الاحتفاء بالموهبة

نشر في 06-05-2009
آخر تحديث 06-05-2009 | 00:00
 د. مأمون فندي مشكلتنا أننا عندما نصعد إلى القمة نأخذ السلم الذي صعدنا عليه معنا، وإذا ما أراد غيرنا الصعود أيضا فليأت بسلم خاص به. كما أن رؤيتنا للقمة هي مكان يتسع لفرد واحد، كما قمة الهرم، أما في الغرب فتكون قمة الجبل متسعة للمئات ممن يصلون إليها ولا يزاحمون بعضهم بعضاً، وليس هناك مَن تكون وظيفته الأساسية هي وضع العراقيل أمام الأخرين، مثل تكسير سلم الصعود.

أقول هذا بمناسبة مشاهدتي لبرنامج يعرض هذه الأيام في بريطانيا يسمى Britain>s got talent ( بريطانيا فيها مواهب). فكرة البرنامج تقوم على اكتشاف المواهب في المجالات الفنية والترفيهية المتنوعة، لذا يسافر فريق البرنامج إلى كل مدن المملكة المتحدة، ويتقدم كل من يجد أو تجد في نفسها الموهبة أمام هذه اللجنة وأمام جمهور كبير من المتفرجين. الملفت للانتباه في هذا البرنامج هو كيف يحتفي الجمهور البريطاني بالموهبة الحقيقية، وخصوصا إذا كان صاحب أو صاحبة هذه الموهبة من عامة الناس الذين لم يولدوا وفي فمهم ملعقة من ذهب، بل يكدون ليل نهار لأجل عيش كريم. فقد فازت مثلا امرأة تدعى سوزان بويل، وهي امرأة من الريف البريطاني في السابعة والأربعين من عمرها، بسيطة في منظرها وملبسها، ولكن ما إن بدأت في الغناء حتى حبست الصالة أنفاسها لحلاوة الصوت وعذوبته، صفق لها الجمهور طويلا ووقف أعضاء اللجنة تكريما لها... الكل كان فرحا أن امرأة ريفية عاشت طيلة حياتها مغمورة لم يسمع بها أحد، قد نجحت في أن تحقق حلمها في الغناء، حلم تستحقه بجدارة لأنها تملك الموهبة الحقيقية. رجل آخر نجح في البرنامج وهو في السابعة والثلاثين يدعى جيمي بوه، يعمل سائق شاحنة في النهار وموصل خدمات بيتزا في الليل، وقف أمام الجمهور خائفا مرتبكا وما إن غنى حتى صفق له الجمهور طويلا تحية لموهبته التي لا يمكن أن تخطئها الآذان... هذان النموذجان، سوزان وجيمي، هما من عامة الشعب البريطاني البسيط الذي يعمل بجد ونزاهة، ليسا مدعومين من أي أحد سوى من موهبتيهما الحقيقيتين. هاتان الموهبتان اللتان دفعتا الجمهور إلى التصفيق لهما وأصبحا نجمين على اليوتيوب يستمع إليهما عشرات الآلاف.

في عالمنا العربي، ظهر أكثر من برنامج لاكتشاف المواهب الغنائية تحديدا دون المواهب الأخرى، ولكن أيا منها لم يقدم لنا موهبة لامرأة في الأربعينيات من عمرها أو لرجل في نهاية الثلاثينيات ويعمل سائق شاحنة أو فراشا أو بوابا... الفائز أو الفائزة في برامج المواهب العربية دائما في العشرينيات من العمر ويتمتع بشكل جميل أو قابل للتجميل لاحقاً. لم تكتشف برامج المواهب العربية، على اختلافها وتنوعها، امرأة مثل سوزان بويل بشعرها غير المصبوغ وتجاعيد وجهها وفستانها البسيط وتتمتع بموهبة حقيقية، ولم تقدم لنا هذه الربامج أيضا نموذج الرجل العادي جيمي بوه الذي ليست له عضلات مفتولة ولا شعره «مسبسب»، ولكن صوته الجميل الذي مرنه لوحده، كما ذكر، أسر قلوب الجميع. هذه البرامج العربية أخذت فكرتها بالطبع من برامج قدمت في الغرب ونجحت مثل برنامج Britain>s got talent. ولكنهم (جماعتنا) أخذوا شكل البرامج فقط، بينما قدموا المضمون وفق ما يرونه ملائما للذائقة العربية الحالية. فهل الذائقة العربية لا تقبل بأقل من الكمال، الكمال في الصوت والشكل والعمر؟

مَن يرى احتفاء الجمهور البريطاني بهذه المواهب الحقيقية لبشر ينتمون إلى فئات عمرية وشكلانية واجتماعية وفكرية مختلفة، يدرك أن العالم مازال بخير، وأن الناس في الغرب الذي يبغضه الكثيرون أكثر تسامحا مع الشكل والسن وأكثر تذوقا لما هو موهبة.

أما عندنا فموهبتك الواسطة، أبوك وأمك وأخوك، أو شكلك أو عمرك... إلخ. الموهبة عندنا لا تمنحها الطبيعة إنما «تُفرض بالدراع». بكل تأكيد لدينا مواهب ولدينا أصوات عذبة ولدينا آذان موسيقية، ولكن ليس لدينا الطريق السالك البسيط المفتوح أمام الجميع.

سألني أحد الأصدقاء لماذا لانرى سلسلة من الناجحين في بلاد العرب كما نراهم في الغرب؟ فكان ردي أن من يصعد إلى القمة من جماعتنا لا يترك السلم في مكانه كي يصعد عليه غيره، إنما يأخذ معه السلم «وكل واحد عاوز يصعد يجيب سلمه معاه». النقطة الثانية، هي أننا نرى القمة وكأنها قمة الهرم، مكان ضيق ومدبب لا يسمح بالوقوف لواحد أو اثنين. أما في الغرب فحيث الجبال الشاهقة، تسمح القمة بأن يقف عليها مئات أو آلاف. إنها الجغرافيا والأشكال الطبيعية التي تفرض علينا تخيل شكل القمة إذا كانت مكاناً فيه متسع للجميع أو يضيق ليكون فيه فرد واحد فقط. الهرم والجبل والسلم تلك هي معوقات خيالنا لمعنى القمة ومعنى النجاح، ومع ذلك أمامنا فرصة للتعلم من الآخرين في الاحتفاء بالموهبة أياً كان مصدرها أو مكان ميلادها أو شكلها. أتمنى أن نبدأ فكرة الاحتفاء بالمواهب، بدلاً من تسابقنا حول إزاحة السلم عمن يريدون الصعود.

* مدير برنامج الشرق الأوسط بالمركز الدولي للدراسات السياسية والاستراتيجية IISS 

back to top