فاوست لـ غوته... بين الأسطورة والتاريخ

نشر في 23-01-2009 | 00:00
آخر تحديث 23-01-2009 | 00:00
No Image Caption
فاوست كما نعرفه من خلال مسرحية تحمل الإسم نفسه للكاتب والشاعر الألماني غوته، يمثل نموذج الإنسان الساعي إلى مزيد من القوة، أو الكمال بوسائل خارجة عن الطبيعة كالسحر. ولأن الأخير يمثّل تحدياً للألوهية، لأنه يدفع إلى خرق النظام الذي خلقته، فقد استعان الكاتب بقوى متمردة، في مقدمها الشيطان، وشخصية فاوست الأسطورية لها جذور تاريخية... هكذا يحاول المترجم عبد الرحمن بدوي أن يقدم لنا مسرحية غوته «فاوست» في جزئها الأول في سلسلة «من المسرح العالمي» الصادرة عن «المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب» في الكويت.

في «فاوست» نحصل على وصف وتحليل لمقتضيات مراحل تبلور فاوست مسرحياً لدى كاتبه غوته، وكذلك نقطع الشك باليقين بين الأسطوري والتاريخي في هذه الشخصية.

فاوست أولاً شخصية تاريخية، وُلد في أواخر القرن الخامس عشر وتوفي على الأرجح في عام 1543. كان اسمه جورج سايليكوس بحسب رسالة كتبها يوغن ترتهيم إلى الرياضي يوهان فردونج، وكان يُنعت بالتشرد والغرور والجنون، وهو عراف، وحاصل على دكتوراه في اللاهوت، وواسع المعرفة والاطلاع. كان يقوم ببعض الأعمال التي تفوق قدرة غيره من معاصريه، مستخدماً السحر.

يؤكد الفقيه القانوني فيليب كامرار يوس في كتابه «ساعات الفراغ» مهارات فاوست السحرية قائلاً: «نحن نعلم أنه من بين السحرة الذين اشتهروا في زمان آبائنا، كان يوحنا فاوست الذي من كوندلنج، لقد ظفر بشهرة كبيرة بفضل خوارقه المدهشة وتهويلاته الشيطانية».

تشكّل فاوست أسطورياً عندما اختلط التاريخ بالأكاذيب في المرحلة الأولى، وتجلّت أسطورة فاوست في المرحلة الثانية وهو لا يزال حياً على شكل روايات شفوية يتناقلها الناس، لتتنقل السطورة في المرحلة الثالثة من الشفاه الى سجلات الكتب.

ورد في الكتاب الشعبي الذي سجّل الأسطورة على يد كاتب مجهول: «تاريخ الدكتور فاوست، الساحر الشهير جداً وكيف باع نفسه للشيطان لمدة محددة والمغامرة العجيبة التي شاهدها في تلك الفترة أو تسبب فيها، أو عاناها هو نفسه، الى اليوم الذي تلقى فيه جزاءه الذي استحقه». وملخص قصته أنه أراد سبر شباب الأشياء في السماء وعلى وجه الأرض بسبب حبّه للاستطلاع وإفراطه ومجونه، فحاول إرغام الشيطان على المثول أمامه من خلال الاستعانة بأشكال وحروف سحرية، وعقد معه اتفاقاً بأن يلبي الشيطان له طلباته كافة، وفي المقابل وافق فاوست أن يصبح ملكاً للشيطان.

كان كريستوفر مارلو أول شاعر استغل سيرة فاوست، فكتب مسرحية بهذا الخصوص وأُحرق عندما اتُّهم بالهرطقة عام 1589. أما الفارق بين «فاوست غوته» و»فاوست مارلو» فكان بحسب ما كتبه الأديب والناقد الفرنسي تين عن «فاوست مارلو»: «إنه ذلك الإنسان الحي، الفاعل، الطبيعي، الشخصي وليس ذلك الرمز الفلسفي الذي صنعه غوته، بل الإنسان الذي على الفطرة، الصادق، الإنسان الغضوب، المشبوب، المستعبد...».

في ألمانيا

كُتبت 41 مسرحية عن فاوست قبل ظهور مسرحية غوته، جالت بها فرق مسرحية إنكليزية ألمانيا كلها، لكن مع نهوض المسرح الجاد في ألمانيا في الثلث الثاني من القرن الثامن عشر أخذت المسرحيات الشعبية في الزوال وتحوّل بعضها الى مسرح عرائس، ومنها مسرحية فاوست عام 1746. وحاول الكاتب الألماني لسينغ تأليف مسرحية عن فاوست بشكل جاد وبأسلوب أدبي عالٍ وراقٍ. ووضع خطة عامة في قسمين: فاوست الأول، وفاوست الثاني، كما فعل غوته في ما بعد. وحاول لسينغ كما يبدو في مخطوطاته أن ينجي فاوست في النهاية على اعتبار أن الأخير يمثل النزعة العارمة الى البحث العلمي.

وكان لسينغ يتصوّر مشروع مسرحيته كما يلي: «أرواح الجحيم تتباهى بأعمال الشر التي ارتكبها، ويقول أحدهم إنه وجد على الأرض رجلاً لم يفلح في إفساد رجلاً خلا من كل ضعف وشهوة، وليس لديه من نوازع غير نزعة التطلع الدائم الى المعرفة... فصاح رئيس الشياطين: «هذا رجلي...». وفي النهاية لا يخفق فاوست»...

أما بالنسبة الى فاوست غوته فيشبه غوته نفسه، الذي تأثر به، وقد كتب هذا الأديب، نصه بدءاً من العام 1773، وظهرت طبعة فاوست في صورتها النهائية عام 1846. وتمثّل صورة فاوست الأولى، حوالي ثلث الصورة النهائية، إذ تحتوي على 1435 بيتاً من الشعر بينما تحتوي تلك النهائية على 4612 بيتاً، ونقصد طبعاً فاوست الأول، لأن الثاني لا مناظر له في الصورة الأولية.

وتندرج مراحل تاريخ تأليف الصورة النهائية لفاوست كما يلي:

1 - الإهداء - الاستهلال على المسرح، الافتتاح في السماء – يونيو (حزيران) عام 1797.

2 - مشهد السجن، فالنتين، وليلة فالبورج، عام 1798.

3 - أمام البوابة، مناجاة فاوست ومشهد استحضار روح الأرض، والحديث الأول بين فاوست ومغستوفيلس - ربيع عام 1800.

4 - المناجاة الثانية في عيد الفصح - ربيع عام 1801.

5 - الحديث الثاني بين فاوست ومغستوفيلس، الذي ينتهي بعقد الميثاق عام 1801.

يشار إلى أن غوته أراد عرض مسرحية فاوست للمرة الأولى على المسرح عام 1801، وتوالت بعد ذلك النجاحات لعروض فاوست في شكل أوبرا. وفي بداية السينما أخرج لوميد فيلماً بعنوان: «فاوست ومغستوفيلس» عام 1897 في فرنسا.

عام 1808، أصدر غوته صورة فاوست الأول النهائية، ورسم عام 1812 صورة الجزء الثاني: فاوست وهو مستغرق في نوم عميق تحيط به جوقه من الأرواح العلوية... يستيقظ مملوءاً بقوة جديدة، شاعراً بمطمح جديد نحو المعالي...». وقد صاحب فاوست بجزئيه غوته طوال حياته: منذ ريعان شبابه إلى وفاته.

هل يشكّل فاوست وحدة منسجمة في قسميه؟ سؤال ما زال يشغل الباحثين.

back to top