كلمات الأغاني العربيّة... هبوط إلى الحضيض!

نشر في 28-07-2008 | 00:00
آخر تحديث 28-07-2008 | 00:00

بعدما بدأ العالم العربي يستوعب ظاهرة انتقال العارضات الى الغناء، من دون أن يتقبلها، لأسباب متعددة منها العري في الكليبات والرقص المبتذل والنشاز في الغناء، نتساءل حول نقطة رئيسة، هي كلمات الأغاني التي تنحدر في معانيها ومحتواها موسمًا تلو الآخر، حتى أضحت لا تتعدى كونها كلمات مصاغة في جمل، إما غير مفهومة او تحمل في طياتها معاني إباحية على الرغم من بساطة عباراتها. أين الرقابة التي تركّز على مظهر المؤدّيات وتهمل ما يتفوهن به من سخافات تسيء الى المستمعين؟

تتذرع معظم الدخيلات الى عالم الغناء اليوم عندما يُنتقدن على غنائهن، بأنهن مؤديات أو مغنيات استعراض ولسن مطربات، ظناً منهن أن هذه التسمية تحميهن من الاتهامات اللاذعة وهجوم النقاد وتخفي عيوب غنائهن او أصواتهن التي تخدش الآذان. إذا استعرضنا الفروقات بين الفن الاستعراضي في السابق، على غرار ما قدمت سندريلا الشاشة سعاد حسني، وما تقدِّم الملتحقات اليوم بعالم الاستعراض، أمثال دانا، روزي، دومينيك، نانا، مروى وماريا وأمثالهن، نلاحظ أن ما يدعى بالفن الاستعراضي اليوم يلامس الحضيض نظراً إلى التشويه الذي تقترفه الدخيلات بحق الأغنية والثقافة الفنية العربية والذوق العام.

ما قدَّمته حسني سابقًا، لا يحمل أي وجه للشبه مع ما يطرح في الأسواق اليوم، خصوصاً أنه يحمل معاني عميقة في كلماته على الرغم من تقديمها بأساليب خفيفة ومرحة، ويعبر كذلك عن مواقف قد نصادفها يومياً، مثل (يا واد يا تقيل يا مشيبني، دا انا بالي طويل وإنت عاجبني، بس يا إبني بلاش تتعبني عشان عمرك ماحتغلبني... أنا من حبو بقاسي ودة كدا هادي وراسي.. ويوقف ويقول أنا هو والكون مش قد مقاسي)، فهي عبارات يمتزج فيها التحدي مع الإعجاب، الوصف مع التشابيه، والمعاناة مع السخرية، على الرغم من بساطة صياغتها وسهولة انسيابها وخفّتها على الأذن والأسلوب الاستعراضي الذي اتبعته في أدائها.

الجديد

أما ما نسمعه اليوم من جديد روزي مثلاً في أغنية (حادي بادي كرومب زبادي شالو حاطو كلوا على دي) فهو لا يشوّه صورة المؤديات العربيات فحسب، بل يظهر بوضوح تسويقهن التفاهة والأغاني الهابطة. أما ما قدمته ماريا في أغنية (عندك شي ما بعرف شو بيجنني وبيدوبني وبيلعبني بيريحني وبيتعبني...) فهو يشجع الابتذال ويشير الى مستوى عالٍ من انعدام الأخلاق الموسيقية.

من جهة أخرى، عندما نسمع مروى في أغنيتي ( طق طق دم دم على سيكا، نعنشني الله يخليك، وبلاش لعب البيلوتيكا دة إنت لوحدك ميلوديكا) و(إهدى يا واد وبلاش طنطيط انت مارحتش ولا جيت أقولك هوس تهوس و أقولك بس تبس...)، لا يسعنا سوى الجزم بأنها تسخر من المستمعين لبعد الكلمات عن أي معنى مفهوم وواضح أو إيحائي ومبطن. في المقابل، يرى البعض أن هيفا وهبي هي المؤدية الوحيدة تقريباً التي نجحت في اختيار كلمات أغنياتها التي حصدت نجاحاً جماهيرياً واسعاً.

في سياق آخر، ما زلنا نشهد موضة تسويق الفنانات لأنفسهن، من خلال زج أسمائهن في الأغاني، وكأنها إمضاء أو بصمة خاصة لأعمال هي وصمة عار في تاريخ الموسيقى العربية. فمن أغنية «أنا دانا» و «كلن بدن نانا» و«هيفا أنا» و«يا ماريا» وصولاً الى آخر ما اقترفته دومينيك من ذنب بحق المستمعين حين أطلقت أغنيتها الأخيرة (كرمالك يا دومينيك منوعا قبل صياح الديك، مهضومي وأمّورة وشيك وبيحبوكي كل الناس... )

رقابة

هنا نتساءل عن دور الرقابة في الحد من ظاهرة خطيرة تجتاح مجتمعاتنا، حتى أنها تدفعنا الى تمني الصمم أحياناً. بأي حق تحاول الرقابة أن تحمي عيوننا مما يسيء إليها من عري وابتذال وتبيح لآذاننا التعرّض لوسائل التشويه جميعها؟ نسأل عن مصدر إلهام «الشعراء»، الذي يستوحون منه مثل هذه العبارات والأفكار، وعن مدى الجرأة والثقة بالنفس اللتين يتحلّون بهما ليسمحوا لأنفسهم بعرضها وبيعها؟ هل هي حدّة ذكاء من قبلهم بتسويق الكلمات الضاربة على الرغم من هبوطها أو سخرية من الجمهور الذي يصفّق للتفاهة، أم هي كل ما استطاعت إمكاناتهم الإبداعية أن تبتدعه؟

في هذا السياق، يؤدي الجمهور دوراً رئيساً في تشجيع هذا النوع من الفن الهابط لدى شراء هذه الألبومات وترديد هذه الأغاني وحتى تحميلها على جوّالاتهم. لكن ما لم ينتبه إليه البعض أن سلبيات هذه الظاهرة تطاول الأطفال خصوصاً، إذ يعتادون على سماع هذه الأغاني من دون سواها، ظناً من الأهل أن كلماتها سهلة وخفيفة اللفظ، فتصيغ ثقافاتهم الفنية وتدحض حسّهم الموسيقي وذوقهم المرهف، في أوج تكوينهما، وتنمي لديهم الميول الى التفاهة والعبارات المبتذلة والثقافة الهابطة، وتتحول الموسيقى الأصيلة التي تقدمها المطربات العريقات أمثال جوليا وأصالة نصري وماجدة الرومي وميادة الحناوي، الى مصدر ملل بكلماتها الدرامية او الوطنية أو الثورية أو الرومانسية.

صدق الكوميدي فادي رعيدي في أغنيته الساخرة ( بعد في بس أنا ما غنيت)، فإلى متى سيبقى مجال الغناء يستقبل كل فتاة تملك مظهراً مقبولاً وجرأة كبيرة تشعر برغبة في كسر روتين حياتها، فتقتحم حياتنا بأغنياتها التي تخدش حياء شرقيتنا؟

back to top