ما قل ودل: الشيخ سعد مشاركاً في وضع الدستور

نشر في 19-05-2008
آخر تحديث 19-05-2008 | 00:00
 المستشار شفيق إمام برحيل الأمير الوالد المغفور له الشيخ سعد العبدالله، فقدت الكويت، بل الأمة العربية كلها، علماً من أعلامها، شجرة شامخة جذورها ممتدة في أعماق التجربة الديمقراطية، مشاركاً في وضع دستور للبلاد، يضاهي أرقى دساتير العالم ليكون وثيقة تقدمية صاغتها الإرادة الشعبية عهداً وميثاقاً بين الحاكم والمحكومين، واضعاً الضوابط والقيود التي تحول بين السلطات العامة واقتحام الحدود التي تفصل بينها، كافلاً للأفراد حقوقهم وحرياتهم، راعياً للمصالح الأساسية للجماعة، بما يصون مقوماتها وينمي القيم التي ارتضتها، نابعة من ثوابت الأمة المتمثلة في دينها وثقافتها وتقاليدها وتراث الحضارة الإسلامية والإنسانية.

ولئن كان دستور الكويت هو سجل فخار لكل من شارك في وضعه، لا فضل فيه لأحد على الآخر، إلا أن ذلك لا يمنع من أن نذكر وفاءً لسموه، بعضاً من أقواله وآرائه في مناقشات لجنة الدستور والمجلس التأسيسي.

فقد كان له في كل قضية رأي يؤخذ به أو لا يؤخذ، ولكنه لا يقف به في منتصف الطريق، بل يواصل الطرح حتى النهاية، بنظرة ثاقبة وحكمة واعية مستنيرة وإيمان عميق بالديمقراطية ووعي بمتطلبات التجربة وأهدافها.

• المهنية التشريعية:

وكان رحمة الله عليه، يتمتع بحس تشريعي وبمهنية كاملة في صناعة التشريع، فقد استطاع بالآراء القيمة التي أبداها في لجنة الدستور، أن يضع الحقائق الواقعية في قالب من النصوص التشريعية يكون صالحاً للتطبيق العملي، بما يخدم الأهداف المتوخاة من النصوص الدستورية، فاعترض على النصوص الدستورية التي كانت تتطلب صدور قانون، عند إعلان التعبئة العامة (جلسة 30/6/1962) أو عند إعلان الأحكام العرفية (جلسة 30/6/1962)، أو عند إعلان الحرب، مبرراً اعتراضه على صدور قانون في كل مرة، بأنه إذا هاجم البلد عدو هجوماً مفاجئاً، فهل على الحكومة أن تنتظر حتى يجتمع مجلس الأمة ليوافق على إعلان الحرب، بينما العدو يكون قد احتل البلد؟ (جلسة 2/6/1962) وأنه «إذا حدث اعتداء لا سمح الله على الكويت، إن الدكتور (يقصد د.أحمد الخطيب) لن يلقى أعضاء يجتمعون معه في هذا المكان، سيكونون كلهم على الحدود يدافعون عن بلدهم (جلسة 18/9/1962)، وكان مشروع الدستور ينص على وجوب موافقة ثلثي أعضاء مجلس الأمة على القانون الذي يصدر بإعلان الحرب.

وعدلت النصوص الدستورية لتتوافق مع اقتراحه، بأن تعلن التعبئة العامة وفقاً للقانون الذي ينظمها، وتعلن الأحكام العرفية بمرسوم في أحوال الضرورة التي يحددها القانون وبالإجراءات المنصوص عليها فيه، ويترك للأمير إعلان الحرب الدفاعية، مع تحريم الحرب الهجومية.

وفي آراء سموه ما تتفق معها أو تختلف ولكن يظل لها فضل إثراء الحوار الذي دار في لجنة الدستور وفي المجلس التأسيسي حول الأغلب الأعم من القضايا التي طرحت على بساط البحث، ومنها:

• قضية نظام الحكم:

كان الشيخ سعد يحرص دائماً، في المناقشات كلها التي دارت في لجنة الدستور، على أن يشدد على مجموعة من الثوابت، وهي:

* أن الهدف الأساسي من وضع الدستور هو حفظ الوحدة الوطنية، وليكن دستور الوحدة الوطنية (24/3/1962).

* إن الذي ننشده هو الاستقرار (جلسة 16/6/1962).

* إننا مستعدون لإعطاء أقصى ديمقراطية وأنها مسؤولية كبيرة يجب أن نتحملها (7/4/1962).

* إني أعارض فرض أي دستور من دساتير الدول الأخرى، ويجب أن يكون الدستور ملائماً لظروف الكويت (جلسة 24/2/1962).

* إن كل دولة تضع النظام الذي يلائمها ويتمشى مع ظروفها، ويجب وضع النظام الذي يتمشى مع ظروف بلدنا (16/6/1962).

