياؤهتفتق عن ألف غصن صبيجريدته.. تبغه.. متكاهكأن أبي, بعد, لم يذهب..وصحن الرماد.. وفنجانهعلى حاله, بعد لم يشربونظارتاه.. أيسلو الزجاجعيوناً, أشف من المغرب..بقاياه, في الحجرات الفساحبقايا النسور على الملعب..أجول الزوايا عليه، فحيثأمر.. أمر على معشبأشد يديه.. أميل عليهأصلي على صدره المتعبأبي.. لم يزل بيننا، والحديثحديث الكؤوس على المشربيسامرنا, فالدوالي الحبالىتوالد من ثغره الطيب..أبي, خبراً كان من جنة ومعنى من الأرحب الأرحبوعينا ابي.. ملجأ للنجومفهل يذكر الصيف من والديكروم.. وذاكرة الكوكب..أبي.. يا أبي.. إن تاريخ طيبوراءك يمشي, فلا تعتب..على اسمك نمضي.. فمن طيبشهي المجاني الى أطيب..حملت كفي صحو عيني حتىتهيأ للناس أني أبي..أشيلك حتى بنبرة صوتيفكيف ذهبت.. ولازلت بي؟إذا فلة الدار أعطت لديناففي البيت ألف فم مذهبفتحنا لتموز أبوابناففي الصيف, لا بد, يأتي ابي..نزار قبانيأَطـع الإلـه كَـمـا أَمَــرْوَامْــلأ فــؤادك بِـالحـذرْواطـع أَبَـــاكَ فَــإنّــهربَّاكَ مـنْ عَـهْـدِ الصغَـرْالإمام الشافعيقل للأرامل واليتامى قد ثوى فلتبك أعينها لفقد حباب أودى ابن كل مخاطر بتلاده وبنفسه بقيا على الأحساب الراكبين من الأمور صدورها لا يركبون معاقد الأذنابأروى بنت الحبابتحملْ عن أبيك الثقل يوما فإن الشيخ قد ضعفت قواهأتى بك عن قضاء لم ترده وآثر أن تفوز بما حواهابو العلاء المعرييا أبي ما أنت ذا أول كل نفس للمنايا فرض عين هلكت قلبك ناس وقرى ونعى الناعون خير الثقلين غاية المرء وإن طال المدى آخذٌ يأخذه بالأصغرين أحمد شوقيحين تغفو جميع القلوبلا يغفو قلب الأبريشيلو