أبناء الحيوات السابقة

نشر في 02-10-2008
آخر تحديث 02-10-2008 | 00:00
 بلال خبيز يعرف قادة «القاعدة» أن النظام السوري، مثله مثل أي نظام آخر في طول العالم وعرضه، لن يغير سياساته العامة بسبب استهداف «القاعدة» لمواطنيه. ويعرف هؤلاء أيضاً أن العملية التي تنفذ في دمشق تزيد أعداء «القاعدة» عدواً جديداً، لكنهم مع ذلك يقومون بما يقومون به.

كانت مأثرة «القاعدة» الكبرى أنها نفذت اعتداءات 11 سبتمبر الإرهابية. يومها بدا مفهوماً للقاصي والداني ومن خلال رد الفعل الأميركي أيضاً، أن «القاعدة» تريد رسم حدود أعدائها بالنار. أميركا هي العدو، لأنها تحتل الأراضي العربية المقدسة. حددت «القاعدة» عدوها ودعته لمقاتلتها، وهو استجاب. بعد ذلك لم يعد ثمة ما تريد إنجازه. لقد أصبح التنظيم الذي يختفي قادته في الوديان والشعاب الضيقة عدو أميركا الأول. وحيث إن الجيش الأميركي يقف على اهبة الاستعداد لمقاتلة التنظيم الإرهابي وملاحقة قادته، أصبح النجاح بالفرار نصراً. ذلك أن نصر «القاعدة» يتحقق بالقياس إلى فشل عدوها في تنفيذ أهدافه المعلنة ضدها. سقوط العراق دولة ونظاماً بأيدي القوات المسلحة الأميركية ليس هزيمة. المهم أن يبقى قادة التنظيم على قيد الحياة، وأن يسجل واحدهم من حين لآخر شريط فيديو ليثبت أن القصف الأميركي الأخير لم ينل منه. وأن الاستخبارات التي تجهد في البحث عنه فشلت فشلاً ذريعاً. وحين يتكاثر عدد القتلى والمعتقلين من التنظيم وتضيق على مقاتليه السبل في مكان ما، يلجأ إلى تنفيذ عملية دامية في أي مكان آخر. كل مكان بالنسبة لهذا الضرب من النضال الأعمى مناسب للقتل. فالقتل ونثر الجثث على الطرقات العامة، مثلما حدث في دمشق أخيراً، ليس هدفه في واقع الأمر تليين قناة النظام السوري واستعادته إلى حظيرة الحلفاء. بل إن رسالة الدم المسفوك تريد الإعلان أن التنظيم لا يزال حياً. أما كيف يخدم قتل السوريين في الشوارع معركة «القاعدة» مع أميركا، فذلك أمر لا يجدر بنا أخذه على محمل المنطق الذي نعرفه منذ أرسطو حتى اليوم. ذلك أن القاعدي يشهر وجوده على قيد الحياة لحظة إعلان موته انتحارياً في الانفجار. قبل حدوث الانفجار لم يكن ثمة وجود لهذا الشخص. وغالباً كان يتنقل بهويات مزورة وأسماء مستعارة. وحده حدوث الموت، ينبهنا إلى ماضيه حياً.

يعلن القاعدي وجوده بموته، لا ضير والحال هذه، أن يموت معه من لا يريدون إشهار حياتهم ولا يرغبون بتعجيل موتهم. هؤلاء الذين يسقطون على الطرقات من دون أن يستشيرهم في اختيار موتهم. لكن القاعدي يقدم الرسالة على الدم، ويقيم للرمز وزناً يفيض عن الحياة البشرية نفسها. الناس يموتون ليس لأنهم أعداء الله والدين، يموتون لأن موتهم هو كناية وتشبيه. بموت المواطن السوري على قارعة الطريق يرسل القاعدي لعدوه رسالتين: الأولى أنه لا يعرف غير القتل عقاباً، بصرف النظر عن الجرم الذي ارتكبه المواطن السوري أو نظامه الذي يحميه، وهذه رسالة رغم تعاظم أثرها فإنها تبقى الأقل خطورة في معناها ورمزيتها من الرسالة الثانية. ذلك أن الرسالة الثانية تريد الإيحاء بألّا أحد بمنجى من القتل الأعشى، وإن القتيل المقبل لا يستطيع أن يحتاط ضد القتل، كما يفعل الجندي في الحرب حين يتقي القصف بالكمون في الخندق، أو كما يفعل المواطن حين يندلع الرصاص في حي من الأحياء، فيختبئ في بيته لينجو من الموت. هذا الموت لا وقاية منه. وهو بهذا المعنى يريد أن يتبدى كما لو أن مصدره إلهي، ولا راد لقضائه.

يعرف قادة «القاعدة» أن النظام السوري، مثله مثل أي نظام آخر في طول العالم وعرضه، لن يغير سياساته العامة بسبب استهداف «القاعدة» لمواطنيه. ويعرف هؤلاء أيضاً أن العملية التي تنفذ في دمشق تزيد أعداء «القاعدة» عدواً جديداً. لكنهم مع ذلك يقومون بما يقومون به. ذلك أن سياسة زيادة عدد الاعداء وتكثيرهم تثبت لهم أنهم منتصرون. لأن «القاعدة» تهاجم دائماً من الكهف. تهاجم بالذين لا شبهة عليهم، وهي إذ تعتمد هذا الأسلوب فلتثبت أنها ما زالت قادرة على التواصل مع أهل العراق وأهل الشام رغم شدة الحصار.

هل في وسع «القاعدة» أن تنتصر؟ الأرجح أنها منتصرة أصلاً، ذلك أن موازينها التي تقيس على كفوفها الربح والخسارة هي غير موازين الناس والدول والطوائف والمذاهب والأحزاب. «القاعدة» منتصرة لأن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري ما زالا قادرين من مخابئهما دفع بعض الناس إلى الانتحار انفجاراً فقط من أجل أن يوصل الدم المهدور رسالة تفيد أن القادة ما زالوا على قيد الحياة.

* كاتب لبناني

back to top