* أثبتت الممارسة البرلمانية لحق الاستجواب والإفراط في استخدامه، صدق حدسه عندما قال: «إني أعارض النظام البرلماني، الذي يعطي مجلس الأمة حق سحب الثقة من الوزارة (كلها)، لأنه سيجرنا إلى مشاكل كثيرة في المستقبل (21/4/1962).

الأمر الذي كانت لآرائه الأثر الأكبر فيما أخذ به دستور الكويت من نظام وسط بين النظامين الرئاسي والبرلماني، والذي اقتضاه، حسبما جاء في المذكرة التفسيرية للدستور، «الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم فتلمس الدستور في النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقاً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي، مع انعطاف أكبر نحو أولهما... كما أريد بهذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية أو يجافي تراثنا التقليدي في الشورى وفي التعقيب السريع على أسلوب الحكم».

• نظام الأحزاب:

واعترض على نظام الأحزاب مقرراً ما يلي:

* لقد وافق سمو الأمير على هذا الدستور، وطلب أن نكون أخوة، ولقد سمعنا ما يحدث في الدول الأخرى من تطاحن الأحزاب، فهل يرى الأعضاء ضرورة وجود الأحزاب؟ (11/9/1962).

وبعد مناقشات واسعة، اتفق رأي المجلس التأسيسي بالإجماع على أنه لا حاجة للبلاد في الوقت الراهن إلى النص في الدستور على قيام أحزاب.

* كما وافق المجلس التأسيسي على التفسير الذي قرره الخبير الدستوري الدكتور عثمان خليل بأن الدستور لم يمنع قيام أحزاب، وإنما ترك للمشرع اختيار الوقت الذي يرى فيه السماح بإنشاء أحزاب.

• حرص سموه على الولاء والانتماء للكويت:

فقد كان لآرائه الفضل في تعديل مشروع الدستور، بما يترك للقانون وحده تحديد حالات إسقاط الجنسية، بعد أن كان مشروع الدستور يقضي بحظر إسقاط الجنسية عن الكويتي بصفة أصلية، حيث تساءل سموه في لجنة الدستور «هل الكويتي الذي يخون بلده، نبقي على جنسيته، ليجوب العالم بجواز سفر كويتي متآمراً على دولته، ولا نستطيع إسقاط الجنسية عنه؟ (جلسة 16/6/1962).

كما كان لآرائه الفضل في أن يترك الدستور للقانون تحديد شروط الانتخاب، مع النص في الدستور على وجوب توفرها في عضو مجلس الأمة وأن يكون كويتياً بصفة أصلية، عندما قال:

* هل يمكن لشخص بعد أسبوع من تجنسه أن يقول إني متساوٍ معكم، ويحق له كل شيء كأن ينتخب ويُنتخب؟ (جلسة 31/3/1962).

* كما أضاف أن هناك أشخاصاً متجنسين منذ ثلاثين سنة، فكيف نحرمهم من حق الانتخاب، إن هذا ليس عدلاً (جلسة 5/6/1962).

• الحقوق والحريات العامة:

حرص الشيخ سعد، رحمة الله عليه، على الحقوق والحريات العامة، بلا إفراط أو تفريط، فقرر أن أهم هدف من أهدافنا هو ضمان الحرية الفردية (جلسة 9/6/1962) وحرص على أن تكون حرية العقيدة مطلقة، ولا تقتصر على مَن يدينون بالأديان السماوية، لأن الكويت بها هنود وغيرهم ممَن يدينون بالوثنية (جلسة 16/6/1962) ولا إكراه في الدين.

وفي الوقت الذي طالب فيه بأن يكون حق الاجتماع شاملاً الكويتيين والمقيمين (جلسة 31/5/1962) طالب بقصر حق التعليم على الكويتيين وحدهم (جلسة 7/4/1962).

كما طالب بحذف كلمة الثروة من المادة (7) من مشروع الدستور التي أصبح رقمها في الدستور (29) والتي تتحدث عن المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة، من دون تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين (جلسة 7/4/1962)، لما يوحيه هذا اللفظ من أن هناك تمييزاً بين المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات العامة بسبب الثروة.

وقد استجابت لجنة الدستور، كما استجاب المجلس التأسيسي لهذه الاقتراحات، وعُدلت نصوص مشروع الدستور بما يحقق ذلك.

وبالنسبة إلى المادة التي تنص على حق العمل، علّق سموه على ذلك في لجنة الدستور بقوله: «نخشى أن يُفسّر ذلك على أن الحكومة ملزمة بإيجاد عمل لكل كويتي، وقد تمر البلاد بظروف لا تستطيع معها الحكومة تحمل ذلك (جلسة 30/8/1962)، وهو ما دعا إلى إيراد تفسير لهذه المادة في المذكرة التفسيرية للدستور، بأن التزام الدولة بهذا الخصوص محدود بإمكانياتها.

اللهم أسكنه فسيح جناته وامنح أهله وأسرته ووطنه وأمته الصبر والسلوان.

back to top