البريد العام: متى نعشق التعليم؟

نشر في 21-11-2008
آخر تحديث 21-11-2008 | 00:00
 أ. د. فيصل الشريفي زيارة العمل التي قمت بها إلى جامعة «هالم شيفلد» في المملكة المتحدة كانت أكثـر من رائعة، حيث الاستقبال والبرنامج المعد بشكل يجبرك على احترام المؤسسات التعليمية في بلد عريق مثل بريطانيا، إذ يوجد أكثر من 120 جامعة في بلد عدد سكانه لا يتجاوز 60 مليونا.

وهذه الجامعات كلها تتنافس فيما بينها للحصول على ترتيب أفضل فيما بينها...

المهم في الأمر أن جامعة «هالم شيفلد» تحتضن أكثر من 28 ألف طالب يتلقون تعليمهم، وهم مقسمون إلى 22 ألف طالب يتلقون الدراسة الجامعية والآخرون في الدراسات العليا بين ماجستير ودكتوراه، بمعنى أن هناك أكثر من 6 آلاف طالب دراسات عليا.

والجدير بالذكر أن البرامج جميعها التي تقدمها الجامعة تنطوي تحت التدريب والتأهيل، بحيـث يسهل على الطالب دخول مجال العمل دون الحاجة إلى التدريب عند التخرج، وبذلك يعيَّن الطالب عند أرباب العمل، حيث الثقة بتلك الجامعة ومخرجاتها، وهذا مثبت فـي الدراسات التي تقوم بها مؤسستا «الغارديان» و«التايمز» (مؤسسات نشر يعتد بها في تقويم الجامعات ببريطانيا)، حيث حصلت الجامعة على أعلى المراتب؛ المرتبة الأولى عالميا وليـس محليا في مـا يخص رأي الطالب أثناء التخرج وبعده، وحققت أيضا أعلى معدل بين الجامعات البريطانية في مدى حصول الطالب على وظيفة بعد التخرج وفي مجال التخصص.

هذا السرد عن الجامعة قادني إلى سؤال آخر وجهته إلى أحد عمداء الكليات عن معدل وجود أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعة، فكانـت الإجابة 37 ساعـة عمل أسبوعيا، إلى جانب الساعات غير المحتسبة من العمل خارج أوقات الدوام الرسمي أثناء أيام العطل الأسبوعية والعطل الرسمية، وبدعابة أردفت العميدة كلامها بأنها تقدر مـن تكون عنده ظروف خاصة كاصطحاب أعضاء هيئة التدريس أولادهم إلى عيادة الطبيب مثلا.

«يا عيني على التعليم عندهم والتعليم عندنا... أنا ما راح أذكر أي مثال على التعليم عندنا لأن اللبيب من الإشارة يفهم».

وبما أني في بريطانيا قمت بزيارة خاطفة لأحد الأصدقاء في جامعة «اسكس»، وهو بالمناسبة رئيس قسم اللغة واللغويات، ويشرف بشكل مباشر وغير مباشر على 150 طالـب دكتوراه و200 طالب ماجستير و300 طالب جامعة، وهو عالم كبير في مجال التخصص.

صاحبي هذا يملك من خفة الظل قدرا كبيرا، وهو بالمناسبة متـزوج من مغربيـة، هذا الإنسان رائع ومتفان في عمله، وأنا دائما أذكِّره بالتقاعد وأنه كبر على العمل ويحتاج إلى الراحة وأن لزوجته العربية حقا فيه، وهنا تنهد صاحبي وقال: «أنا أموت من دون عمل»، وذكر لي حديثاً دار بينه وبين زوجته، حيث ذكَّرته أنه متزوج بها منذ 28 عاما ولم تحظ به سوى عام... طبعا المغربية تحذف عدد ساعات الدوام والنوم والعمل داخل المنزل والمتبقي لها.

بالمناسبة هو مرتاح ماديا... لكن حبه لعمله وتفانيه هما اللذان يحركانه، وليس ما يتقاضاه من الجامعة، فهو كاتب مشهور على مستوى العالم. هذا الانطباع وددت أنقله إليكم خصوصا العاملين في مجال التعليم، وعسـى أن نعتبر، ونغرس قيم وظيفة المعلم «كاد المعلم أن يكون رسولا»... فمتى نصنع من التعليم مهنة تساهم في التنمية؟

أليست الإجابة في حب المهنة والتفاني في العطاء هي دليل على حب الوطن؟!

ودمتم سالمين.

back to top