إيران والانتخابات الرئاسية الأميركية

نشر في 23-10-2008
آخر تحديث 23-10-2008 | 00:00
 د. مصطفى اللباد يترقب العالم دوماً نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية بسبب ما تمثله الولايات المتحدة سياسياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، ويتعزز الترقب عند ملاحظة أن النظام العالمي الراهن يعرف أحادية قطبية تحت زعامة واشنطن.

وبسبب القدرات الكونية للولايات المتحدة الأميركية، فقد أصبحت انتخابات الرئاسة الأميركية شأناً إقليمياً في مناطق العالم المختلفة قبل أن تكون شأناً محلياً أميركياً. وبالرغم من هذه الفرضية الانطلاقية التي تتمتع بصلاحية عامة، فإن إيران ربما تكون البلد الأكثر ترقباً في العالم لنتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية القادمة. ومرد الاهتمام الإيراني الاستثنائي أن طهران تعلق آمالاً كبيرة على هزيمة المرشح الجمهوري جون ماكين؛ وما يمثله سياسياً وأيديولوجياً كخطوة ضرورية للوصول إلى أهدافها الإقليمية. ولا يخفى أن طهران تنظر -بحق- إلى ماكين باعتباره من أبرز مؤيدي «المحافظين الجدد»، وأحد الداعين إلى التصعيد ضدها عموماً، وضد طموحاتها النووية خصوصاً؛ وهو الأمر الذي يضع بالنهاية عائقاً كبيراً أمام طهران في طريقها للصعود الإقليمي في حال انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية.

تعتقد طهران أن فوز المرشح الديمقراطي باراك أوباما بالانتخابات سيعيد الاعتبار إلى سياسة خارجية أميركية أكثر واقعية في تعاملها مع قضايا الشرق الأوسط، وهو ما يرتب بالتالي على الإدارة الديمقراطية الجديدة أن تتعامل مع الواقع الموضوعي على الأرض. وبسبب إمساك إيران بأوراق إقليمية متنوعة سياسية واقتصادية ومذهبية واستراتيجية، فإن نتيجة المفاوضات سوف تعكس هذا الواقع وبما يمكن إيران بالنهاية من المشاركة في صياغة مستقبل المنطقة بسماح وتفاهم أميركيين. وبالرغم من وجاهة الافتراض الإيراني فإن ميل طهران لتفضيل المرشح الديمقراطي يمثل عودة عن تقليد إيراني تاريخي، بدأ منذ عام الانقلاب على حكومة الدكتور محمد مصدق عام 1953 واستمر حتى انتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2000. ويتلخص هذا التقليد التاريخي في تحبيذ إيران للتعامل مع الإدارات الجمهورية، بسبب ارتباط المصالح الإيرانية في أميركا باللوبي النفطي هناك والذي يحتفظ بدوره بعلاقات ممتازة مع الجمهوريين.

يسلط التفضيل الإيراني المذكور للمرشح الديمقراطي الأضواء على العلاقات الإيرانية-الأميركية، وهي العلاقات الفريدة من نوعها في تاريخ العلاقات الدولية لأنها وعلى مدار نصف القرن الأخير، راوحت بين أقصى درجات التقارب وأشد مراحل العداوة، وتقلبت فيما دون ذلك على ألوان طيف بين هذين الحدين.

وإذ تعرقل طهران مشروع الشرق الأوسط الجديد بالأصالة عن نفسها وبالنيابة عن حلفائها الممتدين من العراق حتى غزة، فإن هذه العرقلة تجعل لإيران أهمية خاصة في الاستراتيجية الأميركية على الرغم من قطع العلاقات بين واشنطن وطهران منذ حوالي ثلاثين عاماً. ولئن استطاعت طهران استثمار التناقضات في المنطقة والأخطاء الفادحة للإدارة الأميركية الحالية بخليط مدهش من فن المداورة الاستراتيجية وأصول الدهاء الإيراني، فإن طهران تعلم قبل غيرها حدود القوى الكونية التي تكبح طموحها التاريخي للعب دور إقليمي تحت أسقف منخفضة. وعلى الناحية المقابلة فقد تقلصت خيارات واشنطن النظرية حيال إيران إلى احتمالين فقط: التسوية السياسية أو العمل العسكري. ويعد سيناريو تغيير النظام الإيراني من الداخل أمراً مستبعداً، لأن حركات المعارضة الإيرانية في الداخل، شخصيات وأحزابا، لا تستطيع بحكم موازين القوى الداخلية الإيرانية استثمار الوضع الإقليمي والدولي للضغط على النظام بجدية. كما انهار السيناريو الخاص بالاحتواء المزدوج تجاه إيران والعراق بسبب سياسات إدارة الرئيس المنتهية ولايته جورج دبليو بوش في المنطقة. وهكذا كرس احتلال أفغانستان والعراق إيران كقوة إقليمية عظمى في المنطقة، لا يمكن تجاهل مصالحها عند رسم منظومة إقليمية جديدة للمنطقة.

برعت طهران، حتى في أحلك الظروف، في استخدام قنوات خلفية متنوعة للحوار مع واشنطن بهدف التأثير على خيارات التصعيد من بعض الأطراف داخل الإدارة الأميركية. ولعله من المفيد ملاحظة أن إيران لا تعادي الولايات المتحدة الأميركية لأغراض أيديولوجية فقط، بل تسعى إلى إجبارها على الجلوس إلى مائدة المفاوضات لتقاسم النفوذ معها بالمنطقة وذلك عبر قدرة طهران على تكبيد واشنطن خسائر إقليمية وسياسية. بالرغم من وجاهة التقدير الإيراني لإمكانات التفاوض المحتملة مع الإدارة الأميركية الديمقراطية، ومحدودية خياراتها حيال إيران، فإن الرهان الإيراني على فوز المرشح الديمقراطي في حل القضايا العالقة بين واشنطن وطهران يبدو بسيطاً بعض الشيء. ويعود السبب في ذلك التقدير إلى أن القرارات الاستراتيجية الكبرى لا يصنعها الرئيس الأميركي وحده، بل جماعات الضغط المختلفة والمصالح الاحتكارية الكبرى.

يبدو أن على طهران تأجيل الاحتفال بانتصار رهانها الاستراتيجي حتى الدخول في مفاوضات مباشرة مع الإدارة الديمقراطية القادمة. أما إذا فاز المرشح الجمهوري ماكين بالانتخابات، فالأرجح أن خيار التفاوض مع طهران سيتراجع إلى الخلف لمصلحة التصعيد المدعوم من اللوبي الصهيوني والمجمع الصناعي-العسكري الأميركي. فلننتظر لنرى!

* مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة

back to top