يوهان لودفيج بوركهارت... سويسري في بلاد العرب
شهد معرض جنيف الدولي للكتاب معرضاً ضم صوراً ووثائق نادرة عن الرحالة السويسري يوهان لودفيج بوركهارت (1784- 1817).
درس بوركهارت القانون والفلسفة والتاريخ في ألمانيا، ولم يكن مقرراً له أن يصبح رحالة أو مكتشفاً، فعائلته كانت تفضّل ممارسة المحاماة أو التجارة أو الديبلوماسية. وعندما رجع من ألمانيا إلى بازل في سويسرا كانت الأوضاع الاقتصادية السائدة صعبة، لذلك غادر موطنه إلى لندن متسلحاً بعدد كبير من رسائل التوصية.واجه الشاب السويسري الطموح خيبة أمل عظيمة في لندن بسبب قلة الوظائف المتوافرة وكثرة الشباب الإنكليز الموهوبين، وعندما كاد يفقد الأمل بالحصول على وظيفة في عام 1808 التقى صدفة بالسير جوزيف بانكس، رئيس الرابطة الإفريقية الذي منحه هدفاً جديداً في الحياة، وهو اكتشاف أفريقيا انطلاقاً من القاهرة.ألحق بوركهارت للدراسة في جامعة كمبردج حيث تعلم اللغة العربية، وتلقى دروساً في الكيمياء وعلم الفلك وعلم المعادن والطب، وبات مؤهلاً للانطلاق في فبراير (شباط) 1809، فركب البحر متوجهاً إلى مالطة، ووصل إلى حلب حيث أمضى ثلاث سنوات، كرسها لدراسة اللغة العربية والتعرف على العادات والتقاليد المحلية، وأطلق لحيته وارتدى الجلباب والعمامة، وسمى نفسه إبراهيم بن عبد الله، ثم اعتنق الإسلام، وترجم آنذاك إلى العربية مغامرات روبسون كروز، ثم زار مناطق عدة في سورية والعراق، ومنها آثار تدمر وبعلبك. وبدا من رسائله إعجابه بالمشرق. عام 1812 غادر الشيخ إبراهيم حلب متوجهاً إلى مصر لإنجاز المهمة الموكلة إليه. أثناء اجتيازه بلاد الشام قرر زيارة البتراء التي وصفها كما يلي: {صرفت فترة 15 يوماً في الصحراء ما بين البحر الميت والبحر الأحمر... وفي وسط المسافة بين هذين البحرين تقوم آثار مدينة مهيبة تقع في وادي موسى، ويحتمل أن تكون البتراء. فيها نشاهد مدافن ذات زخرفة رائعة منحوتة في الصخر، وبقايا معابد وقصور ومدرجات وقنوات مياه وغيرها من غرائب وروائع نادرة تجعل هذه المدينة أكثر إثارة للاهتمام من أي شيء آخر شاهدته في حياتي.»عند وصوله إلى القاهرة لم يكن موعد قافلة فزان حل، فقام برحلة إلى صعيد مصر وإلى ميناء سواكن في السودان، زار خلالها المعابد المصرية القديمة، ودرس عادات النوبيين والبدو وتقاليدهم. وفي طريق عودته كان أول أوروبي يسجل مشاهداته حول معبد أبو سمبل الشهير الذي يقع إلى الجنوب من مدينة أسوان.ومن ميناء سواكن رحل لأداء الحج في مكة المكرمة، ووقع آنذاك فريسة المرض فانتابته نوبات حمى شديدة، ولم يستطع بدء رحلة العودة إلى القاهرة حتى أواسط عام 1815. مكث بوركهارت في القاهرة ينقّح مذكراته عن أسفاره، بانتظار وصول قافلة فزان، فساعد في نقل رأس تمثال رمسيس الثاني إلى المتحف البريطاني، وأعدّ تقارير للرابطة الإفريقية، ثم أصيب بالتسمّم وتوفّي عام 1817 ودُفن في مقابر باب النصر.