سلطة الألم والمتعة

نشر في 01-09-2008
آخر تحديث 01-09-2008 | 00:00
 لمى فريد العثمان وراء كل سلوك إنساني تكمن قوتان دافعتان تؤثران في كل جانب من جوانب حياة الإنسان، كالأحوال النفسية والجسمانية والأوضاع الاجتماعية والمالية. وتتحكم هاتان القوتان في جعل الإنسان سعيدا أو تعيسا، نبيلا أو وضيعا، بطلا أو مجرما. ويؤكد المتخصصون في علم البرمجة اللغوية أن كل ما نفعله أو نقوله أو نفكر به إنما يكون بدافع الحاجة لتجنب الألم أو الرغبة في الحصول على المتعة.

وعلى الرغم من رغبة كثير من الناس في تغيير سلوك أو طبع معين، فإنهم، في كثير من الأحيان، يشعرون في النهاية بالإحباط والغضب بسبب إخفاقهم في التغيير؛ ذلك لأنهم يفشلون في التعامل مع السبب الحقيقي الذي أدى إلى تشكيل هذا السلوك، والسبب حسب ما يؤكده هؤلاء المتخصصون هو وعي الإنسان واستخدامه لقوى الألم والمتعة اللذين يمكنانه من تحقيق هذه التغييرات الدائمة، فيقول أنتوني روبنز «إن سر النجاح هو أن تتعلم كيف تستخدم الألم والمتعة بدلا من السماح للألم والمتعة باستخدامك. فإن فعلت فإنك ستتحكم بحياتك، وإلا فإن الحياة هي التي ستتحكم بك». ويؤكد روبنز أن أغلب الناس يسعى إلى المحافظة على ما يملك أكثر مما يحاول المخاطرة في تحقيق ما يطمح إليه في حياته، ذلك أن معظمهم يخاف من الخسارة (والمجهول) أكثر من رغبته في تحقيق الربح. وهنا تطغى قوة الألم (الخسارة) على المتعة (الربح)، ولكن حين يصل الإنسان إلى مرحلة متقدمة من الألم، وهي كما يسميها روبنز «العتبة العاطفية» تصبح قوة دافعة نحو التغيير المأمول، لاسيما إذا كان الاعتقاد أن هذا التغيير سيخلق سعادة ومتعة في المستقبل. إن مفتاح هذا النجاح يكمن في الواقع بالربط بين الألم أو المتعة من جانب وأي سلوك معين من جانب آخر، وهو ما يسمى «بالبرمجة أو الارتباطات العصبية». فالسلوك والعواطف، كالتعلم والعطاء ومساعدة الآخرين وحب الخير وغيرها، تتشكل منذ الصغر حسب تجارب الألم والمتعة لكل شخص وحسب المفهوم المعطى لمعاني المتعة والألم (كالجنة والنار، الثواب والعقاب، راحة الضمير وعذابه)؛ وما اختلاف البشر في سلوكهم وطريقة تفكيرهم إلا نتيجة لاختلاف مفهوم كل إنسان للواقع، فالعالِم أو المدير التنفيذي أو الطبيب تعلم أن يقرن شعور السعادة والمتعة بالعلم أو اتخاذ القرارات المصيرية أو خدمة الناس ومساعدتهم وإنقاذ حياتهم، وهي التي بدورها تمنحهم المتعة وتخلصهم من الألم. أما مدمن المخدرات، على سبيل المثال، فيلجأ إلى العقاقير كوسيلة تمنحه المتعة وتجنبه الشعور بالألم (كما يعتقد)، في حين لا يقدم آخرون على اللجوء إليها ولا حتى التفكير في تجربتها، ذلك أنهم يقرنونها بأقصى درجات الألم كالموت والهلاك والفشل والمعاناة. لذا إذا أردنا أن نغير سلوكنا أو مفاهيمنا أو شعورنا، أو رغبنا في تربية أبنائنا وتحفيزهم على نمط أو أخلاق معينة، فإننا لن نجد أقوى من سلطة الألم والمتعة. فعلى سبيل المثال إن أراد الوالدان حماية أبنائهما من مخاطر المخدرات ما عليهم إلا أن يعرضوا عليهم صورا أو مقاطع مصورة للحالة البشعة التي يصل إليها المدمنون، وعندها سيربط هؤلاء الأبناء بين الألم الشديد والمخدرات، وبالتالي لن يحاولوا الإقدام عليها قط، أما إذا لم يتم ربط هذا الأمر في الوقت المناسب، فقد ينجح أحد أصدقاء السوء بتعليم الأبناء الربط بين المتعة والمخدرات ويصبح عندئذ تغيير ما تم برمجته عصبيا أمراً في غاية الصعوبة.

خلاصة الأمر، إن أردت أن تسيطر على حياتك ورغبت في تغيير سلوكك أو تفكيرك أو مشاعرك فتعلم كيف تقرن أحاسيس الألم الشديد بالسلوك القديم ومشاعر المتعة بالسلوك الجديد، فالمتعة المستمرة تستحق أن نتألم مؤقتا من أجلها.

ومبارك عليكم الشهر الكريم.

back to top