النظام العربي وفرصة التضامن والإمساك

نشر في 31-10-2008
آخر تحديث 31-10-2008 | 00:00
 يحيى علامو نأمل عودة الروح إلى النظام العربي والبعد عن المزاجية والشخصانية في العلاقات الداخلية مع بعضه بعضا، لإحياء التضامن على الأقل الذي تجلى يوما في أبهى صوره في حرب أكتوبر، وهذا الحد الأدنى المطلوب لضمان وجودنا.

مهما هزل الجسد وتداعت مكوناته وضمرت عضلاته يبقى قويا ما لم يفقد الإيمان بالشفاء وطالما يمتلك إرادة الحياة... وإرادة الشعوب مهما غُلّت وصُفّدت وانتابها الوهن والإرهاق من جراء الانسياق الرسمي خلف التكتلات الكبرى وخلف القوى المهيمنة بل خلف مشاريعها المختلفة وغير المناسبة للمصلحة الوطنية وتحت أي مسمى كان، تبقى هي الأساس في صناعة الحياة.

الأزمات الدولية مهما تنوعت أسبابها ومهما كانت آثارها السلبية على الأوطان خصوصا عندما يكون العالم ماضيا في خط اقتصادي واحد أو متشابه في الاتجاه مما يزيد في سوء الأزمة ويعطي القناعة بضرورة الاستقرار والتعديل وإيجاد الحلول بأقل كلفة ممكنة ضمن إطار من التعدد... وهذا الانشغال في إيجاد الحلول والذي يستغرق وقتا لا بأس به يخفف الضغط عن الدول المضغوطة من جراء السياسات الدولية ومشاريعها التوسعية التي تأكل من قرارها وسيادتها الشيء الكثير... وهذه الفترة فرصة لمحو آثار الانحناءة وإعادة ترتيب الأوراق داخليا وإقليميا بما يتيح إعادة لملمة عوامل القوة والانخراط بتكتل اقتصادي إقليمي يكون مقدمة لبناء وحدة اقتصادية، تحقق التكامل وتمنع الهزات الخارجية وآثارها التدميرية على مستقبل الأوطان، وهذه الفرصة الأهم لإعادة الهيبة للقرار الوطني، لأن عصر التكتلات والأقطاب لا مكان فيه للضعف ولا للخصوصية المنغلقة ولا لمتكئ على جدار القطرية... وأمتنا العربية هي أكثر الأمم قابلية للوحدة والتكامل لتوافر كل عوامل التكاتف فيها.

رمي الجمرات على إبليس لا يعفينا من المحاسبة وتقويم الذات، فالاحتماء بالخارج إرادة نظمية بحتة، وتوسعة نفوذه رؤية استراتيجية، ومساندته مسألة لوجستية وتحفيز بقائه ضرورة أمنية، وهذه المسلمات فلسفة نظمية عربية بامتياز فرضتها ضرورات الحكم وشرعيته غير القابلة للصرف والمستندة إلى قاعدة سوقية تعتبر أن أي صناعة وطنية مهما ارتفعت جودتها لا تقوى على الثبات والتسويق بغير دعم خارجي، وذلك لعدم توافر الظروف الموضوعية والإبداعية التي تعتبر شرطا لازما للاستقلالية والقبول، لأن تغير الطبيعة تلزم بالضرورة تغيير القناعة، ونحن نعتبر أن الظروف الموضوعية الآن متوافرة وفرصة الخروج ودعم صناعة قومية تنتج قطبا اقتصاديا له رؤيته ومنطقه ضمن المنظومة العالمية متوافرة أيضا ولا ينقص سوى الإرادة السياسية للبدء بورشة العمل لا سيما أن المؤشرات تنبئ بتغييرات مهمة في السياسة الدولية، وفي التحولات الاقتصادية عموما مما يدفعنا أكثر للاستفادة والإصرار على فعل شيء يؤمن لنا مكانا تحت الشمس.

التمني حالة إنسانية ووجدانية بل حق مشروع للإنسان حتى لو كانت أضغاث أحلام... ونحن من ضمن هذه الحالة نحلم بالمجد والرغد لأمتنا أو نحس بوجودنا على الأقل ونخرج من دائرة «الرجل المريض»، خصوصا أن عوامل التماسك لدينا أكثر من عوامل التفرقة ومصادر القوة متوافرة باستثناء الإرادة والتطلع إلى المستقبل.

ونأمل عودة الروح إلى النظام العربي والبعد عن المزاجية والشخصانية في العلاقات الداخلية مع بعضه بعضا لإحياء التضامن على الأقل الذي تجلى يوما في أبهى صوره في حرب أكتوبر، وهذا الحد الأدنى المطلوب لضمان وجودنا ولوقف تهديد القدس ورفع الحيف عن الشعب الفلسطيني وعودة العراق إلى حضنه العربي أرضا وشعبا، بالإضافة إلى تحسين شروط التفاوض لاستعادة الحقوق... فهل نمسك باللحظة التاريخية ونقتنص الفرصة انتصارا للذات؟!

واقع الحال غير مرض، وحالة الإدمان على الوجبات السريعة أفقدتنا الرشاقة وقابلية العلاج، بل أصبحت مصدر طاقة الجسم، ولكن الوصفات الوطنية والقومية فيها ما يخفف عبء الإدمان فهل ننحاز لهذا الخيار ونقلب التوقعات؟! نأمل ذلك!

back to top